بسبب قانون الإيجار القديم…50 ألف عيادة وصيدلية مهدده بالإغلاق

- ‎فيتقارير

 

 

تداعيات مشروع قانون الإيجار القديم الذى أقره مجلس نواب السيسي مؤخرا لا تزال تتكشف ..هذه التداعيات لا تقتصر فقط على طرد أكثر من 3 ملايين أسرة الى الشوارع وتشريدها دون توفير مسكن بديل لها بل هناك مشكلات آخرى تتعلق بالعيادات والصيدليات ومكاتب المحاماة المؤجرة بنظام الايجار القديم .

ورغم أن القانون الجديد يمنح فترة انتقالية تمتد لخمس سنوات قبل إنهاء عقود الإيجار للوحدات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، إلا أن الأطباء والصيادلة يرون أن هذه المهلة غير كافية .

وحذروا من أن تطبيق القانون بصيغته الحالية قد يُفضي إلى إغلاق آلاف العيادات والصيدليات المنتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية، خاصة في المناطق الشعبية والتجارية القديمة، دون تقديم بدائل مناسبة أو ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة الصحية للمواطنين. 

كانت بعض القطاعات المهنية قد وجهت انتقادات حادة لمواد قانون الايجار القديم خاصة فيما يتعلق بتأثيره على المنشآت الخدمية، وأعّرب عاملون فى قطاع الصحة عن خشيتهم من أن يؤدي الإخلاء المرتقب إلى زعزعة استقرار مراكز طبية تعمل منذ عقود، وتربطها علاقة ثقة طويلة بالمجتمعات المحلية التي تعتمد عليها في الحصول على خدمات الرعاية الأساسية.

يشار إلى أن هناك نحو 21 ألف عيادة مؤجرة من إجمالي 99 ألفًا، ونحو 30 ألف صيدلية مؤجرة من أصل 90 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية.

 

قنبلة موقوتة

 

حول هذه الأزمة اعتبر محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، أن مشروع قانون الإيجار القديم يشكل “قنبلة موقوتة” سوف تنفجر في وجه الجميع، لما يمثله من تهديد مباشر للسلم الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق باستقرار منظومة الرعاية الصحية الأولية في المناطق الشعبية والفقيرة. 

وقال فؤاد في تصريحات صحفية ، إن العيادات الطبية والصيدليات في هذه المناطق تمثل الملاذ الأول للمواطنين محدودي الدخل، الذين يعتمدون على قرب المكان وبناء الثقة مع الطبيب أو الصيدلي، وهو ما سيكون مهددًا تمامًا حال تطبيق القانون بصيغته الحالية. 

وأوضح أن المادة الثانية من مشروع القانون، التي تنص على انتهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات لغير السكني، تعني عمليًا إغلاق آلاف الصيدليات والعيادات الصغيرة، متسائلًا: كيف نغلق صيدليات بسيطة في أحياء فقيرة وهي تُعد منافذ صحية حيوية؟ 

وكشف فؤاد أن مصر تضم نحو 88 ألف صيدلية، تعاني نسبة كبيرة منها من ركود اقتصادي حاد منذ عام 2020، نتيجة لتراجع إنفاق المواطنين على الصحة والدواء، مشيرًا إلى أن الكثير من الصيدليات لم تعد قادرة على تغطية رواتب العاملين، وبعضها أُجبر على الإغلاق بالفعل. 

 

المناطق الشعبية

 

وشدد على أن الصيدليات في المناطق الشعبية تقدم خدمات دوائية أساسية، ويلجأ إليها المواطنون ممن لا يملكون تكلفة الكشف الطبي، مشيرا إلى أن هذه الثقة بين الصيدلي والمريض هي ما يضمن للمواطن حقه في الرعاية، وإذا أُجبر الصيدلي على ترك موقعه بسبب ارتفاع الإيجار، فلن يجد المواطن الدواء ولا من يرشده إليه . 

وأكد فؤاد أن نقل صيدلية أو منشأة صحية ليس أمرًا بسيطًا، بل يخضع لإجراءات تنظيمية معقدة، مشددًا على أن تطبيق القانون بهذا الشكل سيدفع الكثيرً من الصيدليات إلى مغادرة أماكنها، ما يُضعف قدرة المواطنين على الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية . 

وقال ان القانون بهذا الشكل لا يضر فقط أصحاب العيادات والصيدليات، بل هو تعسف مباشر ضد المواطنين ويُقوّض حقهم في الحصول على الرعاية الصحية بسهولة وكُلفة مناسبة مؤكدا أنه بمثابة تهديد حقيقي للأمن الصحي في البلاد . 

 

خلو الرجل

 

وقال الدكتور محمد بدوي، طبيب أسنان وعضو مجلس نقابة أطباء الأسنان سابقًا، إن قانون الإيجار القديم يُعد من الملفات شديدة التعقيد، ولا يمكن النظر إليه فقط من زاوية انخفاض القيمة الإيجارية الحالية، دون مراجعة الشروط التي تم التعاقد بموجبها سابقًا، خاصة خلال فترات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. 

وأكد بدوي في تصريحات صحفية أن العديد من الأطباء دفعوا في ذلك الوقت مبالغ كبيرة مقابل “خلو الرجل”، وصلت في بعض الأحيان إلى ما يفوق قيمة شراء وحدة سكنية في مناطق حديثة مثل مدينة نصر آنذاك.   

وأضاف: فتح عيادة في وسط البلد مثلاً كان يتطلب دفع خلو يُعادل أو يزيد عن شراء شقة كاملة في منطقة جديدة، وبالتالي يمكن القول إن المستأجرين قد سددوا فعليًا ثمن الوحدة، بينما يُعد الإيجار بمثابة بدل رمزي للصيانة فقط. 

وأشار بدوي إلى أن معظم المستأجرين اليوم، خصوصًا الأطباء، هم من يتحملون تكلفة الصيانة كاملة، دون مساهمة من المالك، ما يطرح تساؤلات حول عدالة مضاعفة القيمة الإيجارية في ظل هذه الأعباء.

وحذر من أن تحريك القيمة الإيجارية بشكل مفاجئ وكبير سيؤثر سلبًا على الخدمات الطبية، خاصة في العيادات الموجودة في المناطق الشعبية، حيث تنخفض أسعار الكشف لتتناسب مع القدرة الاقتصادية للمواطنين.

 

الخدمات الطبية

 

وتابع بدوى : ارتفاع الإيجارات سيضطر الأطباء إلى رفع أسعار الكشوفات والخدمات الطبية، ما سيضر بالمرضى من محدودي الدخل، لا سيما في المناطق التي لا تزال توفر خدمات بأسعار معقولة . 

كما حذر من أن تطبيق الإخلاء بعد خمس سنوات، وفقًا للتعديل الجديد، سيهدد استقرار العيادات والمنشآت الصحية، مشيرًا إلى أن تأسيس منشأة طبية يتطلب استثمارات ضخمة وتجهيزات مكلفة، وتحتاج إلى فترة طويلة لتحقيق العائد منها. 

وقال بدوى أن قانون المنشآت الطبية يمنح استثناء فقط للعيادات والمنشآت الصحية القائمة في المباني غير الإدارية أو التجارية، وبالتالي فإن فقدان العقود القديمة سيُعرض هذه المنشآت لخطر فقدان تراخيصها، خاصة في الأحياء القديمة التي تندر فيها العقارات المؤهلة للحصول على تراخيص جديدة. 

وأوضح أنه بمقتضى القانون الجديد إما أن يقبل الطبيب رفعًا مبالغًا فيه من المالك، أو يضطر للانتقال إلى مكان آخر، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل الشروط الجديدة، وغياب البدائل المناسبة في المناطق القديمة مؤكدا أن الكثير من المنشآت الطبية لن تتمكن من الاستمرار أو تجديد تراخيصها، وهذا يشكل خطرًا على المنظومة الصحية برمتها.