رسالة الإخوان المسلمون: السلطة الفاشية باعت الوطن وشاركت العدو سعيه لهدم مصر

- ‎فيبيانات وتصريحات

في رسالة جديدة لجماعة الإخوان المسلمين "أمة التفاؤل والبشارة رغم المحن والشدائد" وقعها القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د.محمود حسين الأستاذ السابق بكلية الهندسة جامعة أسيوط، عبر عن يقينه وجماعة الإخوان في مصر أن سعى سلطة الانقلاب المفسدة وكلاء الاحتلال "إلى بوارٍ، وأهدافَهم إلى زوالٍ".

وشدد على أن مصر ستبقى بحولِ اللهِ وقوَّتِه ".. عصيَّةً على السقوطِ، أَبِيَّةً لا تَقبلُ المذلَّةَ، وسَيَلتفُّ حولَها المخلصونَ من أبنائِها، يُفاجِئونَ العالمَ، لا يتردَّدون عن حمايةِ أرضِها، والذَّودِ عن حياضِها، والحفاظِ على مقدَّراتِها، وسينجلي ليلُ الانقلابِ بصباحٍ جديدٍ، ونصرٍ عزيزٍ، وفَرَجٍ قريبٍ، لمصرَ وللأمَّةِ – بحولِ اللهِ وتوفيقِه".

وأعتبر أن "ما يحدثُ في مصرَ من جرائمَ ضدَّ المعتقلينَ، وبيعٍ لمقدَّراتِ الوطنِ، وتفريطٍ في أمنِه القوميِّ، واستخفافٍ بأرواحِ المصريينَ، واستنزافٍ للمالِ العامِّ، وتفريغٍ لسيناءَ من أهلِها، كلُّ ذلك ليس بعيدًا عمَّا يقعُ في غزَّةَ، وما يحدثُ على أرضِها، وما يُحاكُ للمنطقةِ، وما يُدبَّرُ لها بوضوحٍ سافرٍ ليس فيه خفاءٌ".

وعن المخطط الذي يدبرونه لمصر، أشار إلى أن ما يحدث "..يُؤكِّد أنَّ مصرَ يتمُّ تجهيزُها لتكونَ الوليمةَ القادمةَ لقوى الاستكبارِ العالميِّ، بعد أن تمَّ تطويقُها بسلطةٍ فاشيَّةٍ، باعَتِ الوطنَ بثمنٍ بخسٍ، وأَبَتْ إلَّا أن تُشارِكَ العدوَّ سعيَه لهدمِ مصرَ، وضربِ أركانِ قوَّتِها".

12 عامًا على رابعة

وعن 12 عامًا على ما حدث في رابعة العدوية، من إزهاق الأرواح وإراقة الدماء قال: "في مصرَ الحبيبةِ، حيث تطوفُ بنا ذكرياتُ رجالٍ ونساءٍ ضحَّوا بأرواحِهم ودمائِهم في رابعةَ وغيرها من ميادينِ الكرامةِ والعِزَّةِ من أجلِ رفعةِ أُمَّتِهم، والحفاظِ على أوطانِهم، وتجنيبِها ما وصلتْ إليه اليومَ ممَّا نرى ونسمع، في ظلِّ انقلابٍ عسكريٍّ غشومٍ، أهلك الحرثَ والنسلَ، وفَرَّط في المقدَّراتِ، وأفشل البلادَ، ووضعَها على حافَّةِ الهاويةِ، ونشر فيها الفقرَ والديونَ والإهانةَ والظلمَ والتخلُّفَ والفسادَ".

وأضاف، "بعد اثنتي عشرةَ سنةً من تلك المجازرِ التي ارتكبَها الانقلابُ في رابعةَ، ما زال يُمارسُ ضغوطَه على المعتقلين، في محاولةٍ منه لترهيبِ الشعبِ، واحتواءِ غضبِه المكتومِ في كلِّ أركانِ مصرَ، وتبدو ملامحُه في وجهِ كلِّ مصريٍّ، فلا تفتقدُه في الأسواقِ، ولا في وسائلِ المواصلاتِ، ولا في الأحاديثِ الخاصَّةِ بين الناسِ".

وأكد أن هذا الانكشاف للإنقلابيين جاء "بعد أن اتَّسعَ الخرقُ على الراقعِ، وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ، وتكشَّفتِ الحقائقُ سافرةً، وظهرتِ الوقائعُ بلا مواربةٍ، ولم يَعُدْ يَنطلي على أحدٍ زيفُ الحديثِ، ومعسولُ الكلامِ، أو تلفيقُ التُّهَمِ، أو تعليقُ بلاءِ الفسادِ على شمَّاعةِ الأحرارِ الصابرين، أو الأبرياءِ المظلومين، وما زالتِ التضحياتُ الجسامُ التي يُقدِّمُها رجالٌ صامدون ونساءٌ صامداتٌ خلفَ الأسوارِ، يُعانون أشدَّ المعاناةِ، ويُنَكَّلُ بهم أشدَّ التنكيلِ، فيُحرَمون من كافَّةِ حقوقِهم في الزياراتِ والعلاجِ، ليرتقيَ كلَّ يومٍ منهم المزيدُ، دون أن يدفعَهم ذلك إلى استعطافِ المجرمينَ، أو استرضاءِ المنقلِبينَ.".

 

رسالة  الإخوان: 

"أمة التفاؤل والبشارة رغم المحن والشدائد"

 

الجمعة 25 يوليو 2025 04:30 م

 

الحمدُ للهِ الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورَنا للإيمان، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبِه أجمعين، وبعد،

 

        لقد مرّ تاريخُ الدعوةِ المباركة، منذ نزل الوحيُ على النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، بلحظاتٍ قاسيةٍ ومراحلَ وعرةٍ، تحمّل فيها النبيّ – صلى الله عليه وسلم – وصحبتُه الكرامُ كلَّ بأسٍ، وتجرّعوا كلَّ مرارةٍ، وعانَوا كلَّ ضيقٍ، إلا أنّ المنهجَ النبويَّ كان يُركّز على البشارةِ التي تعقبُ كلَّ أزمةٍ، والأملِ الذي يُلازمُ كلَّ يأسٍ، واليُسرِ الذي يُبدّدُ كلَّ عُسرٍ.

 

          لقد كان منهجُ الإسلامِ – وطبَّقه النبيُّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – يرفضُ اليأسَ، ويأبى القنوطَ، ويصنعُ التفاؤلَ من بينِ رُكامِ واقعٍ بئيسٍ، ويُظهِرُ البَسمةَ في وقتِ الشدائدِ والكُرُباتِ، فها هو يُوجِّهُ أصحابَه فيقولُ فيما رواه البخاري: “يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبشِّروا ولا تُنفِّروا”، ويقولُ في الحديث المتفق عليه: “لا عدوى ولا طِيَرة، ويُعجبني الفألُ الصالحُ” (رواه البخاري ومسلم)، ويقولُ لصاحبِه في كربِ الهجرةِ ومع اقترابِ العدوّ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40)، ويقفُ في غزوةِ الخندقِ وقد أحاطَ به العدوُّ من كلِّ مكانٍ، واجتمعت عليه وعلى أصحابِه الأحزابُ، فيقول: “اللهُ أكبر، فُتِحَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى، اللهُ أكبر، فُتِحَتْ قَيْصَرُ وَالْحَبَشَةُ”، وكانت العربُ تتطيَّرُ من شهرِ صفر، فقال – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – فيما رواه البخاري ومسلم: “لا عَدْوَى، ولا صَفَرَ، ولا هَامَةَ”، بل أبطلَ هذه العادةَ، فكانت غزوةُ الأبواءِ في شهرِ صفرٍ بعد هجرتِه إلى المدينةِ بعامٍ واحدٍ، وفي صفرٍ من السنةِ السابعةِ للهجرةِ كان فتحُ خيبر، بل زوَّجَ ابنتَه فاطمةَ خيرَ نساءِ أهلِ الجنةِ من ابنِ عمِّه عليِّ بنِ أبي طالبٍ – رضي اللهُ عنه – في شهرِ صفر.

 

        ونحن نترسَّمُ منهجَ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، ونسيرُ على أَثَرِه، ونمضي على نَهْجِه، ونمشي في طريقِه، نحملُ في قلوبِنا البُشْرَى والتفاؤلَ مهما ضاقت بنا الأمورُ، ومهما أظلمت الدنيا أمامَنا، ومهما اجتمع علينا الأعداءُ من كلِّ مكانٍ يَكيدون ويمكرون، ليظلَّ الاستبشارُ لنا شعارًا، والتفاؤلُ لنا عنوانًا، يُشجِّعُ على العملِ، ويُحرِّكُ العزائمَ، ويُقوِّي الأملَ، ويزيدُ الرجاءَ، ويُداوي الجراحَ المؤلمةَ.

 

        إنَّ أُمَّتَنا اليومَ تعيشُ مرحلةَ مخاضٍ عسيرةٍ، تتزاحمُ فيها الآلامُ، وتتكاثَرُ فيها المكارهُ والأعباءُ، ويُحيطُ بها الأعداءُ من كلِّ مكانٍ، إلا أننا نُواجِهُ كلَّ ذلك بقلوبٍ أكثرَ عزمًا، ومواقفَ أشدَّ انحيازًا للحقِّ، ورفضًا للظلمِ والبغيِ، لن نتنكَّبَ الطريقَ، ولن نتركَ منهجَ البشارةِ الذي اختطَّه لنا الحبيبُ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، وسارَ عليه في سيرتِه المباركةِ، فتركَنا على المحجَّةِ البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا نَبْرَحُها ما دام في النفسِ مَنْزِعٌ، وما كان في الجسدِ بقيَّةُ حياةٍ، لا نُقيلُ ولا نَستقيلُ.

 

 

رسائل النصر والعتاب من غزة  الأبيّة

 

        وفي غزَّةَ العزَّةِ، لن نفقدَ الأملَ، ولن نبرحَ العملَ، رغمَ ما يُعانيه مليونَا مسلمٍ جرَّاءَ حربِ تجويعٍ مُنظَّمةٍ، تورَّطت فيها أنظمةٌ عربيةٌ، وسعَّرت نيرانَها جهاتٌ دوليةٌ، وتولَّت أمرَها قوى الاستكبارِ العالميِّ عمدًا وتخطيطًا مُسبقًا، حتى بلغت الجريمةُ مداها، ووصلت الكارثةُ منتهاها، بعد أن وضعوا الطعامَ والشرابَ والدواءَ في معادلةِ المفاوضاتِ والمساوماتِ بدلًا من أن تكونَ حقوقًا مكفولةً لشعبٍ يُعاني الحربَ الوحشيةَ على مدارِ أكثرَ من 21 شهرًا، تعرَّضَ فيها لإبادةٍ جماعيةٍ في مواجهةٍ غيرِ مسبوقةٍ، فقتلوا الأطفالَ والنساءَ، ونسفوا البيوتَ من القواعدِ، فخَرَّتِ الأسقفُ فوق رؤوسِ ساكنيها، وهدموا المستشفياتِ، ومَسَحوا أسماءَ عائلاتٍ كاملةٍ من سجلاتِ الأحياءِ.

 

        إنَّ هذه الحربَ الضَّروسَ التي خَلَت من كلِّ القِيَمِ، وانتهكتْ كلَّ قوانينِ الحروبِ وأعرافِها، لن تُوهِنَ عزيمةَ شعبٍ يُحافِظُ على أرضِه، ولن تَقْهَرَ وطنًا لديه إرادةُ الحياةِ والكرامةِ، رغمَ استخدامِ عدوِّه الغادرِ الوسائلَ الأكثرَ وحشيَّةً وهمجيَّةً ونازيَّةً بقتلِه المدنيينَ جوعًا أو قصفًا، ولا يَقبلُ الدنيَّةَ في دينِه، أو يتخلَّى عن وطنِه، أو يُفَرِّطَ في حبَّةِ رملٍ من تُرابِه، وفضَّلَ أن يموتَ عزيزًا على أن يلقى ربَّه مُفَرِّطًا في دينِه وعِرضِه ووطنِه.

 

        إنَّ هذه الحربَ العالميَّةَ ضدَّ غزَّةَ لم تَنجحْ في إثناءِ المقاومةِ عن إثخانِ العدوِّ بكلِّ قوَّةٍ، وإنهاكِ جيشِه وحلفائِه بكلِّ عزمٍ، وتكبيدِه خسائرَ فادحةً لم تكن في حُسبانِه، فحملت “حجارةُ داوودَ” نارًا تَلَظَّى على كلِّ مَن سوَّلتْ له نفسُه أن يطأَ بقدمِه أرضَ غزَّةَ المباركةَ، ليخرجوا منها مهزومين صاغرين – إن شاءَ اللهُ – مدحورين، يُلاحقُهم العارُ، ويُطاردُهم الخزيُ، ويتربَّصُ الموتُ بمَن تبقَّى منهم على قيدِ الحياةِ، فتُطالِعُنا الأخبارُ من هنا وهناك، وتُروى قصصُ البطولةِ في كمائنِ الموتِ التي أعدَّها المقاومونَ البواسلُ لجنودِ الكيانِ المُغتصبِ.

 

        وما زال رجالُ المقاومةِ البواسلُ يُسطِّرون بحروفٍ من نورٍ بطولاتٍ سيُخلِّدُها التاريخُ، وتتلوها الأجيالُ جيلًا بعد جيلٍ، وقد أثبتوا للعالمِ بأسرِه أنَّ الشعبَ الفلسطينيَّ البطلَ ومقاومتَه الباسلةَ رقمٌ صعبٌ في المعادلةِ لا يمكنُ تجاوزُه بحالٍ من الأحوالِ، وأنَّ في جنباتِ هذا الوطنِ فيضًا متجدِّدًا من رجالِ اللهِ لا يُتاجرون بقضيَّتِهم بغيةَ دنيا فانيةٍ أو مناصبَ زائلةٍ، وإنَّما يُضحُّون بكلِّ غالٍ ونفيسٍ من أجلِ تحريرِ مقدَّساتِ الأمَّةِ، والذَّودِ عن حياضِها، وحفظِ كرامتِها، ويُذيقون العدوَّ الغاصبَ جزاءَ صنيعِه، ونقضِه للعُهودِ والاتفاقاتِ، على مَرأًى ومَسمَعٍ من المؤسَّساتِ الدوليَّةِ والقُوى الكُبرى، ويُعلِّمون العالمَ كيف يكونُ الصمودُ والبأسُ عند النِّزالِ، ويُزيلون بالعملِ والجهادِ والصورةِ والمشاهدةِ الدعاياتِ الكاذبةَ التي روَّجَها عدوُّهم وأحلافُه على مدارِ نصفِ قرنٍ عن آبائِهم وأجدادِهم الشُّمِّ الميامينَ، الذين يُحيي أبناؤُهم اليومَ عهدَهم بالأمسِ.

 

        هذا الصمودُ الأسطوريُّ الذي يُسطِّر ملاحمَه الشعبُ الفلسطينيُّ ومقاومتُه الباسلةُ لن يُعفيَ المُتخاذلين من المسؤوليَّةِ، ولن يرفعَ عن الأمَّةِ كلِّها الحرجَ من القيامِ بالواجبِ، وإيتاءِ الحقوقِ المفروضةِ، والنَّفاذِ بكلِّ الوسائلِ إلى هذه الثُّلَّةِ المباركةِ لتوصيلِ كافَّةِ احتياجاتِها، وإمدادِها بكلِّ مددٍ يحفظُ عليها حياتَها، ويدعمُ صمودَها، ويَرفِدُ ثباتَها بكلِّ قوَّةٍ وإصرارٍ.

 

        إنَّ المسئوليَّةَ اليومَ لا تقعُ على الحكوماتِ المتخاذلةِ فحسب، ولكنَّها تقعُ مع ذلك، وفوقَ كلِّ ذلك، على كافَّةِ الشُّعوبِ الإسلاميَّةِ، بل وعلى شُعوبِ العالمِ الحُرِّ، الذين يتوجَّبُ عليهم جميعًا الحِراكُ بلا توقُّفٍ، والعملُ بلا تردُّدٍ، على إنقاذِ شعبٍ يموتُ جوعًا، ويهلِكُ عطشًا، بيدِ احتلالٍ غاشمٍ، وإلَّا فإنَّ العاقبةَ على الجميعِ ستكونُ وخيمةً، والتَّبِعةَ عظيمةً على مَن تواطأَ، بل وعلى مَن صمتَ وسكتَ، ومَن تولَّى وفرَّط، ولن يفلتَ أحدٌ من حسابِ اللهِ تعالى عن هذه الدماءِ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).

 

        وبِئسًا لنظامٍ عالميٍّ يَزعمُ أنَّه حامي الحريَّةِ، يَسقُطُ في امتحانٍ جديدٍ في غزَّةَ، فيقبلُ قتلَ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ، ويصمُتُ على الدَّمارِ والحصارِ والتجويعِ، في صورةٍ يَندى لها جبينُ الإنسانيَّةِ، بل يَحرُسُ القَتَلَةَ، ويُطارِدُ علمَ فلسطينَ في كلِّ مكانٍ، ويَمنعُ كلَّ مَن يهتفُ لغزَّةَ في الشوارعِ والجامعاتِ.

 

 

في ذكرى رابعة.. تضحيات مستمرة

 

        وفي مصرَ الحبيبةِ، حيث تطوفُ بنا ذكرياتُ رجالٍ ونساءٍ ضحَّوا بأرواحِهم ودمائِهم في رابعةَ وغيرها من ميادينِ الكرامةِ والعِزَّةِ من أجلِ رفعةِ أُمَّتِهم، والحفاظِ على أوطانِهم، وتجنيبِها ما وصلتْ إليه اليومَ ممَّا نرى ونسمع، في ظلِّ انقلابٍ عسكريٍّ غشومٍ، أهلك الحرثَ والنسلَ، وفَرَّط في المقدَّراتِ، وأفشل البلادَ، ووضعَها على حافَّةِ الهاويةِ، ونشر فيها الفقرَ والديونَ والإهانةَ والظلمَ والتخلُّفَ والفسادَ.

 

        إنَّنا، وبعد اثنتي عشرةَ سنةً من تلك المجازرِ التي ارتكبَها الانقلابُ في رابعةَ، ما زال يُمارسُ ضغوطَه على المعتقلين، في محاولةٍ منه لترهيبِ الشعبِ، واحتواءِ غضبِه المكتومِ في كلِّ أركانِ مصرَ، وتبدو ملامحُه في وجهِ كلِّ مصريٍّ، فلا تفتقدُه في الأسواقِ، ولا في وسائلِ المواصلاتِ، ولا في الأحاديثِ الخاصَّةِ بين الناسِ، بعد أن اتَّسعَ الخرقُ على الراقعِ، وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ، وتكشَّفتِ الحقائقُ سافرةً، وظهرتِ الوقائعُ بلا مواربةٍ، ولم يَعُدْ يَنطلي على أحدٍ زيفُ الحديثِ، ومعسولُ الكلامِ، أو تلفيقُ التُّهَمِ، أو تعليقُ بلاءِ الفسادِ على شمَّاعةِ الأحرارِ الصابرين، أو الأبرياءِ المظلومين، وما زالتِ التضحياتُ الجسامُ التي يُقدِّمُها رجالٌ صامدون ونساءٌ صامداتٌ خلفَ الأسوارِ، يُعانون أشدَّ المعاناةِ، ويُنَكَّلُ بهم أشدَّ التنكيلِ، فيُحرَمون من كافَّةِ حقوقِهم في الزياراتِ والعلاجِ، ليرتقيَ كلَّ يومٍ منهم المزيدُ، دون أن يدفعَهم ذلك إلى استعطافِ المجرمينَ، أو استرضاءِ المنقلِبينَ.

 

        إنَّ ما يحدثُ في مصرَ من جرائمَ ضدَّ المعتقلينَ، وبيعٍ لمقدَّراتِ الوطنِ، وتفريطٍ في أمنِه القوميِّ، واستخفافٍ بأرواحِ المصريينَ، واستنزافٍ للمالِ العامِّ، وتفريغٍ لسيناءَ من أهلِها، كلُّ ذلك ليس بعيدًا عمَّا يقعُ في غزَّةَ، وما يحدثُ على أرضِها، وما يُحاكُ للمنطقةِ، وما يُدبَّرُ لها بوضوحٍ سافرٍ ليس فيه خفاءٌ، ممَّا يُؤكِّد أنَّ مصرَ يتمُّ تجهيزُها لتكونَ الوليمةَ القادمةَ لقوى الاستكبارِ العالميِّ، بعد أن تمَّ تطويقُها بسلطةٍ فاشيَّةٍ، باعَتِ الوطنَ بثمنٍ بخسٍ، وأَبَتْ إلَّا أن تُشارِكَ العدوَّ سعيَه لهدمِ مصرَ، وضربِ أركانِ قوَّتِها.

 

        إلَّا أنَّنا نُوقِنُ بأنَّ سعيَ أولئك المفسدينَ – الاحتلالِ ووكلائِه – إلى بوارٍ، وأهدافَهم إلى زوالٍ، وستبقى مصرُ – بحولِ اللهِ وقوَّتِه – عصيَّةً على السقوطِ، أَبِيَّةً لا تَقبلُ المذلَّةَ، وسَيَلتفُّ حولَها المخلصونَ من أبنائِها، يُفاجِئونَ العالمَ، لا يتردَّدون عن حمايةِ أرضِها، والذَّودِ عن حياضِها، والحفاظِ على مقدَّراتِها، وسينجلي ليلُ الانقلابِ بصباحٍ جديدٍ، ونصرٍ عزيزٍ، وفَرَجٍ قريبٍ، لمصرَ وللأمَّةِ – بحولِ اللهِ وتوفيقِه.

 

 

الإسلاموفوبيا وسقوط الزيف العالمي

 

        إنَّ العالمَ اليومَ يشهدُ حربًا ضَروسًا ضدَّ الإسلامِ ومعاداتِه، يتَّسعُ نطاقُها، ويتزايدُ خطرُها، إلا أنَّ المتابعَ للمشهدِ يُدركُ أنَّ مشكلةَ القوى العالميَّةِ مع الإسلامِ لم تكن يومًا في مظهرِه، بل في روحِه ومقصِدِه، في عدلِه الذي لا يُهادن، وفي توحيدِه الذي لا يُجامل، وفي نظامِه الذي يُقيمُ القِسطَ بينَ الناسِ ولو كانَ بعضُهم لبعضٍ عدوًّا.

 

        إنَّ ما يجهله الكثيرون – أو يتجاهلونَه – أنَّ الإسلامَ الذي يَخافُ منه المتربِّصونَ، ضربَ فيه نبيُّه – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – المثلَ في التعايشِ، فكان إلى جوارِه في المدينةِ يهودٌ ومنافقونَ ومهاجرونَ وأنصارٌ وفقراءُ وأغنياءُ، فما ظلمَ أحدًا، ولا أهانَ ذميًّا، ولا منعَ أحدًا من حقِّه، بل قال: “مَن آذى ذمِّيًّا فقد آذاني” (رواه الطبراني)، ووثَّق دستورُ المدينةِ هذا التعايشَ في أوَّلِ دولةٍ عرَفها التاريخُ تقومُ على العقدِ المدنيِّ، لا العِرقِ ولا السيفِ، دولةٍ ترفضُ كلَّ أشكالِ الاعتداءِ على المسالمين، ودستورُها قولُ اللهِ تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).

 

        لقد انكشفت أكذوبةُ “النظامِ العالميِّ” الذي صدَّق الناسُ لسنواتٍ أنَّه نصيرُ الحقوقِ، فاستبانَ أنَّه نصيرُ الطغيانِ ما دامت مصالحُه في أمانٍ. يَحمي كلَّ طاغيةٍ في أوطانِنا، ويُسلِّح كلَّ مستبدٍّ ما دامَ يُطيلُ عمرَ نفوذِه، ويُطارد كلَّ شعبٍ ينشدُ الحريةَ إن كانت لا تصبُّ في ميزانِ مصالحِه، ويُدينُ المقاومةَ ويُباركُ القمعَ، ويُهاجمُ المصلحينَ ويَحرُسُ المفسدينَ، وهو كما يقولُ الأمينُ العامُّ للأممِ المتحدةِ: إنَّ هذا النظامَ العالميَّ يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ، فالجوعُ يطرقُ كلَّ بابٍ في غزَّةَ، ومقراتُ الأممِ المتحدةِ تُقصفُ بلا خجلٍ.

 

        إنَّنا في جماعةِ الإخوانِ المسلمون نُدركُ حاجةَ البشريةِ إلى نظامٍ عالميٍّ جديدٍ، يقومُ على ميزانِ العدلِ والإنصافِ، وتبادلِ المصالحِ، والتعاونِ على إعمارِ الأرضِ وكرامةِ البشرِ، لا على مكيالِ التطفيفِ وجشعِ المصالحِ والأهواءِ، والهيمنةِ، والفاشيةِ الناعمةِ والخفيَّةِ، والتدميرِ والتخريبِ. إنَّ البشريةَ تحتاجُ نظامًا جديدًا يدافعُ عن المظلومِ، ويأخذُ الحقَّ من الظالمِ، ويُعلي صوتَ الشعوبِ، لا صوتَ البنادقِ وصوتَ المنافقينَ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل: 90)، وقال رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: “انصُرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا”، قالوا: يا رسولَ اللهِ، هذا نَنصرُه مظلومًا، فكيف نَنصرُه ظالمًا؟ قال: “تأخذُ فوقَ يدَيهِ” (رواه البخاري).

 

        وها هي جماعةُ الإخوانِ المسلمون تضربُ المثالَ الواضحَ، من خلالِ ممارساتِها العمليَّةِ ومن خلال أدبياتِها وبياناتِها، والتي كان آخرها ما صدر في 7 يوليو 2025 م ، حيث تؤكد على نَهجِها السلميِّ داخلَ الوطنِ الواحدِ ، فقدَّمَتْ – وما زالت تُقدِّمُ – التضحياتِ، دون أن تتورَّطَ في الدماءِ، أو تَقبلَ بأيِّ صراعٍ أو احترابٍ أهليٍّ لا يستفيدُ منه سوى أعداءِ الأمَّةِ، وأكَّدَت – وما زالت تُؤكِّدُ – على مواقفِها الثابتةِ تجاهَ تقويةِ مؤسساتِ الدولةِ.

 

        إنَّنا ندعو أُمَّتَنا الإسلاميَّةَ والعربيَّةَ إلى الوحدةِ، والتعاونِ، والعملِ، وتجنُّبِ الخَوَرِ والضَّعفِ، وندعو شعوبَنا الكريمةَ إلى أن تقفَ في وجهِ الظلمِ والخيانةِ والطغيانِ، لا تَخشاه ولا تَرضخْ له، وأن ترفعَ صوتَها مُطالبةً بحقِّها في الحريَّةِ والكرامةِ، فهذا هو المفتاحُ الأوَّلُ لبناءِ أُمَّةٍ متماسكةٍ، قويَّةٍ، قادرةٍ على أن تصنعَ مستقبلَها بإرادتِها لا بإرادةِ غيرِها. {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92).

 

واللهُ أكبرُ وللهِ الحمد

 

 

أ. د. محمود حسين

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة " الإخوان المسلمون "

الجمعة 30 المحرم 1447 هجرية – الموافق 25 يوليو 2025م

https://www.facebook.com/alihamadunofficial/posts/pfbid0H9yJy1ta1BvoEmFf38iuzbdWx6Kvyeas3wSk2DcKnJkLwvrgCEhEAtBARfdCjkA7l