بلغت ١٠٠ ٪ من القيمة السابقة … زيادات جنونية في مصروفات المدارس الخاصة

- ‎فيتقارير

 

الزيادات العشوائية والمتتالية لمصروفات المدارس الخاصة أصبحت أزمة تتجدد مع بداية كل عام دراسي، هذه المصروفات لم تعد مجرد أرقام تعلنها وزارة تعليم الانقلاب أو إدارات المدارس الخاصة، بل تحولت إلى أزمة تزيد أعباء الكثير من الأسر بشكل مباشر، وتضعها أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على مستوى تعليمي جيد لأبنائها وبين القدرة على تدبير ميزانية البيت.

كانت وزارة تعليم الانقلاب قد أعلنت مؤخرًا عن زيادات بنسب تتراوح بين 5% و25% حسب قيمة المصروفات، ورغم ذلك فوجئ أولياء الأمور بأن بعض المدارس تجاهلت القرار، وفرضت زيادات ضخمة وصلت في بعض الحالات إلى 15 ألف جنيه إضافية على الطالب الواحد، بل وتجاوزت أحيانًا نسبة 100% من قيمة المصروفات السابقة.

 

ماكينة نهب

 

في هذا السياق اتهمت ولية أمر ـ رفضت ذكر اسمهاـ إحدى المدارس الخاصة للغات بالدقي بأنها تحولت إلى «ماكينة لنهب أولياء الأمور» بعدما فرضت زيادات خيالية على المصروفات الدراسية بنسبة 40- 45% وعلى اشتراكات الباص بنسبة 120%، معتبرة أن هذه الأرقام تكشف عن فساد صارخ واستغلال كبير للأسر.

وأكدت أن أولياء الأمور طرقوا كل الأبواب ولجأوا إلى مجلس وزراء الانقلاب لتقديم شكاوى رسمية، لكن النتيجة كانت صادمة إذ انحاز الخط الساخن التابع لوزارة تعليم الانقلاب لصالح المدرسة، وتم إرسال الشكاوى إلى مكتب الوزير الانقلابي دون أن يتلقوا أي رد حتى الآن.

وشددت على أن صمت الوزارة «فضيحة» لا تقل عن جرائم المدرسة، معتبرة أن ما يجرى يمثل تواطؤًا رسميًا وحماية متعمدة لمصالح المدرسة على حساب مستقبل الطلاب، وغيابًا كاملًا للرقابة التي تحولت إلى مجرد ستار لتمرير المخالفات.

واعتبرت أن ما يحدث في المدرسة ليس سوى نموذج فج لحالة الفساد التي تنخر في جسد التعليم الخاص، مؤكدة أن الأهالي لم يعودوا يطالبون بالرقابة فقط، بل بمحاسبة كل من تورط في هذا التعتيم المريب.

وأكدت ولية الأمر أن الزيادة الجنونية في المصروفات دفعت عشرات الأسر من مختلف المراحل الدراسية إلى اتخاذ قرار التحويل من المدرسة، بعدما أصبحت الرسوم عبئًا لا يُحتمل لافتة إلى أن إدارة المدرسة بررت هذه الزيادة بقولها: إنها "كانت تتقدم بطلبات متكررة منذ سنوات لوزارة تعليم الانقلاب لرفع المصروفات، لكن هذه الطلبات كانت «مجمّدة» حتى جاء القرار بالموافقة المفاجئة في نهاية الفصل الدراسي الثاني، تزامنًا مع تولي محمد عبداللطيف حقيبة الوزارة، وهو ما أثار علامات استفهام كبرى حول توقيت القرار والجهات التي دفعت باتجاه تمريره رغم كل المخالفات المثبتة بحق المدرسة.

 

مش هقدر أكمل

وقال أحمد حمدي، موظف بالقطاع الخاص: "أنا مش ضد إن المدرسة تزوّد عشان تغطي مصاريفها، بس الزيادات محتاجة تبقى منطقية وتتناسب مع دخلنا، اللي بيحصل حاليًا بيهدد استقرار البيوت، والوزارة لازم يكون لها موقف واضح وحازم مع المدارس اللي بتستغل الناس ".

وأضاف حمدي : أنا عندي ولدان في مدرسة خاصة لغات المصاريف السنة دي زادت حوالي 12 ألف جنيه زيادة فوق اللي بندفعه كل سنة ده معناه أني مضطر أخفف من احتياجات البيت الأساسية الموضوع مبقاش تعليم ده بقى سباق على مين يقدر يدفع أكتر.

 

وقالت دعاء محمود، ولية أمر: "ابني في الصف الأول الابتدائي، ولسه صغير ومع ذلك المدرسة طالبة مني مبلغ كبير جدًا تحت بند أنشطة".

وأضافت : لو كل سنة كده، أنا مش هقدر أكمّل رغم أننا دخلناه مدرسة خاصة علشان نأخذ تعليما جيدا .

 

مشروعات استثمارية

 

من جانبه قال الدكتور تامر شوقي، أستاذ التربية بجامعة عين شمس: إن "المدارس الخاصة أصبحت جزءًا أصيلًا من المشهد التعليمي في مصر، حيث تجذب أعدادًا كبيرة من الطلاب، لدرجة أن بعض المدارس لديها قوائم انتظار، موضحا أن السبب في ذلك هو ما تقدمه هذه المدارس من خدمات تعليمية وأنشطة متميزة، بالإضافة إلى وسائل النقل وخدمات أخرى لا تتوافر فى المدارس الحكومية".

وأشار «شوقي» في تصريحات صحفية إلى أن المدارس الخاصة تُدار باعتبارها مشروعات استثمارية تسعى لتحقيق أرباح بعد تغطية التكاليف، وهو ما يجعلها ترى أن نسب الزيادة المحددة من الوزارة مبررة، خاصة فى ظل التضخم وارتفاع أسعار الخامات والأجهزة، ورغم ذلك، فإن هذه الزيادات تخضع لرقابة الإدارات والمديريات التعليمية والوزارة نفسها.

وأوضح أن الكثيرً من الأسر خصوصًا متوسطة الدخل تلجأ للجمعيات وغير ذلك من الحلول لتدبير تكاليف التعليم الخاص، لكن مع الزيادات المتلاحقة قد تضطر بعض الأسر لإخراج أبنائها من المدارس الخاصة وإلحاقهم بالمدارس الحكومية، ما يخلق مشكلات مزدوجة: أولًا زيادة الكثافة فى الفصول الحكومية، وثانيًا تأثير نفسى على الطالب نفسه الذى قد يشعر بالانتقاص من مستواه الاجتماعي والتعليمي.

واقترح «شوقي» عددًا من الحلول لضبط مصروفات المدارس الخاصة بشكل أكثر عدلًا، من بينها:

ربط نسب الزيادة السنوية بمعدلات التضخم الحقيقية، بحيث تختلف من عام لآخر حسب الظروف الاقتصادية.

منع المدارس من تحصيل مبالغ إضافية غير معلنة.

منح خصومات للأسر التي لديها أكثر من طفل فى نفس المدرسة.

تنويع مستويات الخدمات داخل المدرسة الواحدة، بحيث لا يضطر جميع أولياء الأمور لدفع نفس المصروفات المرتفعة.

وشدد على أن الحل الأمثل يكمن فى تحقيق توازن بين احتياجات المدارس واستقرار الأسر، عبر سياسات تعليمية أكثر مرونة ورقابة جادة، حتى لا يتحول التعليم الخاص إلى عبء لا يحتمل.

 

الحقد المجتمعي

 

وقالت أخصائي الإرشاد النفسي والأسري والتربوي ريهام عبد الرحمن: إن "الزيادات المتتالية في المصروفات الدراسية، بالمدارس الخاصة، خلقت فجوة واضحة داخل المجتمع، بل وأسهمت في ظهور ما يمكن وصفه بـ «الحقد المجتمعي» .

وأوضحت ريهام عبد الرحمن في تصريحات صحفية أن الدراسات الاقتصادية تؤكد أن عجز الكثير من أولياء الأمور عن إلحاق أبنائهم بمدارس خاصة يوسع من هذه الفجوة، ليس فقط اجتماعيًا بل وتعليميًا أيضًا، حيث تحولت العملية التعليمية إلى سوق رأسمالي قائم على مبدأ من يدفع أكثر يتعلم أكثر.

وأضافت: لم يعد التعليم قائمًا على التفوق أو التميز كما كان في السابق، بل أصبح نظامًا طبقيا يعتمد على الإمكانيات المادية للأسرة وإلغاء مجانية التعليم أدى إلى اتساع الفجوة وظهور حالات كثيرة من العزوف عن التعليم، خصوصًا بين طلاب موهوبين ومتفوقين لكنهم غير قادرين ماديًا على استكمال دراستهم في المدارس الخاصة محذرة من أن هذا يولّد شعورًا بالنقص ويفتح الباب أمام عزلة وتمييز اجتماعي واضح بين طلاب المدارس الحكومية والخاصة أو الدولية .

وأكدت ريهام عبد الرحمن أن هذا التمييز لم يقتصر على الحياة المدرسية، بل امتد إلى سوق العمل، إذ أصبح يُنظر إلى خريج المدارس الخاصة واللغات باعتباره الأكثر جاهزية بسبب إجادته للغات الأجنبية ومشاركته في أنشطة متنوعة، على عكس كثير من خريجي المدارس الحكومية الذين يعانون ضعف مستوى التدريس وقلة الأنشطة.

وتابعت: المدارس الحكومية تعانى من غياب الإمكانيات والأنشطة، ما يدفع أولياء الأمور للاعتماد على الدروس الخصوصية، وهو ما يشكّل عبئًا نفسيًا وماديًا ضخمًا على الأسرة .