تحول مصر فى زمن الانقلاب من دولة مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة ، ثم توقيع اتفاق مع الكيان الصهيونى لإستيراد الغاز بما يقدر بـ 35 مليار دولار، فضلا عن تراجع إنتاجية حقل ظهر للغاز أكبر الحقول المصرية المُكتشفة أخيرا في منطقة شرق المتوسط يثير الكثير من علامات الاستفهام .
يشار إلى أنه بموجب الاتفاق يزود الكيان الصهيونى حكومة الانقلاب بـ 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040 أو حتى يتم استيفاء الكميات المتعاقد عليها.
هذا الاتفاق يأتي بعد سنوات كان يتدفق فيها الغاز المصري الى دولة الاحتلال وأوروبا وهو ما يعني تحول مصر من منتج ومركز تجاري للغاز الطبيعي إلى مستورد خلال سنوات قليله جدا.
أول حقل غاز
حول هذه الكارثة والمتسبب فيها قال خبير البترول وأستاذ هندسة الطاقة، الدكتور رمضان أبو العلا، أن أصل الحكاية تبدأ العام 1967 حينما تم اكتشاف أول حقل غاز في مصر في منطقة أبو ماضي، ثم تم اكتشاف حقل أبو قير البحري، ثم حقل أبو الغراديق، وتوجت اكتشافات مصر من الغاز بحقل ظهر عام 2015.
وأضاف أبو العلا فى تصريحات صحفية : تخلل تلك الفترات العديد من الاكتشافات، وكانت معظم هذه الاكتشافات في البحر الأبيض المتوسط بنسبة 62%، ثم منطقة الدلتا حوالي 19%، والصحراء الغربية 18% .
وعن مراحل تصاعد إنتاج الغاز في مصر، أوضح أن إنتاج مصر كان خلال العام 2000 حوالي 0.6 تريليون قدم مكعب في السنة، يعني حوالي مليار قدم مكعب يوميا. زاد بشكل كبير جدا العام 2005 ليصل حوالي 1.6، أي حوالي واحد ونصف تريليون قدم مكعب سنويا، يعني حوالي 4 مليار قدم مكعب يوميا، وكان ذلك بسبب استخدام الغاز الصخري .
أندية التصدير
وأكد أبو العلا أن إنتاج مصر بلغ حوالي 1.5% من الإنتاج العالمي ودخلت بذلك أندية تصدير الغاز. وظل الانتاج 4 مليار قدم مكعب يوميا حتى عام 2015، وعند اكتشاف حقل ظهر، وصل الإنتاج لنحو 7 مليار قدم مكعب يوميا، ثم لأسباب ما انخفض الإنتاج مرة أخرى لنحو 4 مليار، ومنذ ذلك الوقت تحولت مصر من التصدير إلى الإستيراد .
وكشف أن انخفاض الإنتاج كان سببه مره عقود الاستيراد ومره عقود التصدير، ففي البداية حينما زاد الإنتاج لنحو 4 مليار قدم مكعب قامت حكومة الانقلاب وقتها بعمل عقدين أحدهما لتصدير الغاز والآخر بشأن مصنعين لإسالة الغاز تمهيدًا للتصدير. ووقعت عقد مع شركة فينوسا الإسبانية المملوكة لشركة إيني الإيطالية لتصدير حوالي 4.4 مليار متر مكعب غاز سنويا، لمدة 25 سنة، وكان سعر المليون وحدة حرارية أقل من دولار.
وأشار أبو العلا إلى أن حكومة الانقلاب وقعت كذلك اتفاقا بين الشركة القابضة للغازات المصرية وشركة EMG التي يمتلكها رجل الأعمال حسين سالم الذي وقع بدوره اتفاقا مع شركة كهرباء دولة الاحتلال لتصدير حوالي 1.7 مليار متر مكعب سنويا لمدة 15 عاما.
حسين سالم
وأوضح أن الغريب في الأمر كان أن تكون حكومة الانقلاب هي الضامن لحسين سالم في عقود التصدير، وترتب على ذلك أن دولة العسكر هي من دفعت هذا الضمان لحكومة الاحتلال، بعدما توقفت عمليات التصدير العام 2011 بعد ثورة يناير، نتيجة كثرة تفجيرات خط غاز العريش عسقلان. فتوقفت التصدير فلجأت دولة الاحتلال إلى المحكمة الاقتصادية التي قضت بتغريم مصر مليار و760 مليون دولار. وذلك في العام 2015 الذي تزامن مع اكتشاف حقل ظهر.
وأكد أبو العلا ان حكومة الانقلاب استغلت الأمر واتفقت مع دولة الاحتلال على تسديد نحو نصف مليار دولار فقط من إجمالي المليار وال760 مليون دولار أموال الغرامة، مع استيراد الغاز من دولة الاحتلال وتم توقيع تلك العقود في العام 2018. وتم تسوية النزاع بين مصر ودولة الاحتلال .
ولفت إلى أن حكومة الانقلاب وقعت العقد الأول في العام 2018 وكان لديها فائض من الغاز بسبب احتياطيات حقل ظهر موضحا أنه مع وجود مصنعين للإسالة في دمياط وإدكو تمكنت مصر من استيعاب تلك الكميات المستوردة، على أمل تسييل تلك الكميات من الغاز وإعادة تصديرها إلى أوروبا ودخلت الاتفاقية التي وقعت بين حكومة الانقلاب ودولة الاحتلال فى العام 2018 حيز التنفيذ العام 2020 وكانت حكومة الانقلاب تستورد من 800: 900 مليون قدم غاز يوميا .
حقل ظهر
وقال أبو العلا إن إنتاج مصر من الغاز العام 2020 كان نحو 7.2 مليار قدم مكعب وكان حقل ظهر وحده ينتج حوالي 40% من تلك الكمية، وهذا ما شجع الانقلاب على إسالة الغاز؛ لتصدير الفائض منها إلى أوروبا وتم بالفعل تصدير ما قيمته 350 مليون دولار شهريا خلال عام 2021 و2022 .
ونوه بأن حكومة الانقلاب رفعت الكميات المصدرة لحوالي 600 مليون دولار شهريا وصدرت ما قيمته خلال عامين 19 مليار دولار في السنتين 21 و22؛ مما ترتب عليه استخدام جائر للحقول؛ وبالتالى انخفاض إنتاج حقل ظهر من 3 مليار الى 1.9 مليار قدم مكعب. بالإضافة إلى تقادم الحقول وعدم تحقيق اكتشافات جديدة مؤثره لتعويض الحقول الموجودة .
وقال أبو العلا: عدم تسديد بعض مستحقات الشركاء الأجانب ساهم في انخفاض الإنتاج من 7.2 مليار قدم مكعب إلى حوالي 4 مليار قدم مكعب يوميا بالإضافة إلى زيادة الاستهلاك المحلي موضحا أن الاستهلاك المحلي زاد من 4 مليار عام 2015 إلى 5 مليار ثم الى 6 مليار قدم مكعب يوميا. هذا الخلل المتمثل في زيادة الاستهلاك المحلي وقلة الإنتاج أدى إلى حدوث فجوة تقدر بنحو 2 مليار قدم مكعب يوميا.
استخدام جائر
وكشف أن هذا الانخفاض دفع حكومة الانقلاب إلى سد العجز عن طريق الغاز الصهيونى موضحا أن ارتفاع الأسعار العالمية للغاز أثناء الحرب الروسية الأوكرانية، دفع حكومة الانقلاب إلى زيادة عمليات التصدير، لكن مع زيادة الاستهلاك المحلي، وتقادم الحقول الأخرى، وعدم التنقيب عن حقول جديدة، أدى إلى الاستخدام الجائر للحقول الى تراجع الانتاج .
وأوضح أبو العلا أن حكومة الانقلاب كان يفترض أن تستخدم هذه الحقول من حيث عمليات الاستخراج بشكل متدرج؛ حتى تحافظ على احتياطيات الحقول. لكن نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، ضغطت على إنتاج الحقول، وكان يجب أن يكون هناك اكتشافات جديدة مؤثره تعوض ما يتم استهلاكه وتصديره لكن هذا لم يتم.
وأشار إلى أنه لم يتم الإعلان عن أي حقول غاز جديدة منذ عام 2015، أي بعد الإعلان عن اكتشاف حقل ظهر. موضحا أنه كان من الواجب أن يكون هناك تكثيف لعمليات الاكتشاف لهذه المنطقه المهمه في شرق المتوسط والتي تشغل مساحة 83000 كيلومتر مربع.
وأكد أبوالعلا أن حكومة الانقلاب اعتمدت بشكل كلي على حقل ظهر، وانتشت به، ثم عاشت وعاش المصريون في حلم التصدير ثم أفاقوا جميعا على كابوس الاستيراد وكابوس تطبيق خطط تخفيف الأحمال وقطع الكهرباء. لافتا إلى أنه لا يوجد بديل لتشغيل محطات الكهرباء، إما بالغاز أو المازوت والطاقة الجديدة والمتجددة بشكل عام.