بينما أسقط شباب مدغشقر رئيسهم في ثورة مفاجئة قادها جيل الألفية، يقف المصريون على حافة الانفجار دون حراك، رغم أن ما تعانيه مصر من فقر وفساد وقمع يتجاوز أضعاف ما واجهته تلك الجزيرة الفقيرة.
ففي مدغشقر أطاحت مظاهرات غاضبة برئيس متهم بالفساد، أما في مصر فقد باع المنقلب السيسي الأرض وأغرق العملة، وجعل السكن حلمًا مستحيلاً، ومع ذلك نجح في إسكات الجميع بإطعام قادة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وشراء ولائهم مقابل بقائه على الكرسي.
أولاً: من شوارع مدغشقر إلى قصور السلطة
خلال أسابيع من احتجاجات متواصلة، قادها ما بات يعرف بـ"جيل زد"، سقط نظام الرئيس أندري راجولينا بعد أن انحازت وحدات من الجيش للشعب، رافضة إطلاق النار على المتظاهرين.
تحول الغضب من انقطاع الكهرباء وندرة المياه إلى انتفاضة شاملة ضد الفساد، ووجدت المؤسسة العسكرية نفسها مضطرة للانقلاب على رأس السلطة بعد أن فقد شرعيته.
في المقابل، لا تزال مصر غارقة في ظلام القهر، حيث يُساق المواطنون تحت سيف الخوف، ويُقابل كل احتجاج بالرصاص أو السجن، في بلدٍ يعاني من تآكل الخدمات، وانهيار العملة، وارتفاع جنوني في الأسعار.
ثانياً: الفساد.. من الملغاشي إلى المصري
في مدغشقر، كانت التهم الموجهة للرئيس تتعلق بصفقات مشبوهة وتربح من السلطة، وهي نفس التهم التي غمرت نظام السيسي منذ انقلابه عام 2013، لكن الفارق أن الشعب هناك تحرك، بينما في مصر تمّ تطبيع الفساد وتحويله إلى منظومة حكم.
فالجيش يسيطر على الاقتصاد، والجنرالات يملكون الشركات، والمشروعات تُمنح بالأمر المباشر دون رقابة أو شفافية، بينما المواطن يلهث خلف رغيف الخبز ولا يجد مسكنًا أو أملًا في غدٍ أفضل.
ثالثاً: الاقتصاد المنهار والعملة المهانة
في مدغشقر، تسببت السياسات الفاسدة في تدهور الخدمات العامة، لكن في مصر تحوّل الانهيار الاقتصادي إلى واقع يومي.
الجنيه المصري فقد قيمته حتى صار "في الحضيض"، والأسعار تجاوزت طاقة أغلب المواطنين، بينما تبتلع مشروعات النظام الوهمية المليارات دون عائد حقيقي.
والنتيجة: شباب عاجز عن الزواج أو السكن أو السفر، وطبقة وسطى تتآكل بسرعة مذهلة.
رابعاً: القمع مقابل الخبز
الفارق الأكبر بين مدغشقر ومصر أن الأولى سمحت للغضب الشعبي بالانفجار، أما الثانية فأنشأت منظومة قمعية شاملة:
إعلام يبرر الفشل.
قضاء يشرعن الظلم.
أمن يُخيف الجميع.
وجيش يتغذى على امتيازاته الاقتصادية.
لقد عرف السيسي أن الطريق للبقاء هو شراء الولاءات، فأطعم القيادات وترك الشعب للجوع، حتى أصبح الفساد سياسة رسمية، والخوف دينًا جديدًا.
خامساً: هل يتكرر سيناريو مدغشقر في مصر؟
يرى مراقبون أن الثورة في مدغشقر قد تلهم شعوبًا إفريقية أخرى، لكن مصر حالة مختلفة؛ فالنظام فيها لا يحكم فقط بالسلاح، بل أيضًا بمنظومة مصالح ضخمة تمتد إلى كل مؤسسات الدولة.
غير أن التاريخ يعلمنا أن الشعوب حين تجوع وتفقد الأمل لا تخاف بعد ذلك شيئًا، ومهما طال صمت المصريين، فإن الغضب يتراكم، والشرارة لا تحتاج سوى لحظة صدق من جيل جديد.
قد تكون مدغشقر فقيرة، لكنها لم تفقد كرامتها، أما مصر، فغناها نُهب، وصوتها خُنق، وشعبها ينتظر من يوقظه من سباته.
وإن كان شباب "جيل زد" هناك قد أطاحوا برئيس فاسد، فمتى يثور شباب النيل على من باع الأرض وأهان العملة وسرق الوطن؟