في صوت يقطر يأسًا ومرارة، طالب المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، بتوفير حماية دولية عاجلة للمدنيين الذين تُركوا لمصير وحشي في معسكرات نزوح بلا أمن ولا دولة ولا ضمير.
قالها بوضوح: “المدنيون اليوم بلا حماية… يُقتلون ويُغتصبون ويُجوَّعون في صمت رهيب”.
رجال حذّر من أن المجاعة تفتح فمها لابتلاع إقليم دارفور كله، وأن المجتمع الدولي يتلكأ، بينما ينحدر المدنيون كل يوم خطوة نحو الموت. حربٌ تحرق القرى، وتجفف مصادر العيش، وتحوّل دارفور إلى رماد إنساني لا يسمع صراخه أحد.
وفي ظل هذا الخراب، تتصاعد الاتهامات الحقوقية والإعلامية بوجود دعم خارجي لجماعات مسلّحة—من بينها قوات الدعم السريع—ما فاقم المأساة وأطال أمد القتال، بينما يلتزم محيط عربي وإسلامي صمتًا ثقيلًا لم يُترجم إلى أي فعل يحمي أرواح الأبرياء.
جرائم تمزق إنسانية السودان
يصف رجال الوضع الإنساني في دارفور بأنه “كارثي وغير مسبوق”.
فالعائلات الهاربة من الموت تُطاردها الانتهاكات في الطرقات: القتل، النهب، الاختطاف، والاعتداءات الجنسية التي تركت جراحًا لا تندمل.
شهادات الناجين — التي وثّقتها المنسقية — لا تشبه إلا أهوال المذابح:
أمهات فقدن أبناءهن أمام أعينهن، أطفال رأوا الموت قبل أن يتعلموا القراءة، فتيات تعرضن لاعتداءات وحشية في طريق الفرار.
يؤكد رجال أن الانتهاكات ليست حوادث فردية، بل ممارسات ممنهجة تغذيها الفوضى وغياب القانون، فيما يقف العالم متفرجًا.
"طريق الهروب… طريق الموت"
لا يحتمي النازحون إلا بالله، فالطرقات محفوفة بالميليشيات، والفدية، والابتزاز، والقتل بلا رحمة. كثيرون يصلون منهكين، حفاةً، بلا متاع ولا ماء، يحملون أطفالًا أصغر من قدرتهم على المشي.
نساء وفتيات يتعرضن لانتهاكات جنسية ممنهجة لا تجد من يوثقها بسبب الخوف والعار، بينما يُفتَّش النازحون في أماكن حساسة بطريقة مهينة تفقد الإنسان ما تبقى من كرامته.
طويلة… الملاذ الأخير بعد سقوط الفاشر
بعد سقوط مدينة الفاشر، تحولت منطقة طويلة إلى آخر معقل آمن نسبيًا، تستقبل يوميًا آلاف الهاربين من زمزم وأبو شوك وغيرها.
أكثر من 280 ألفًا نزحوا من الفاشر وحدها، فيما تتواصل موجات النزوح نحو جبل مرة ومناطق أخرى لا تقل سوءًا.
لكن الملاذ الأخير أيضًا يختنق:
القليل من الماء، لا صرف صحي، لا مستشفيات، وأطفال يصلون في حالة صدمة لا يدركون لماذا تحوّلت حياتهم إلى هذا الجحيم.
المعونات لا تصل… والحدود مغلقة
يقول رجال إن القيود المفروضة من أطراف القتال خنقت المساعدات الإنسانية، ومع إغلاق المعابر الحدودية — وخاصة التشادية — تضاعفت المعاناة، وقفزت أسعار السلع الأساسية إلى أرقام صادمة، حتى أصبح الحصول على كيلو سكر رفاهية لا يقدر عليها معظم الناس.
في ظل هذا الانسداد، يعمل متطوعو المنسقية بإمكانات شديدة التواضع، ينصبون مطابخ ميدانية، ومستشفيات متنقلة، ويجمعون شهادات الضحايا لحفظ حقوقهم.
“أوقفوا الحرب”… هذا هو الصوت الوحيد من جراح دارفور
يؤكد رجال أن جوهر المأساة هو استمرار الحرب، وأن النازحين لم يعودوا يطالبون إلا بشيء واحد:
وقف إطلاق النار فورًا.
فالحرب لم تجلب لهم سوى الجثث والجوع والدمار.
ويرى أن إصرار بعض الأطراف المسلحة على القتال، وغياب موقف عربي وإسلامي حاسم، يطيل عمر الكارثة ويزيد من تمزّق السودان. بينما تظل العدالة الدولية، ولجان التحقيق المستقلة، ضرورة لكسر دائرة الإفلات من العقاب، كما حدث في توثيق جرائم 2003 و2004.
السودان من “سلة غذاء العالم”… إلى سلة مجاعة
يقول رجال بمرارة:
“السودان كان يُطعم العالم… واليوم ملايين من أبنائه يبحثون عن لقمة تقيهم الموت”.
الدمار طال الأرض قبل البشر، والتعليم انهار، والأطفال الذين شُردوا اليوم قد يفقدون مستقبلهم إلى الأبد، ما لم يتحرك العالم سريعًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أين العرب والمسلمون؟ سؤال في حلق كل أم ثكلى
بينما يتنافس العالم على النفوذ والسلاح، ووسط اتهامات بدعم جماعات مسلحة في الصراع، يقف ملايين السودانيين وحدهم.
أمهات ينتظرن عودة مَن خُطفوا، أطفال ينامون على التراب، شيوخ يبكون بيوتًا احترقت وذكريات تبعثرت.
ورغم أن نداءات الاستغاثة تصدح من دارفور كل يوم، فإن الموقف العربي والإسلامي لا يزال باهتًا، بلا خطوات عملية تردع الانتهاكات أو توفر حماية حقيقية للمدنيين.
الخلاصة: دارفور تنزف… والعالم يتفرج
النازحون في دارفور اليوم لا يريدون بيانات ولا تعهدات.
يريدون شيئًا واحدًا:
سلام يعيد لهم الحياة التي سُرقت، ويوقف آلة الموت التي تدور بلا رحمة.
وحتى يحدث ذلك، سيظل أطفال دارفور يطرحون السؤال الذي يخجل منه العالم:
كيف تُترك أمة كاملة للموت… دون أن يتحرك أحد؟
