زيادات الإيجار القديم… أزمة تتدحرج بلا بيانات ولا عدالة عمرانية
مع اقتراب تطبيق الزيادات الجديدة على عقود الإيجار القديم، تتكشف أزمة عميقة تتجاوز الجدل التقليدي بين المالك والمستأجر، لتصل إلى قلب غياب الدولة عن إنتاج بيانات عمرانية دقيقة، واعتمادها آليات حصر غير قابلة للتنفيذ، ما ينذر بقرارات قد تشعل توترات اجتماعية واسعة في المدن المصرية.
حصر غائب وواقع لا تراه الدولة فمن دون أي اعتماد على حصر ميداني حقيقي، تُستبعد تلقائيًا الوحدات غير المسجلة ضريبيًا — وهي الغالبية الساحقة من الوحدات السكنية في مصر — ما يجعل أي “قيمة إيجارية” مقررة لكل منطقة مستندة إلى بيانات منقوصة.
مسؤول سابق بأحد أحياء الجيزة لخص المشهد بقوله: «حصر الوحدات المؤجرة قديمًا عبر لجان متخصصة… مستحيل». هذا الضعف في بيانات الدولة يعزز مخاوف المستأجرين بأن الزيادات ستطبق بشكل عشوائي على كل الأحياء دون مراعاة تنوعها الاجتماعي والمعماري، ما يهدد آلاف الأسر في مناطق العاصمة والمراكز الحضرية.
من المهندسين إلى الزواريب… تسوية مجحفة بين متباينات صارخة
روابط المستأجرين ترى أن منهج الحكومة يعيد رسم الخريطة العمرانية بفرشاة خشنة لا ترى التفاصيل.
ففي منطقة كالـمهندسين، على سبيل المثال، تتجاور شقق صغيرة داخل حواري ضيقة مع عمارات ضخمة تطل على شوارع رئيسية.
ورغم ذلك، يُسند القانون زيادة موحدة بقيمة 250 جنيهًا، إضافة إلى ثلاثة أشهر زيادة إضافية.
الجعار، أحد ممثلي المستأجرين، عبّر عن عبثية الوضع: «إزاي تفرض نفس الزيادة على شقة 50 مترا في زقاق وعلى شقة 100 متر على شارع رئيسي؟ القرار كله غريب.
المحامي أيمن عصام ذهب أبعد، محذرًا من أن غرفة متواضعة قد تُلزم بدفع إيجار يفوق مقر شركة على شارع رئيسي، ما يخلق تشوهات جديدة بدل إصلاح التشوهات القديمة.
تعقيدات تاريخية… وإيجارات تبدأ من خطوط زمنية مختلفة
القانون تجاهل كذلك الفوارق الجوهرية بين عقود الإيجار القديمة الممتدة منذ عام 1947 وحتى أوائل الثمانينيات، وكلها تحمل آليات تسعير مختلفة تتأثر بظروف اقتصادية وتضخم وجدت وقت صدورها.
النتيجة أن المستأجرين يبدأون الزيادة من نقاط انطلاق متفاوتة تمامًا.
يضرب عصام مثالًا دالًا: مستأجر حصل على شقة بـ150 جنيهًا في التسعينيات قد يجد نفسه مطالبًا بـ1500 جنيه شهريًا.
بينما آخر في الزمالك، يمتلك شقة 300 متر بإيجار 5 جنيهات منذ الستينيات، سيُرفع إيجاره إلى ألف جنيه فقط.
هذا التفاوت التاريخي يجعل أي زيادة موحدة ظلمًا مؤسسيًا لا يعالج جذور المشكلة.
البرلمان حذر… والحكومة مضت في طريقها
البرلمان نفسه كان قد حذّر من غياب أرقام دقيقة عن عدد وحدات الإيجار القديم، لكن الحكومة أعلنت تباعًا نتائج الحصر في محافظات عدة، من الجيزة إلى كفر الشيخ، بوتيرة توحي بإغلاق باب النقاش.
مصدر بمحافظة القاهرة أكد أن شرائح الزيادة ستطبق «مرة واحدة على مستوى الجمهورية» على غرار ملف التصالح في مخالفات البناء، في خطوة يرى خبراء أنها تتجاهل الاختلافات العمرانية العميقة بين محافظة وأخرى.
المُلاك يضغطون… والمستأجرون يتجهون للقضاء
الملاك، من جانبهم، يضغطون لتمكينهم من استرداد الوحدات غير المستخدمة، إذ يسمح القانون لهم بانتزاع الوحدة فورًا إذا لم تشغل لعام كامل أو إذا امتلك المستأجر وحدة مشابهة.
لتحقيق ذلك، يطالب الملاك بربط القانون بفواتير الكهرباء والمياه والغاز لإثبات الاستخدام.
في المقابل، لم يجد المستأجرون سوى اللجوء إلى القضاء، فقد قدم ممثلوهم طعونًا عديدة أمام القضاء الإداري والمدني، يطالبون فيها بوقف مواد الزيادة، وإلغاء آليات الحصر، وإعادة النظر في فترة السماح قبل الإخلاء. الهدف النهائي — كما يقول عصام والجعار — هو وصول الطعون إلى المحكمة الدستورية العليا، على أمل صدور حكم يعيد هيكلة القانون بأكمله.
زيادات فبراير… ثم جولة جديدة في مارس
ورغم موجة الطعون، فإن تطبيق الزيادات مقرر في فبراير، بعد تمديد عمل لجان الحصر ثلاثة أشهر.
ووفق التوقعات، سيواجه المستأجرون جولة أخرى من الزيادات في مارس المقبل، قبل أن تفصل أي جهة قضائية في الطعون المقدمة.
خلاصة تحليلية
يمضي ملف الإيجار القديم إلى لحظة انفجار اجتماعي محتملة، في ظل غياب خريطة بيانات دقيقة وقراءة عادلة للتنوع العمراني والاجتماعي.
الحكومة تمنح نفسها صلاحيات واسعة وتطبق زيادات شاملة، بينما يستعد الملاك لاستعادة وحداتهم، ما يضع مئات الآلاف من الأسر في مواجهة مفتوحة مع واقع جديد، بلا ضمانات حقيقية ولا آليات عادلة لضبطه.
