مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، بجانب القمع والاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان فى زمن الانقلاب الدموى، انتشرت الجرائم فى محافظات الجمهورية بصورة غير مسبوقة .. حوادث قتل بشعة فى البيوت والشوارع .. والجناة من كل الأعمار، من هذه الجرائم ما شهدته منطقة كرموز بالإسكندرية، حيث قتل شاب على يد صديقه بـ7 طلقات نارية، وقبلها أب يدهس رأس طفلته بقدميه، بجانب كارثة مقتل ٣ أطفال وأمهم بمنطقة اللبينى بالجيزة..
وكذلك زوج يقتل زوجته ويخفى جثمانها بالأسمنت ويقوم ببناء سور فوقها لإخفاء الأمر ليكشف أمره حارس العقار، وزوجة أخرى تلقى بنفسها من الطابق الثامن بعد خلاف مع زوجها، وأيضا قيام ٤ طلاب بالصف الأول الثانوى بقتل زميلهم فى مشاجرة أمام مدرسة الألفى الثانوية للبنين بمنيا القمح فى الشرقية.
هذه الحوادث تطرح سؤالا مهما.. ماذا حدث للمصريين فى زمن الانقلاب ؟
جريمة اللبينى
ما حدث فى شارع اللبينى بمنطقة فيصل شىء جديد على المجتمع أن تترك زوجة زوجها وتأخذ أبناءها الثلاثة لتبدأ حياة جديدة مع عشيقها، حسب رواية العشيق، فينتهى الأمر بمأساة إنهاء حياتها وحياة الصغار على يده حيث زعم خلال التحقيقات أنها كانت على علاقة به قبل أن يكتشف سوء سلوكها فقرر التخلص منها وأبنائها.
كاميرات المراقبة كانت الخيط الأول لكشف تفاصيل لغز صغار فيصل سيف ١٤ سنة، وجنى ١٢ سنة، حيث تخلص منهما القاتل فى أحد مداخل العقارات بعد تسميمهما ثم تخلص من شقيقهما الأصغر مصطفى بإلقائه فى إحدى الترع.
فى المقابل أكد جد الأطفال والد الأب أن الضحية كانت شريفة ولم تكن على علاقة مشبوهة بأحد، مطالبا بعدم الإساءة إلى سمعتها بعد موتها.
حادث الدقهلية
فى الدقهلية لقى خفير فى إحدى قرى مركز بلقاس مصرعه على يد زوجته، الضحية يبلغ من العمر 46 عامًا، وزوجته تبلغ 33 عامًا، وقعت فى علاقة غير شرعية مع شاب يصغرها بأكثر من عشر سنوات، وبدأت تفكر فى التخلص من زوجها لتعيش مع عشيقها.
فى ليلة الجريمة، بيّت المتهمان النية للتخلص منه وبالفعل قام العشيق بضربه على الرأس، بينما كانت الزوجة تشارك بطعنات متتالية فى ظهره، حتى سقط أرضا غارقا فى دمائه.
وحين استغاث الزوج بزوجته قبل أن يلفظ أنفاسه، قالت فى اعترافاتها: ضربته بأداة حادة، لكنه كان لسه فيه الروح.. وعشيقى خلص عليه بالفأس، بصّ لى وهو بيموت وقال لى: خلى بالك من عيالنا.. وبعدها مات فى حضنى.
سفاح الإسماعيلية
فى الإسماعيلية، ما زالت حالة من الحزن والاستياء بمنطقة المحطة الجديدة من بشاعة جريمة طفل لم يتجاوز 13 عاما الذى قتل زميله وقطع جثته باستخدام منشار كهربائى داخل منزله .
وكشفت التحريات أن الجانى استدرج صديقه بحجة أخذ مبلغ مالى، ثم اعتدى عليه حتى فارق الحياة، قبل أن يحاول إخفاء معالم الجريمة بتقطيع الجثة وإلقاء أجزائها فى أماكن متفرقة.
جودة الحياة
من جانبه قال استشارى الصحة النفسية الدكتور وليد هندى إن الجرائم الأسرية التى شهدها المجتمع المصرى مؤخرا ما هى إلا انعكاس مباشر لاضطرابات نفسية وتربوية عميقة، مشيرا إلى أن الجريمة لا تولد فجأة، بل هى نتيجة تراكمات تمتد من طريقة التنشئة الأولى داخل الأسرة.
وأكد هندى فى تصريحات صحفية أن الكثيرين من مرتكبى الجرائم تربوا فى بيئات قاسية تفتقد للحوار والاحتواء، فتعلموا أن العنف هو وسيلة التواصل الوحيدة.
وأضاف : اللى اتربى على الضرب والشتيمة والإهانة بيطلع مشبع بالعنف، مشيرا إلى أن هؤلاء عندما يكبرون يعيدون إنتاج نفس السلوك داخل أسرهم الجديدة، فيتحول العنف إلى حل جاهز لأى خلاف، وقد يتطور فى لحظة غضب إلى جريمة قتل.
وأشار هندى إلى أن هناك عوامل نفسية أخرى تزيد من احتمالية العنف، أبرزها الإحباط المستمر والضغوط المادية، وفقدان الإحساس بالانتماء الأسرى والاجتماعى، إلى جانب تراجع جودة الحياة، وغياب الدعم النفسى والتنفيس الانفعالى، وهو ما يجعل البعض أكثر قابلية للانفجار.
وشدد على أن تفكك العلاقات الأسرية وضعف الروابط الاجتماعية ساهم أيضًا فى هذه الموجة من العنف، فصار الأخ لا يعرف أخاه، والجار لا يهتم بجاره، ما خلق فراغًا عاطفيًا واجتماعيًا كبيرًا.
وأوضح هندى أن تعاطى المخدرات يمثل عاملا خطيرا فى تفشى هذه الجرائم، مؤكدا أن مصر تضم أكثر من 21 مليون شخص يتعاملون مع المواد المخدرة بدرجات مختلفة، وأن المخدر يخلق غيبوبة حسية وانفصالًا عن الواقع، فيفقد المتعاطى السيطرة على انفعالاته، وقد يقتل دون وعى.
الضغوط الاقتصادية
وأكد هندى أن الضغوط الاقتصادية لا يمكن إنكارها، لكنها ليست السبب الوحيد، بل هى عامل مساعد مع الانحدار القيمى والثقافى، موضحًا أن المجتمع يحتاج إلى إعادة إحياء القيم الدينية والإنسانية التى تحفظ الإنسان من الانحدار الأخلاقى.
ولفت إلى أن بعض الشخصيات التى ترتكب جرائم أسرية تعانى من اضطرابات فى الشخصية، مثل الشخصية العدوانية أو السادية أو السيكوباتية، التى تجد متعة فى إيذاء الآخرين، وغالبًا ما تكون نتاج طفولة مضطربة مليئة بالقسوة والحرمان العاطفى.
وحذر هندى من تأثير المحتوى العنيف على الأطفال والمراهقين، مؤكدًا أن الإفراط فى مشاهدة مشاهد الدماء والقتل على الشاشات يفقدهم الإحساس بالتعاطف ويجعلهم أكثر ميلًا لتقليد السلوك العدوانى.
أخلاقيات النشر
وقالت الدكتورة سارة فوزى، أستاذ الإعلام الرقمى والإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، إن تحميل الإعلام وحده مسئولية انتشار العنف فى المجتمع يعد تبسيطًا للأزمة، مشيرة إلى أن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى عاملان مؤثران بالفعل، لكنهما ليسا السبب الجوهرى وراء تصاعد السلوكيات العدوانية .
وأكدت سارة فوزى فى تصريحات صحفية أن جذور المشكلة أكبر وأعمق من ذلك، موضحة أن العنف بات ممتدًا داخل المدارس وبين الأزواج وداخل بعض الأسر، ما يعكس خللًا فى البنية التربوية والنفسية والاجتماعية .
وأشارت إلى أن غياب البعد التربوى والدينى عن مؤسسات التعليم، وعدم وجود أخصائيين نفسيين يتابعون الطلاب بشكل منتظم، ساهم فى تفاقم الأزمات النفسية والسلوكية لدى الشباب، ما جعل بعضهم أكثر قابلية للتأثر بأى مشهد عنيف أو محتوى تحريضى .
وأضافت سارة فوزى أن تأثير الإعلام يكون أشد على الأطفال والمراهقين تحديدًا، لأنهم ما زالوا فى مرحلة التكوين والتنشئة، لافتة إلى أن الأفلام العنيفة مثلا تخلق لدى البعض ميلا لتقليد العنف فى الواقع.
ودعت إلى ضرورة أن تتجه الدراما إلى تقديم نماذج إيجابية تعزز قيم الرحمة والتكافل، وتبرز مبادرات الخير والعمل المجتمعى، مشيرة إلى أهمية تنويع المحتوى ليشمل الدراما التاريخية والعلمية والاجتماعية التى تعيد التوازن الذهنى للمشاهد.
وانتقدت سارة فوزى غياب أخلاقيات النشر فى بعض وسائل الإعلام، موضحة أن تفاصيل الجرائم تنشر أحيانا بشكل صادم ومبالغ فيه، ما يؤدى إلى تمجيد الجناة بشكل غير مباشر، ويغرى مراهقين آخرين بتقليدهم سعيًا للشهرة.
