أثار قرار محكمة جنايات الإسكندرية بإحالة أوراق المتهم بالاعتداء الجنسي على 14 تلميذاً — داخل مدرسة دولية — إلى مفتي الجمهورية تمهيداً للحكم بإعدامه، موجة واسعة من النقاش حول التشدد الكبير في العقوبة. لكن هذا النقاش اكتسب بعداً إضافياً حين أعاد الجمهور استحضار قضية الطفل ياسين في دمنهور، الذي تعرّض لاعتداء جنسي داخل مدرسة تابعة لإحدى المطرانيات، وحصل المعتدي"صبرى " — البالغ 79 عاماً — على السجن 10سنوات وليس الإعدام، رغم ثبوت الوقائع طبياً وقضائياً.
قضية الإسكندرية: تعدد الضحايا وتشدد قضائي
القضية الحالية حملت ملامح صادمة:
14 ضحية من مرحلة رياض الأطفال.
اعتداءات متكررة وثقها الطب الشرعي.
استغلال موقع العمل داخل مدرسة دولية.
سوء إدارة جسيم سمح بتكرار الانتهاكات.
النيابة طالبت بالإعدام، وأحالت المحكمة المتهم إلى المفتي في خطوة تشير إلى توجه لإصدار أقصى عقوبة ممكنة.
قضية ياسين: إدانة بالمؤبد… ولكن جدل لم يُغلق
قضية ياسين أثارت الرأي العام بدورها، بدءاً من صعوبة تسجيل المحضر في البداية، مروراً بتقاعس إدارة المدرسة، وصولاً إلى أن المعتدي كان مكلفاً مالياً من مطرانية البحيرة داخل مدرسة تتبع الكنيسة.
ورغم صدور حكم 10 سنوات فقط ، فإن أسئلة عديدة بقيت مطروحة:
لماذا لم تُحَل الأوراق إلى المفتي كما حدث في قضية الإسكندرية؟
لماذا لم يُوجَّه اتهام “خطف” أو “تعدد ضحايا” أو “اعتداء متكرر” رغم ما ورد في تقارير الطب الشرعي؟
لماذا لم تُحاسب إدارة المدرسة إلا بعد صدور الحكم؟
هل كان للبيئة السياسية – لا المؤسسة الدينية – أثر غير مباشر؟
يطرح بعض المتابعين تساؤلات حول ما إذا كانت حساسية مؤسسية أو سياسية قد لعبت دوراً في تخفيف الوصف القانوني أو تجنب الوصول لعقوبة الإعدام في قضية ياسين، خاصة أن المدرسة تتبع كياناً دينياً له وزن اجتماعي، بينما القضية الحالية تخص مدرسة دولية خاصة خاضعة لرقابة مدنية مباشرة.
وبينما تداول ناشطون فرضيات عن دور محتمل لبعض الرموز الكنسية أو نفوذ اجتماعي، إلا أن لا أدلة قانونية منشورة تُثبت تدخل أي جهة دينية — بما فيها البابا تواضروس — في مسار التحقيق أو الحكم. لكن الجدل الشعبي يستمر في ظل:
علاقة الكنيسة الوثيقة بالسلطة منذ انقلاب 2013.
تصريحات سابقة من قيادات كنسية داعمة للنظام السياسي.
حساسية الدولة في التعامل مع القضايا التي تمس مؤسسات دينية كبرى.
هذه المعطيات لا تعني بالضرورة تدخلاً مباشراً، لكنها تغذي شكوك الجمهور وتخلق بيئة ملائمة لتفسير التفاوت في العقوبة.
فروق موضوعية بين القضيتين
بعيداً عن التأويل السياسي، هناك عوامل قانونية قد تفسر التباين:
عدد الضحايا: 14 حالة في الإسكندرية مقابل ضحية واحدة في دمنهور.
ظروف الجريمة:
في الإسكندرية: خطف بالتحايل، اعتداءات متكررة، غرفة خاصة، ومساحة زمنية طويلة.
في دمنهور: جريمة واحدة بحسب ما قُيّد في التحقيق.
وصف التهمة:
الإسكندرية: خطف + هتك عرض متكرر — وهي تهم تصل للإعدام.
دمنهور: هتك عرض بالقوة فقط — عقوبته القصوى المؤبد.
تعديل القيد والوصف:
في الإسكندرية: النيابة شددت الاتهامات.
في دمنهور: الدفاع هو الذي طلب تعديل القيد، وليس النيابة.
فجوة المحاسبة المؤسسية
في القضية الأولى، تحركت وزارة التعليم فوراً بإقالة مديرة المدرسة.
أما في قضية ياسين، فقد تأخر التحرك رغم صمت العاملات وإخلال إدارة المدرسة بواجبها.
خلاصة تحليلية
القضيتان تكشفان عن:
غياب منظومة حماية الأطفال في المدارس الخاصة والدولية.
تفاوت في مواقف النيابة من تشديد الاتهام أو الاكتفاء بالحد الأدنى.
انعدام الشفافية في محاسبة المؤسسات التي تقع داخلها الجرائم.
فراغ معلومات رسمي يسمح بانتشار الأسئلة حول النفوذ والمؤسسات الدينية والسياسية.
ورغم أن التشدد في قضية الإسكندرية يعطي رسالة رادعة، فإن عدم تطبيق المعايير ذاتها في قضية ياسين يترك سؤالاً مفتوحاً لدى الرأي العام:
هل العدالة تُطبَّق بنفس الحزم على الجميع… أم أن طبيعة المؤسسة التي ينتمي إليها الجاني قد تلعب دوراً في مآلات القضايا؟
