نشر موقع “ميدل إيست آي” تحليلا للكاتب ماجد مندور، تطرق خلاله إلى الأزمة الاقتصادية، مؤكدا أن سداد الديون يمتص الموارد المالية، مضيفا أن الآثار المترتبة على هذه الأزمة ستدوم أكثر بكثير مما يتوقع نظام السيسي.
وقال التقرير إن “مصر تمر بواحدة من أكثر أزمات الديون دراماتيكية في تاريخها الحديث، وكنتيجة مباشرة لنموذج النظام القائم على الرأسمالية العسكرية التي تغذيها الديون، تم تخفيض قيمة الجنيه ثلاث مرات في العام الماضي، وفقد نصف قيمته بحلول يناير، حيث وصل التضخم الأساسي إلى مستوى قياسي مرتفع فوق 40 في المئة”.
وأضاف التقرير أن “هذا الوضع قد تفاقم بسبب التكهنات حول انخفاض وشيك آخر في قيمة العملة، ومع استمرار نقص الدولار، أدى تراكم الواردات إلى تفاقم الأزمة، مما أدى إلى نقص في السوق والضغط على القطاع الخاص، على الرغم من تأكيد حكومة اليسي في يناير أن الأعمال المتراكمة قد تم حلها”.
وأوضح التقرير أنه “في الواقع، تشير جميع الدلائل إلى أزمة طويلة الأمد ستستمر لسنوات، ويبدو أن حلفاء السيسي الخليجيين غير راغبين في تقديم المساعدات دون إصلاحات اقتصادية جوهرية في خروج ملحوظ عن سياستهم التقليدية تجاه النظام، والتي تنطوي على مساعدات غير مشروطة تقريبا”.
وأشار التقرير إلى أن “برنامج الخصخصة الذي أعلنته حكومة السيسي استجابة لأزمة الديون يبدو أنه قد توقف. في أواخر مارس، أفادت التقارير أن حكومة السيسي علقت بيع حصة 10 في المائة في الشركة المصرية للاتصالات التي تسيطر عليها الدولة وسط ظروف السوق المعاكسة”.
ولفت التقرير إلى “عمق هذه الأزمة ومدتها سيكون له عواقب اقتصادية وسياسية عميقة، سيمتد بعضها إلى ما هو أبعد من نظام عبد الفتاح السيسي. والأكثر وضوحا، وربما الأكثر تكلفة، هو الزيادة السريعة في الفقر، حيث من المتوقع أن ينخفض ملايين آخرون من الناس إلى ما دون خط الفقر”.
ونوه التقرير بأن “المرء يحتاج فقط إلى النظر إلى عواقب تخفيض قيمة العملة في عام 2016 للتعرف على التأثير، بين عامي 2015 و 2018 ارتفعت معدلات الفقر من 27.8 في المائة إلى 32.5 في المائة ، وفقا للبيانات الحكومية، وهذا يعادل سقوط خمسة ملايين شخص إضافي تحت خط الفقر”.
ومن المرجح أن يكون عمق ومدى توسع الفقر في الأزمة الحالية أسوأ كثيرا، وذلك لسببين، أولا، لا توجد تدفقات رأسمالية في مشاريع البنية التحتية الضخمة، والتي يمكن أن تعمل على التخفيف جزئيا من الآثار المترتبة على تخفيض قيمة العملة.
ثانيا، من المتوقع أن يكون عمق ومدى تخفيض قيمة العملة أعمق بكثير وأطول أمدا، وبالنظر إلى نقص تدفقات رأس المال، وفجوة التمويل الخارجي المتوقعة البالغة 19 مليار دولار في السنة المالية 2023، و22.5 مليار دولار في السنة المالية 2024، سيستمر الجنيه في مواجهة ضغوط شديدة، مما يضيف المزيد من الضغط على تكلفة المعيشة.
انهيار رواية النظام
وأضاف التقرير أن عواقب الانخفاض السريع في مستويات المعيشة وارتفاع التضخم كبيرة ومترابطة، وأعمقها انهيار ركيزة أساسية من السرد القومي للنظام، وهي فكرة أن النظام سيعيد المجد لمصر، وقال السيسي ذات مرة “مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا”.
وأوضح أن المشاريع الضخمة التي أطلقها النظام، والهيمنة الاقتصادية العلنية للجيش، كانت، في الواقع، تدور جميعها حول طموح قومي إلى العظمة. وقد أوقفت الأزمة الاقتصادية هذه السردية، مما فتح الطريق أمام الروايات المضادة للطعن في شرعية النظام.
وأشار إلى أن الفوز المفاجئ الأخير للمعارض خالد البلشي، الذي يشغل الآن منصب رئيس نقابة الصحفيين المصريين المستقلة، يسلط الضوء على الشقوق التي تظهر في الهيمنة المطلقة للنظام. فالبلشي، رئيس تحرير موقع درب الإخباري ، وهوأحد وسائل الإعلام العديدة التي حجبها النظام، ومعروف بميوله اليسارية، لذا فإن فوزه مهم.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يساء تفسير هذا التطور على أنه تغيير جوهري في سياسة النظام، أو تخفيف للقمع. بل هو مؤشر على حجم الأزمة، والإمكانية الناشئة لزعزعة قبضة النظام الحديدية من خلال تنازلات أصغر.
وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يكثف النظام قمعه للمعارضة، وقد تجلى هذا الاتجاه بالفعل في الاعتقالات الأخيرة لمنشئي محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، الذين نشروا محتوى ساخرا حول التضخم المتصاعد وقمع النظام. ومع عدم وجود حزب حاكم مدني ومعارضة مدمرة، فإن النظام ليس لديه سوى خيارات قليلة، بخلاف القمع، لإدارة المعارضة.
وبعبارات أبسط، لا يمتلك النظام الأدوات اللازمة لاستمالة السخط الشعبي بطريقة من شأنها نزع فتيله، إن احتمال تزايد العنف الجماعي للدولة في الأفق أمر ينذر بالسوء، مما يعمق حالة حقوق الإنسان المتردية بالفعل في البلاد، ومن المرجح أن نشهد زيادة في عسكرة النظام السياسي بينما يتصارع النظام مع هذه الأزمة.
عقبات كبيرة
وقال التقرير إنه “يمكن القول إن التأثير الأكثر عمقا وأطول أمدا للأزمة هو تعميق مديونية الاقتصاد المصري، والعقبات الكبيرة أمام التنمية التي ستواجهها أي حكومة مستقبلية. في الواقع، في المستقبل المنظور، سيتم توجيه معظم موارد البلاد نحو سداد ديون النظام”.
وسيترتب على ذلك تخفيض كبير في الاستثمار في الخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم، وكلها متطلبات لإنشاء قوة عاملة منتجة، كما أنه سيستنزف رأس المال من البلاد، مما يعوق تطوير قطاع خاص قادر على البقاء وقادر على المنافسة، وهذا من شأنه أن يعوق قدرة مصر الإنمائية على المدى الطويل.
وأضاف أن كسر حلقة الديون هو احتمال مستبعد للغاية، حيث يخطط النظام لاقتراض 44 مليار دولار من السوق المحلية في الربع الثاني من السنة المالية الحالية، من أجل تحقيق التوازن في الميزانية، وحتى لو كان النظام قادرا على سد الفجوة التمويلية الكبيرة في العامين المقبلين، فإنه لن يكون قادرا على القيام بذلك إلا من خلال اقتراض المزيد من الأموال بتكاليف تمويل متزايدة بشكل كبير.
وفي فبراير، أصدرت حكومة السيسي سندات إسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار، تعرف باسم الصكوك، بسعر باهظ بلغ 11 في المائة، وكان الهدف هو مساعدة الانقلاب على سداد 1.25 مليار دولار من سندات اليورو لأجل خمس سنوات، والتي صدرت بسعر فائدة ثابت قدره 5.6 في المئة، مما يزيد الضغط على الميزانية.
وبالتالي، سيستمر سداد الديون في امتصاص الموارد الاقتصادية للبلاد في المستقبل المنظور، مما يترك مصر عرضة لويلات رأس المال الدولي والاضطرابات العالمية، ومن شأن أزمة الائتمان أن تكون مدمرة للاقتصاد المصري، وربما تدفع البلاد إلى الاقتراب من التخلف عن السداد.
في نهاية المطاف، ما نشهده هو تحول جوهري في الاقتصاد السياسي المصري، وسوف تدوم آثاره إلى ما بعد السيسي ونظامه، وربما ستكون إرثه الأكثر ديمومة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-debt-crisis-no-exit-worse-to-com