قالت تحليلات إن أبرز أثر لانتفاضة الخبز في السودان هو أنها قد تجعل الرئيس السوداني عمر البشير يخسر رهانه على تعديل الدستور وتمديد رئاسته فترات أخرى، فضلا عن أنها أسهمت في تعرية بعض رموز المعارضة في السودان.
وتساءل سياسيون حول احتمالات أن يكون التغيير السياسي في السودان، بانتهاء حكم البشير ومجيء رئيس جديد، هو أحد تداعيات انتفاضة الخبز الحالية. فمن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل 2020، وترفض أحزاب المعارضة تعديل الدستور لمنح البشير فترة رئاسية أخرى بعد أن انتخب مرتين.
وفي 4 ديسمبر الجاري 2018، رفع 294 نائبا سودانيا عريضة موقعة الى رئيس المجلس الوطني السوداني (البرلمان) إبراهيم أحمد عمر، تطالب بتعديل الدستور للسماح للبشير بالترشح لولايات مفتوحة، بدلا من حصرها بولايتين كما هو وارد في الدستور حاليا.
وذلك رغم أن “البشير” سبق أعلن ترشيحه لأحد السياسيين السودانيين خليفة له في انتخابات 2020 وأنه سينهي فترة حكمه (31 عاما) عام 2020 ولن يخوض الانتخابات مرة أخري، وتشكيك المعارضة في ذلك لأن ذات السيناريو سبق أن تكرر في انتخابات أبريل 2015 وأعلن البشير عدم ترشيح نفسه ثم ترشح، وهو ما حدث بطرح نواب الحزب الحاكم فكرة تعديل الدستور!

تكرار النموذج
وطالب النواب في عريضتهم التي قدموها أمام القصر الرئاسي؛ تعديل المادة 57 من الدستور التي جاء فيها “يكون أجل ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات تبدأ من يوم توليه لمنصبه ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب”، وهي نفس المادة تقريبا في دستور مصر 2014 التي يسعي أنصار السيسي لتعديلها في نفس التوقيت.
وكان البشير انتخب عام 2010 وسط مقاطعة من أحزاب المعارضة، وأعيد انتخابه عام 2015 في انتخابات وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها “لم ترق للمعايير الدولية”، وقاطعتها أحزاب المعارضة الرئيسية.
فرغم أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في السودان موعدها عام 2020، ولا يزال أمام البشير، الذي ظل رئيسا للبلاد منذ يونيو 1989، عام آخر لانتهاء فترة ولايته، فقد بدأ الحزب الحاكم يطرح – على غرار مصر – فكرة تعديل الدستور لبقاء البشير فترات رئاسية أخرى.
معارضة مكشوفة
وأشاعت عودة زعيم حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” إلى السودان جوًّا من الأمان إلى الحراك الجماهيري، ولكنها سرعان ما تحولت إلى حالة من الإحباط الشديد وسط المئات من مؤيديه الذين تجمعوا لاستقباله بأم درمان بعد وقت وجيز من وصوله، خاصة والمهدي يتزعم تحالف (نداء السودان) الذي يضم قوى معارضة وحركات مسلحة معروفة بعدائها الشديد للنظام.
فوجئ أنصار المهدي بخطاب يحذر من “الاحتباس الحراري” ويدعو أنصاره لزراعة ملايين الأشجار لمقاومة الاحتباس الحراري وتدهور البيئة، وعلى المستوي السياسي يدعو لحكومة برئاسة وفاقيه بين سلطة البشير الحالية وقوى المعارضة؛ ما دفع عددا من كوادر الحزب الشباب لإعلان استقالتهم من الحزب!
وأوضح المهدي أن الصيغة التي يقترحها تشمل التزام الجميع (يقصد القوى السياسية المعارضة التي يمثلها وبعضها يرفع السلاح) بوقف إطلاق النار ووقف العدائيات، وتسهيل مهمة الإغاثات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى، وكفالة الحريات العامة بضوابط لتنظيم ممارستها، وتكوين حكومة قومية برئاسة وفاقية، ودون أن يتطرق إلى مظاهرات الخبز!
سترات سودانية
وفي ورقة بعنوان “مظاهرات “الخبز” ضد البشير.. تداعيات سودانية ومخاوف مصرية”، نشرتها صفحة الشارع السياسي، قالت إن الأكثر رعبا للانقلاب بمصر أن الانتفاضة الشعبية السودانية عبرت عن أمرين:
(الأول): هو أنها كانت نتاج نفس السياسات التي يتبعها النظام في مصر حاليا مثل السودان فيما يخص السعي لرفع الدعم عن الخبز، ما يبعث برسائل ومخاوف مرعبة لسلطة الانقلاب من أن ينفجر غضب المصريين كالسودانيين والفرنسيين.
(الثاني): أن السودانيين – مثل المصريين – يصبرون منذ فترة علي سياسات التقشف ورفع الأسعار وإلغاء الدعم السودانية، وحين جاء أوان رفع الدعم عن الخبز انفجروا، وهو أمر غير بعيد ولا غير متوقع في مصر خاصة أن أبرز ما يتوقعه دليل بلومبرج المتشائم لعام 2019 هو حدوث مظاهرات خبز في مصر بعد أن يدفع الارتفاع الكبير في أسعار القمح الحكومة إلى إلغاء دعم الخبز، فيما يشبه انتفاضة الخبز عام 1977.