من أبرز من تم الزج بهم في هزلية تنظيم “اللهم ثورة”، المهندس يحيى حسين عبد الهادي، وهو من “الجبهة المدنية” وضابط جيش سابق، وقررت النيابة حبسه و24 آخرين، 15 يومًا على ذمة التحقيقات باتهامات الانضمام لجماعة محظورة!.
ويأتي حبس “حسين” ضمن 25 لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات التي تجريها في تنظيم مفبرك جديد، غير أن ما يلفت النظر هو العدد المتزايد من ضباط الجيش السابقين الذين يعارضون السيسي سياسيًّا وكيف يُنكل بهم، ومنهم الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، ويحيى حسين، والسفير معصوم مرزوق، والعميد أحمد قنصوة، ووزير الدفاع صدقي صبحي، وقائد الجيش الثاني اللواء أحمد وصفي، والجيش الثالث اللواء أسامة عسكر، عوضًا عن قوى محسوبة أيضا وإن رفضت السير في ركاب السيسي، ومنهم الضابط السابق هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، إضافة إلى أن أبرز المتهمين- بحسب بيان الداخلية- هو “ياسر العمدة” والذي سبق اتهامه عام 2015 بما سُمي بـ”ثورة الغلابة” وهو يقيم في تركيا، وهو ينحدر من عائلة تنتمي تاريخيًا للحزب الوطني، فكيف يقال إن التنظيم تابع لجماعة الإخوان! مما يطرح علامات للتعجب والاستفهام.

استنتاج أولي
وفي تقرير لوكالة “رويترز” عن انضمام ضباط بالمخابرات الحربية وضباط سابقين بالجيش والشرطة للتنظيمات الإرهابية، قالت إنه جرى إعفاء مئات من أفراد قوات الأمن من الخدمة في الشهور القليلة الماضية؛ بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية. وشملت أسباب فصل الضباط أيضًا رفض اعتقال محتجين في مظاهرة أو كتابة منشورات مناهضة للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبسبب خطورة هذه الأنباء لأنها تشير إلى انقسامات داخل الجيش، اضطر وزير دفاع الانقلاب السابق صبحي صدقي، إلى نفي وجود خلافات داخل الجيش خلال لقاء مع الضباط والجنود، أواخر يناير 2018، قبل أن يعزله السيسي، ربما لضعفه في مواجهة خصوم السيسي العسكريين.
لذلك يبدو أن حديث السيسي الغاضب وتوتره وارتباكه– والذي تكرر في عدة خطب لاحقا- ناجم عن معلومات تصله من جهاز مخابراته الحربية بوجود خطر على حياته من جانب ضباط في الجيش، أو عن تنامي حالة من التوتر والغضب على قراراته ضد عسكريين سابقين مثل عنان، وقد تكون ناجمة عن ضغوط من قائده طنطاوي؛ بسبب طريقة التعامل المهينة مع “عنان”.
المشهد الثاني
ومن أبرز القرارات الأخيرة التي كشفت السلطوية أمام هشاشة التوافق في إطار السلطة التنفيذية، سعْي السيسي لتقنين هيمنته المتزايدة على كامل المؤسسات، فأصدر السيسي قرارا بكون سفر رئيس الوزراء، ونوابه، ووزراء الدفاع والداخلية والعدل والخارجية، ورؤساء الهيئات المستقلة، والأجهزة الرقابية، وكبار العاملين بالدولة، في مهام رسمية، أو أعمال تتعلق بالوظيفة، موقوفًا على إذنٍ من السيسي، على أن يشمل القرار كل من يشغل وظيفة، أو يعين في منصب رئيس مجلس وزراء، أو نائب رئيس مجلس وزراء.
كما منح القرار، رئيس الوزراء سلطة الترخيص بسفر الوزراء- باستثناء الأربعة المشار إليهم– ونوابهم، والمحافظين ونوابهم، ورؤساء المجالس القومية والهيئات العامة والشركات القابضة والأجهزة التي لها موازنات خاصة، “وكل من يشغل وظيفة أو يُعين في منصب بدرجة وزير أو نائب وزير، وكل من تكون له السلطات والاختصاصات المقررة للوزير المختص بمقتضى القوانين واللوائح”.
دلالات واستنتاجات
ويرى محللون أن مثل هذه القرارات تنم عن استنتاجات شديدة الأهمية، وهي: تهافت فكرة وجود توافق داخل جهاز الدولة وبين مؤسساتها على السياسات التي يتبناها السيسي، وهشاشة فكرة هيمنة السيسي على مجمل التفاعلات الجارية داخل جسد الدولة، وإقرار منع السفر يؤكد وجود تباينات في التوجهات والرؤى والمواقف، ويشدد على أن هناك مخاوف وتحفظات متبادلة بين قوى الدولة، وأن هذا القيد يؤكد مخاوف السيسي وتحفظاته وضعف ثقته بمؤسسات الدولة المختلفة، مما يدفعه لهذه الإجراءات المكشوفة لضمان سيطرته الكاملة على هذه الأجهزة؛ فالقرار يشمل وزراء الدفاع والداخلية والخارجية (ممثل الدولة في الخارج) والعدل، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، وشيخ الأزهر، وبابا الكنيسة، ورؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة؛ ما يعني أن الشك المتبادل وانعدام الثقة ينخر في قلب النظام الحالي ويغزو أوصاله.
يقول مراقبون، إن القرار يكشف قاعدة جديدة تحكم عمل النظم السلطوية، يمكن أن نضيفها لقاعدة التأميم والهيمنة والسيطرة، وهي قاعدة السعي المحموم للسلطة التنفيذية وقيادتها “مؤسسة الرئاسة”، على تأبيد وتقنين كل هيمنة تحققها وكل نفوذ جديد تحوزه، ورغبتها في “دسترته”، أي تضمينه في الدستور إن أمكن؛ خوفًا من تقلبات المشهد ومفاجآت المستقبل، وهو ما يؤكد فكرة سيادة منطق القوة وشريعة الغابة كحاكم للتفاعلات في النظم السلطوية، وأن منطق التوحش هو الحاكم الوحيد للسياسة في ظل السلطويات.