وسط حمأة الاحتفالات الغنائية وصخب المهرجانات السينمائية والعروض المسرحية، أطلق النظام السعودي إعلامه لخلع القدسية عن مسجد باركه الله وبارك من حوله، تزامنًا مع تطبيع سياسي كامل مع الصهاينة، للدرجة التي تخرج فيها مقالات وبرامج من سعوديين لمهاجمة الضحية في غزة، مع الرضا الكامل بفكرة هدم المسجد الأقصى وتسليم القدس المحتلة بالكامل لليهود، فهل زالت الأقنعة؟ وهل هي مقدمة لهدم الأقصى وبناء المعبد الوثني؟.
وبينما تنطلق السعودية علنا من كونها حاضنة للحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وما لها من مكانة وقيمة روحية لديهم، في القضية الفلسطينية بكل قوة على مستوى التصريحات والخطب الرنانة، نجد أن مواقفها السرية والعلنية تخالف ذلك، وتسعى إلى تصفيتها، مع صعود لافت لموجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
إسرائيل لا تشكل خطرًا!
وفي خطوات متكررة تكرس أجواء التطبيع مع “إسرائيل” بالسعودية، زعم الكاتب والصحفي السعودي عبد الحميد الغبين، أن “إسرائيل لا تشكل خطرًا وجوديًّا على السعودية”، متوقعًا أن تقوم بلاده بالتطبيع معها في غضون عامين.
وقال الغبين، المعروف بهجومه على الفلسطينيين ودعمه للتطبيع، في مقابلة له مع قناة “i24 NEWS” الإسرائيلية: إن “الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل سيؤدي إلى السلام في المنطقة”.
وأضاف: “ليس مهما من يدير الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، طالما كان بإمكان أي مسلم زيارتها”، لافتا إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة”، على حد زعمه.
وأثارت تصريحات سابقة أدلى بها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، موجة غضب واسعة في الإعلام العربي، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، بينما أفردت الصحافة الصهيونية صفحاتها للترحيب بهذه التصريحات، وانشغلت وسائل الإعلام الصهيونية بالثناء على تصريحات الأمير التي تشكل اعترافا مباشرا وصريحا بـ”إسرائيل”.
وكان “بن سلمان” قد قال، في مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، إن “للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم”، وهو ما يمثل الإشارة الأهم حتى الآن من السعودية على أن الروابط بين الرياض وتل أبيب تزاد قربا، وأن السعودية قد تقيم علاقات رسمية وعلنية مع إسرائيل.
لم تتوقف تلك الدعاية عند مسألة الدعم المالي، بل تضمنت أيضا الخطابات الرسمية التي يلقيها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في المناسبات المختلفة ذات الصلة، ولعل أحدثها الكلمة التي ألقاها خلال الدورة 30 للقمة العربية التي انعقدت في تونس 31 مارس، حيث قال إن القضية الفلسطينية “ستظل على رأس اهتمامات المملكة حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة”.
لكن ثمة مفارقة سجلتها كلمة الملك سلمان خلال القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ، فبراير الماضي، ظن البعض خطأ أن السعودية تصحح بها موقفها التاريخي، بل وتكتب تاريخا جديدا.
وقال العاهل السعودي حينها: إن بلاده “تؤكد موقفها الثابت تجاه استعادة كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1937″، الأمر الذي أثار جدلا واسعا؛ لأن التاريخ المذكور يشير إلى نتائج لجنة بيل البريطانية عام 1937، التي اقترحت تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقاليم، أحدها يبقى تحت الانتداب البريطاني، وآخر هو الأكبر يخصص لدولة يهودية، وقسم ثالث لدولة عربية يضم إليه جزء من شرق الأردن.
خندق واحد!
المثير في الموضوع أن الترجمة الفعلية لهذه الكلمات لم تكن متوافقة، بل كشفت عن مواقف متضاربة تناقض تماما ما تدّعي السعودية أنها تدافع عنه أو تتبناه وتعتبره قضيتها المركزية وعلى رأس اهتماماتها.
في 14 مايو الماضي، شهدت القدس المحتلة مراسم افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة، بعد أشهر من قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، فتمخضت جامعة الدول العربية عن الدعوة لعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين، بعد يومين من تصريحات هجومية لها دعت تركيا إلى الكف عن “المزايدة” في القضية الفلسطينية بخطابات إنشائية.
لكن الحقيقة، أنه بعد أسبوع من القرار المفاجئ لترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، عقدت تركيا قمة حول القدس في إسطنبول بمشاركة العشرات من قادة الدول العربية والإسلامية، وبمشاركة واسعة جعلت منها رد الفعل الأقوى تجاه القرار، مقابل اجتماع عربي طارئ، لكنه على مستوى المندوبين الدائمين، ورد فعل على قرار دخل حيز التنفيذ بعد الإعلان عنه بأشهر كاملة.
وبينما قال العاهل السعودي، في القمة العربية التي انعقدت في أبريل 2018 بمدينة الظهران السعودية: إن فلسطين في وجدان السعوديين، وأعلن تسميتها “قمة القدس” وتبرعه بقيمة 150 مليون دولار للأوقاف الإسلامية في القدس، فإن التمثيل المتدني للمملكة في قمة إسطنبول الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، كشفت حقيقة الادعاء ودلت على هامشية قضية القدس بالنسبة لحكام السعودية، خلافا لما هو معلن.
الموقف السعودي لم يكن متجاهلا لقضية القدس فحسب، بل متواطئا فيها مع أمريكا والاحتلال الإسرائيلي، ولعل هذا ما كشفته القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي، التي قالت إن قرار نقل السفارة “لا يمكن أن يتم دون التنسيق عربيًّا.
وكشف مراسل القناة العبرية أن كلا من بن سلمان والسفيه السيسي “أعطيا ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ قراره ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، تمهيدا للقرار الكبير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”. ونقلت تقارير إعلامية عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، قوله إن ترامب أجرى سلسلة اتصالات مع العملاء العرب، قبل إعلان قراره.
عداء آل سعود للأقصى ترجمه الكاتب دحام العنزي في مقالٍ نشرته صحيفة “الخليج”، جاء فيه: “نحن وإسرائيل في خندق واحد من حيث محاربة الإرهاب، وقال أنا واثق وكلي إيمان أن الشعب الإسرائيلي يريد السلام ويرغب في العيش بسلام تماما مثل الشعب السعودي والكرة الآن في مرمى القيادة الإسرائيلية وحكومة إسرائيل”.
