الحكام المستبدين الذين استقروا في السلطة لفترات طويلة قاموا بتطبيق معادلة “الخبز والعصا” التي وضعها الديكتاتور “بورفيريو دياث”، الذي حكم المكسيك لمدة 35 عاما، وتتلخص هذه المعادلة في تحسين معيشة الشعب، ثم ممارسة القمع الشديد ضد كل من يطالب بحقوقه السياسية.
لقد كفلت معادلة “دياث” سنوات من الحكم المستقر لمستبدين كثيرين، على أن جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي يطبق عكس هذه المعادلة، لأن الشعب يعاني بشدة من الغلاء وتدهور الخدمات، وليس لدى عصابة الانقلاب الا العصا التي تقمع بها الناس، ان الاعتماد على القمع وحده يستحيل أن يؤدي لاستقرار أى حكم حتى ولو كان ديكتاتوراً.
وكانت عصابة الانقلاب قد أغلقت ملف أموال عهد المخلوع مبارك المنهوبة والمهربة للخارج، ومثلت تبرئة قضاء الانقلاب للفسدة في عهد مبارك صدمة شعبية وعقبة أمام استرداد تلك الأموال، حيث كان الحكم عليهم إثر “ثورة يناير” بالسجن والغرامة ورد الأموال فألا حسنا للمصريين، ومؤشرا على رخاء سيعم البلاد، بالتزامن مع خطوات لاستراد الأموال المهربة، إلا أن جميع القضايا انتهت بالبراءة وبالتصالح مع السفيه السيسي لا مع الشعب!
سرقة عيني عينك..!
لعبة الاخفاء القسري يعشقها ويدمنها جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، سواء مع أموال وثروات المصريين أو أرواحهم ودماء أبنائهم، السفيه طور من اللعبة ووصل إلى مستوى متقدم يبيع فيه مصر بالقطعة والجزيرة وبئر البترول والغاز، ويشحت عليها ويضع المليارات حصيلة البيع في صندوق سيادي هو المتحكم فيه، ويحصن الصندوق من أي مسائلة، ويخرج في التليفزيون يبكي في احتفالية للمعاقين!
وتواصلت (الحرية والعدالة) بمصدر قضائي بهيئة الفحص والتحقيق، بجهاز مكافحة الكسب غير المشروع، وصرح إن حجم الأموال التي تم ردها من رجال الأعمال والمتهمين في قضايا كسب داخل مصر 6 مليارات دولار، أما في الخارج فتتراوح بين 3 و4 مليارات دولار تحت منظومة السفيه السيسي “اسرق واتصالح”، والسؤال الملح أين هذه الأموال الآن والتي كانت تغنينا – وغيرها- عن قرض صندوق النقد الدولي؟
يأتي ذلك بعدما ﺑﺚ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ والمقاول ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ، مقاطع ﻓﻴﺪﻳﻮ أصبحت ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ، ﻛﺸﻒ فيه ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻭﻗﺎﺋﻊ الفساﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، ﻭﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺗﻨﺸﺮ ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻦ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺿﺒﺎﻁ ﻛﺒﺎﺭ ﻣﺘﻮﺭﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺒﺪﻳﺪ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﻨﻴﻬﺎﺕ، ﻭﺗﻮﺍﻃﺆ ﺍﻟﺒﻨﻮﻙ ﻓﻲ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﻣﺸﺮﻭﻋﺎﺕ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﺑﻀﻤﺎﻥ “ﺃﺧﺘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻴﺶ”، وصولا ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻜﻢ زوجة السفيه السيسي ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺣﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ.
وفي خطوة مثيرة للجدل؛ حصنت عصابة الانقلاب صندوق مصر السيادي، الذي يمنح السفيه السيسي، صلاحيات واسعة في نقل أصول الدولة وبيعها والتصرف بها، من طعن أو اعتراض المواطنين.
ووصف خبراء واقتصاديون تلك الخطوة بالخطيرة والمثيرة للقلق، وتؤشر على أن عصابة الانقلاب تنتوي استغلال تحصين صندوق مصر السيادي والتصرف في أملاك المصريين، دون الحق في اعتراضهم أو ممانعتهم.
ويبلغ رأس مال الصندوق 200 مليار جنيه، والمدفوع 5 مليارات جنيه فقط، مع الإشارة إلى أن مصر لا تملك أي فوائض مالية أو ثروات كبيرة لاستغلالها، ودائما ما يصفها السفيه السيسي بأنها “فقيرة أوي”.
صندوق علي بابا
وفي يوليو 2018، أقر برلمان الدم مشروع قانون إنشاء الصندوق السيادي، الذي أعلنت عنه حكومة الانقلاب في أبريل 2018؛ وتعد الكلمة الأخيرة في نقل أصول وأملاك الدولة لرجل اسرائيل السفيه السيسي، إذ ينص القانون على أن نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها، يكون بقرار منه.
وفي كلمته على هامش افتتاح بعض المشروعات، في 31 أكتوبر الماضي، توقع السفيه السيسي أن يصل حجم الصندوق لأرقام غير مسبوقة، مشيرا إلى أن أرقام الصندوق ستبلغ عدة تريليونات من الجنيهات.
وحققت فيديوهات الفنان والمقاول محمد علي ملايين المشاهدات وأربكت عصابة السفيه السيسي تماما فآثر السكوت في البداية، ثم بدأت حملة شعواء ضغطت خلالها أجهزة الأمن على والد محمد علي وأخيه وزوجته فظهروا في وسائل الاعلام يتهمونه بالسرقة واهمال أولاده.
كان الغرض تشويه صورة محمد علي لكنه استمر في اذاعة فيديوهاته التي يتحدى فيها السفيه السيسي ويطلب منه الرد على وقائع الفساد واهدار المال العام، أخيرا ظهر السفيه السيسي في مؤتمر الشباب قبل الماضي، ولأول مرة يرى المصريون الجنرال المجرم مرتبكا فاقدا للسيطرة على أعصابه حتى أنه صاح فجأة: “نعم لقد بنيت القصور الرئاسية ولسوف أستمر في بنائها لكنى لا أبنيها من أجلي ولكن من أجل مصر”.
هكذا اعترف السفيه السيسي علنا باهدار المال العام الذي يحصل عليه من الاستدانة حتى وصلت ديون الدولة إلى أرقام فلكية غير مسبوقة، وباتت المواجهة الفريدة من نوعها بين السفيه السيسي ومحمد علي تعكس عدة حقائق، أهمها أن ثورة يناير ون لم تحقق بعد أهدافها السياسية لكنها مع ذلك أحدثت تغيرا عميقا في وعي المصريين.
بدون رقابة
هذا الوعي الجديد كثيرا ما يختفي في زحام الأحداث اليومية، وتحت وطأة القمع الذي يمارسه السفيه السيسي ضد معارضيه، لكنه يعود ويتجلى بقوة ليثبت أن طريقة الحكم التي أخضعت المصريين منذ بداية الحكم العسكري في عام 1952 لم تعد قادرة على اخضاعهم.
ورغم ان محاكمة المخلوع مبارك كانت غير عادلة، ولكن في اللحظة التي وقف فيها كرئيس جمهورية لأول مرة خلف القضبان، انتهت صفحة في تاريخ مصر وبدأت صفحة جديدة، فلم يعد مقبولا عند قطاع عريض من المصريين، أن يتصرف الجنرالات في أموال الشعب كما يحلو لهم بدون رقابة أو محاسبة.
السفيه السيسي لا يرى الفرق بين مال الدولة وماله الخاص وهو يعتبر أن من حقه أن يأخذ من ميزانية الدولة أي مبلغ لينفقه كما يحب، كما أنه يغضب بشدة اذا سأله أحد عن تصرفاته المالية ويعتبر مجرد السؤال مؤامرة ضد مصر، إن مفهوم السفيه السيسي لبناء الدولة لايتعدى تشييد الأبنية العملاقة ليفاخر بها الأمم، بينما الدولة لا تقوم بدون توفير حقوق المواطنين في التعليم الجيد، والرعاية الصحية وتكافؤ الفرص.
إن الثورات قد تتأخر في تحقيق أهدافها، لكنها أبدا لا تنهزم ولا تموت، ان حلم العدل والكرامة والحرية الذي أيقظته ثورة يناير في نفوس المصريين، ومات من أجله آلاف الشهداء، هذا الحلم العظيم يقترب رويدا رويدا أكثر من أي وقت مضى.
