في الوقت الذي يصرخ فيه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” من تسارع انتشار فيروس جديد قاتل، وأن البلاد تواجه “وضعًا خطيرًا”، ينتظر اللواء عبد العاطي، الشهير بـ”الكفتة”، متواريًا في الظل، كعادة العلماء الذين يغلب عليهم الاستحياء والخجل، ويرمق الأحداث بعين البصيرة في انتظار أن تستدعيه وزارة الدفاع المصرية، وتكلفه مثل سوبرمان بمهمة تخليص كوكب الأرض من وباء كورونا.
وأدى فيروس كورونا إلى وفاة ما لا يقل عن 56 شخصًا وإصابة نحو 2000 شخص، منذ اكتشافه في مدينة ووهان، ويكافح مسئولو الصحة من أجل احتواء انتشار الفيروس، واتخذت السلطات إجراءات وقائية لمنع انتشار المرض، وفرضت قيود السفر على العديد من المدن المتأثرة بالفيروس.
قمة الإعجاز
من منا لا يزال يذكر الجهاز الذي كشفت عنه منذ أعوام القوات المسلحة المصرية على لسان أحد لواءاتها، وهو اللواء عبد العاطي، والذي عُرف بعد ذلك باسم عبد العاطي كفتة بعد أن أعلن أنه صمم جهازا مبتكرا يستطيع من خلاله علاج الكثير من الأمراض المستعصية، وأبرزها الإيدز وفيروس سي الكبدي بمجرد مسحة إشعاع من جهازه الذي كان أقرب في مظهره لتلك الأجهزة التي نراها في أفلام الغزو الفضائي الكرتوني.
فقط بتمرير الأشعة على جسد المصاب، معبرًا عن آلية عمل الجهاز، بأن الفيروس سيدخل للجهاز من ناحية ليخرج من الناحية الأخرى على هيئة إصبع كفتة يتغذى عليه المريض!.
تم التدشين للاختراع العبقري والإعداد لإطلاقه للعامة لعلاج أمراضهم المستعصية، والتي حيرت العلم والعلماء لأعوام وأعوام، بحملة دعائية ضخمة غزت الصحف والفضائيات، وخرج كبار الأطباء ليؤكدوا فعالية الجهاز المبتكر والترويج بأنَّ وطنية اللواء عبد العاطي منعته من أن ينتج جهازه خارج مصر.
بل تم التصوير بالبث الحي لأعداد من المرضى وهم يتم معاملتهم بالجهاز تحت إشراف اللواء عبد العاطي شخصيًّا ليخرج اللواء ليعلن تمامَ شفائهم بضغطة زر من جهازه العظيم، قبل أن ينكشف الأمر ويتضح أن جهاز عبد العاطي ما هو إلا قطعة من الحديد لا قيمة لها ولا يستطيع أن يشفي نزلة برد حتى وليس الإيدز، واختفى عبد العاطي بعدها هو وجهازه!.
أكاذيب السيسي
في 2013 كان لا بد من إلهاء المصريين عن كارثة الانقلاب العسكري، ونظمت الهيئة الهندسية العسكرية مؤتمرًا صحفيًّا ظهر خلاله شخص مجهول مرتديًا زيًّا عسكريًّا برتبة لواء، يشرح طبيعة الجهاز بحضور الطرطور عدلي منصور، ووزير الدفاع وقتها جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، والذي أكد لاحقا أن جهازه يعالج جميع الفيروسات ليس في مصر فقط، وإنما جميع الفيروسات المكتشفة في العالم أجمع.
وقد أثارت طريقة شرحه غير العلمية سخرية الملايين، ذلك الشخص الذي اتضح بعد ذلك أنه فني معمل استطاع إقناع اللواء طاهر عبد الله، رئيس الهيئة الهندسية العسكرية وقتها، ليمنحه الأخير رتبة اللواء الشرفية.
الجهاز المسخرة يتكون من الصندوق الذي ظهر خلف فريق البحث، وكان شبه خاوٍ من الداخل إلا من قطعة حجر متصلة بسلكين، ذلك الحجر الذي قال المشرفون إنه حجرٌ مباركٌ من مكة لديه قدرات خيالية على الشفاء من جميع الأمراض، وليس الإيدز والالتهاب الكبدي الوبائي!.
ليتضح بعد ذلك كذب ذلك الاختراع الذي أحالت نقابة الأطباء المشاركين فيه إلى التحقيق أمام هيئة التأديب، والتي قضت بعد ذلك بإيقاف 3 من الأطباء المشاركين في هذه الكذبة، عن ممارسة مهنة الطب لمدة عام لكل منهم.
ليس العالم مهمًّا
في حوار سابق للواء طاهر حول الجهاز الذي أكد قدرته على شفاء مئات المرضى، قال إنهم لا يشغلون بالهم بالعالم، ردا على سؤال حول الخطوات العلمية العالمية التي كان يجب على الجهاز اجتيازها لإطلاق تعريف اختراع عليه، تلك الكلمة التي عبّرت عمّا أعقب تلك الفضيحة من فضائح.
فعبر الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري، تم الإعلان في 21 نوفمبر عام 2017 عن فوز الفريق البحثي لكلية الطب بالقوات المسلحة على المستوى الأول والميدالية الذهبية بمسابقة IGEM العالمية للبحث العلمي والهندسة الوراثية التي أُقيمت بمدينة بوسطن الأمريكية؛ وذلك لابتكارهم حلا لسرطان الكبد، من خلال الهندسة الوراثية باستغلال التقنيات المعلوماتية الحياتية وبرامج البيولوجيا التخليقية، وفق ما أعلن المتحدث العسكري، الذي وصفه بالإنجاز الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط.
إلا أن الموقع الرسمي للمسابقة فضح تلك الكذبة أيضا، موضحا أن فريق كلية الطب العسكرية المصرية لم يستطع الحصول على أي جائزة من بين 29 جائزة تم منحها للفائزين، وأن كل ما استطاع الفريق الحصول عليه هو هدية شرفية من إدارة المسابقة يتم منحها لجميع المشاركين من حول العالم، والذين بلغ عددهم في تلك الدورة 107 فرق!.
“البورد” العسكري
كذبة أخرى كانت بطلتها كلية الطب العسكرية، التابعة للأكاديمية الطبية العسكرية، إذ أعلنت الأكاديمية منحها شهادة عليا للأطباء تحت مسمّى «بورد الأكاديمية الطبية العسكرية» في جميع التخصصات، تكون مدة الدراسة فيه 5 سنوات بعد البكالوريوس، موضحة أن الشهادة معتمدة من الزمالة الإنجليزية، وتحت إشراف الكلية الملكية بإنكلترا، على أن تكون تكلفة الدراسة 15 ألف جنيه للمدنيين، و10 آلاف جنيه للعسكريين، وأن تتم الدراسة في مستشفيات القوات المسلحة.
أعقب ذلك الإعلان الاستفسار من نقابة الأطباء عبر موقعها الإلكتروني حول تلك الشهادة لحرصها على توحيد الشهادات الإكلينيكية في مصر في شهادة تخصصية واحدة، مثلما يحدث في معظم دول العالم، وأوضحت أنه كان قد تم الاتفاق عليه مع الأكاديمية وأعضاء المجلس الأعلى للجامعات، لتُفاجأ النقابة باستدعاء النيابة العسكرية لأمين عام نقابة الأطباء للتحقيق معه بصفته المسئول عن لجنة الإعلام والموقع الرسمي للنقابة، ليُخلى سبيله بعد ذلك بضمان محل عمله.
ولم يكن استدعاء أمين الأطباء هو وحده الغريب في الموضوع، وإنما الأكثر غرابة هو عدم وجود أي اتفاقيات أو بروتوكولات بين الأكاديمية العسكرية والكلية الملكية في إنجلترا، أو وعد بأي اتفاقات لإرسال أساتذتها لتدريب الأطباء في مصر، وعدم علمها بأي شيء عن ذلك، ليتضح أن هذا البرنامج ما هو إلا وسيلة للتحايل ومصدر دخل من الأطباء.
