الخطوة الأولى لتحرير المسجد الأقصى وإسقاط صفقة القرن هي القضاء على الخونة العرب، وهو ما وعاه القائد الرباني صلاح الدين الأيوبي الذي ظل يقطع رقاب الخونة ويستأصل شأفتهم لمدة ٢٠ عامًا داخل دولته، وبعدها ذهب لتحرير فلسطين؛ ما يعني أنه يجب تطهير الداخل من بن زايد وبن سلمان والسفيه السيسي وأمثالهم؛ لأنها الخطوة الاولى لتحرير الأمة بأسرها.
ويكفي النظر في حال الأمة في زمان صلاح الدين وفي زماننا، سنجد العديد من نقاط التقاطع بين الواقعين، لقد كانت الأمة ممزقة، مقطعة دويلات وإمارات، تمامًا مثل حالنا اليوم، ينفرد كل حاكم فيها برأيه ومصالحه ومع انقسامها تشتت أهل العلم وتفرقوا في الأمصار وبين السجون والأغلال، واحتل اليهود القدس وكامل فلسطين كما احتلها قبلهم الصليبيين.
عاش صلاح الدين في إحدى أخطر المراحل التاريخية التي مرت على العالم الإسلامي تتربصه جيوش الأعداء ومؤامرات الخونة واللئام فتجاوز كل العقبات وقلب موازين القوى وحقق النهاية السعيدة، لكن الصحيح أنها كانت نهاية تفاني سلسلة طويلة من أبطال المقاومة والجهاد لا يقلون بريقًا وإخلاصًا – كما نحسبهم – لدينهم وأمتهم، أمثال القائد نور الدين زنكي، والذين كانوا يكبرون مع الأيام وتعاكسهم الظروف إلى أن جاء صلاح الدين يتمتع بالصفات التي كانت تحتاجها تلك الفترة العصيبة، وقدم نموذج المجاهد الذي بمثله يحقق ما حقق.
اعتمد صلاح الدين على مفهومين أساسيين لبناء قبة النصر؛ الأول هو إيمانه المطلق في أن الجهاد هو الحل، والثاني إدراكه التام أن الأمر لن يتم بدون توحيد الجبهة الإسلامية التي كانت مفككة متفرقة آنذاك، وهما ذات المفهومان اللذان انطلق منهما نور الدين زنكي ولكن الموت قطع عليه طريق العطاء.
الصهاينة العرب
وفي الخامس عشر من مايو لعام 1948 تعرض الفلسطينيون لأكبر حادث مأساوي في التاريخ المعاصر؛ حيث هُجِّر في ذلك اليوم أكثر من 800 ألف فلسطيني على يد العصابات الصهيونية، وطُردوا قسرًا من قراهم وبيوتهم؛ حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم وآمال في العودة إلى الديار، وهو اليوم الذي عرف لاحقًا بيوم “النكبة”.
وفي الرابع عشر من مايو 2018، تعرضت مدينة “القدس” الفلسطينية، لأكبر عملية خيانة في التاريخ المعاصر؛ حيث بيعت القدس بثمن بخس لليهود والأمريكان، ومن باعها هم “حفنة” من الحكام العرب، باعوا ضمائرهم وذممهم، واشتروا رضا اللوبي الصهيوني، والقيادة الأمريكية، فسكتوا على تهويد القدس، وقبلوا بنقل سفارة “الأمريكان” للمدينة المقدسة، ورقصوا على إعلان “القدس” عاصمة لإسرائيل.
وفي 28 يناير 2020 اعلن الرئيس الأمريكي ترامب ما يسمى بصفقة القرن، وفي صمت تام قبلها العرب الصهاينة كما قبلوا عملية نقل السفارة الأمريكية للقدس وافتتاحها على مرأى ومسمع من الجميع، لتعلن رسميًا القدس عاصمة كيان الاحتلال، ويخلد التاريخ في أذهان العرب والمسلمين، أنّ اليوم 28 يناير 2020، هو يوم النكبة الفلسطينية الثانية.
وعلى الرغم من الإمكانيات الهائلة لأنصار الثورة المضادة؛ وما حصل عليه السفيه السيسي من أموال خارجية، فإنه ثبت عجزه عن تقديم بديل مقنع للمصريين يجعلهم يقبلون بما هو قائم، ويتخلون عن حلم التغيير.
والدليل على ذلك أنه عندما حدثت ثغرة بسيطة في جدار السلطة، ولاحت فرصة في مظاهرات 20 سبتمبر 2019 اندفع الشباب إلى الشوارع، لم يكن يتوقعها الفنان محمد علي الذي دعا لهذه المظاهرات، نظرًا للمستوى الذي وصل إليه الناس من السخط على ظروف الحياة، والقمع الذي يعيشون فيه.
الثورة ستنفجر
ودوافع ومسببات الثورة دائمًا ما تكون كامنة، ولكنها موجودة الآن في مصر في ظل الفساد والاستبداد، والظلم القائم الذي يتغول عامًا بعد عام، ويهدر حقوق المصريين، وكرامتهم، وثرواتهم، وجرّف قيمهم، وباع أرضهم، وبالتالي إذا اكتملت أسباب الثورة ستنفجر في أي وقت، مهما طال الزمن، وستكون أكثر وعيًا وهمة وحسمًا في ملفات كثيرة حتى تنجح وتحقق أهدافها كاملة.
وقد تكون قوى الثورة المضادة نجحت في سحق الثورات في الوقت الحالي، لكنها فشلت في بناء نظام سياسي حقيقي، يتحمل مسئولياته في إدارة شئون الدولة، وخدمة المواطنين، وإعطاء الشعوب ما تطالب به.
والواقع يشهد أن الثورة المضادة في مصر فشلت في تحقيق الإصلاح، وفشلت في التحكم بالأمور، وفشلت في بناء نظام سياسي قوي، بل على العكس من ذلك كونت نظامًا هشًا، مهما تترس بالقوة الأمنية والعسكرية، فالسفيه السيسي أغرق البلاد في العديد من الأزمات الخانقة بعد توليه السلطة والحكم، بالانقلاب العسكري.
ومن المتوقع، بل من الضروري، أن يحدث ربيع عربي في السنوات القادمة أكثر وعيًا من سابقه؛ حيث ستظهر قيادات ثورية جديدة خارج الأطر التقليدية تقود الحركات الجديدة بوعي وذكاء وحنكة، وهذا يجب أن يعمل عليه الجميع بكل الإمكانيات.
ولعل من المشاهد التي نعيشها اليوم، ما عاشه أهل دمشق في ذلك الزمان وما شعروا به من خزي وعار في تحالف أمرائهم مع الصليبيين ودفع الجزية لهم وفي رؤيتهم يدخلون البلاد ويخرجون بالأموال بكل حرية ودون أدنى سؤال، وكانت حجة الأمراء آنذاك أن هذا أفضل من أن يهاجم نور الدين دمشق ويستولي عليها، وهو ما نعيشه اليوم من واقع مرير مع حكومات تقتات على رضا الغرب وتدفع له الجزية والقرابين، وتقطع الطريق على كل صالح كي لا يصل إلى سدة الحكم.
