القضاء في كل دول العالم ضمانة للحقوق إلا في مصر.. لماذا؟

- ‎فيتقارير

تحوّلت منصة القضاء في مصر منذ الانقلاب، وربما قبله، إلى إحدى أدوات القمع التي بيد العسكر ضد الشعب، ومن ذلك قيام نيابة أمن الدولة بوضع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على ذمة قضية جديدة 1781 لسنة 2019 أمن دولة، واتهامه وهو في محبسه بتولي قيادة جماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وذلك قبل أقل من 14 يومًا من إتمامه الحد الأقصى من حبسه احتياطيًا، وهي مدة عامين، هذا يعني أن أبو الفتوح يسخّر الجن!.

وعقب مظاهرة مدبّرة جرت في 30 يونيو 2013 للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، قدّم الرئيس الشهيد محمد مرسي مبادرة تهدف إلى احتواء المظاهرة سياسيًا من خلال التمسك بالمسار الدستوري والاحتكام إلى الصناديق في انتخابات برلمانية عاجلة، يقرر بعدها مجلس الشعب وفقًا لأغلبيته عزل الرئيس من بقائه وفقًا للدستور، وذلك كان تمسكًا منه– رحمه الله- بالخيار الديمقراطي وبالشرعية الدستورية التي أقرها الشعب المصري.

إلا أنه في يوم 3 يوليو 2013، قام وزير الدفاع السابق جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي- وبمعاونة قائد الحرس الجمهوري ومساعديه- باعتقال الرئيس الشرعي للبلاد محمد مرسي؛ مما يعد انقلابًا على المسار الديمقراطي في مصر ومكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير.

احترام الدستور

وقد شاركت عدة مؤسسات في الدولة في هذا الانقلاب، كان من بينها المحكمة الدستورية العليا المكلفة أساسًا بضمان احترام الدستور وليس المشاركة في خرقه كما حدث في الانقلاب، وقبول رئيسها عدلي منصور أن يكون رئيسًا مؤقتًا للسلطة الجديدة.

يقول الدكتور أسامة رشدي، الحقوقي والناشط السياسي: “تعامل عبد المنعم أبو الفتوح بفروسية عندما نصح قبل عامين بعدم العودة لمصر أثناء زيارته للندن بعد اعتقال محمد القصاص، القيادي في حزبه، وقال قولته التي رددها على الملأ: “لأن أسجن في بلدي خير لي من العيش خارجها”، لكنّ فاقدي المروءة لم يبادلوا مروءته إلا بالغدر”.

وعمد السفيه السيسي إلى إشراك السلطة القضائية في الانقلاب، ظنًا من قيادة الجيش أن هذا الأسلوب سوف يضفي شرعية على الانقلاب العسكري، ففي يوم 3 يوليو 2013 أعلن السفيه السيسي عن تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا للبلاد، وكلّفه بأداء اليمين قبل توليه المنصب أمام المحكمة الدستورية العليا.

وفي صباح يوم 4 يوليو 2013، اجتمعت المحكمة الدستورية العليا بكامل قضاتها في أجواء احتفالية؛ فأدى المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، اليمين القانونية لتولي منصب رئيس الجمهورية؛ فجعل هذا الإجراء القضاء المصري طرفًا أصيلاً في الانقلاب؛ وهو ما أثّر بشكل سلبي على أداء العمل في منظومة العدالة في مصر بصفة عامة.

ذلك أن القاضي الذي تُعرض عليه قضية ضد ما قام به قادة الجيش في مصر من انقلاب على السلطة الحاكمة، كيف يستطيع أن يحكم في مطابقة تلك الإجراءات للدستور أو مخالفتها له إذا كانت هذه السلطة الجديدة أوصلت رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى سدة الحكم، وبالتالي لن يقتصر دور القاضي على إصدار حكم في مجرد نزاع قانوني فقط، ولكنه ينظر قضية تخص رئيس أعلى المحاكم في مصر، وأعضاء جمعيتها العمومية الذين وافقوا على خرق الدستور وتولي رئيسهم رئاسة الانقلاب.

وشارك رئيس مجلس القضاء الأعلى في مصر، المستشار حامد عبد الله، في الاجتماع الذي أعلن أثناءه السفيه السيسي بيان الإطاحة بالمؤسسات المنتخبة؛ فألقى كلمة بارك فيها إعلان الانقلاب وتمنّى التوفيق لقادة العسكر في المرحلة القادمة، علمًا بأن العمل السياسي محظور على القضاة ممارسته، ويشكّل جريمة بموجب أحكام القانون المصري.

وبعيدًا عن أي جدل، فإن مشاركة رئيس المجلس الأعلى للقضاء في هذا الحدث تعد طعنًا في استقلال القضاء المصري وحياده.

سيادة القانون

لقد نجحت سلطة الانقلاب العسكري في مصر في أن تشل القضاء المصري بأكمله وبكل مكوناته عن إمكانية أن يصدر حكم ما من أية محكمة مصرية يدين سلطة الانقلاب أو ينشئ مركزًا قانونيًا يعيد فيه الشرعية لمن اختارهم الشعب في سدة الحكم.

وبعد انتخاب القضاة للمستشار أحمد الزند رئيسًا لنادي القضاة، قاد مسيرة من القضاة للمشاركة في أحداث التظاهر التي بدأت في 30 يونيو 2013؛ فوقفوا أمام مقر دار القضاء العالي يهللون ويهتفون ويصيحون في مكبرات الصوت، معلنين مباركتهم لأحداث التظاهرة التي تمت في ذلك اليوم، وهذا عمل سياسي ضد سلطة منتخبة.

وعقب إعدام تسعة شباب مصريين من المتهمين في قضية مقتل النائب العام السابق هشام بركات، زعم السفيه السيسي أن القضاء مستقل، و”إن أحدًا لا يستطيع التدخل في عمل القضاء واستقلاله”، وشدد على أنه يدعم “مختلف الهيئات القضائية باعتبار أن سيادة القانون هي أساس الحكم”.

لكنَّ المراقبين يؤكدون أن العسكر بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 تحديدا، عملوا على استخدام القضاء أداة لتصفية المعارضين وترهيب الشعب المصري، وأنشئوا دوائر قضائية عرفت بـ”دوائر الإرهاب”، عُيّن على رأسها قضاة اشتهروا بإصدار المئات من أحكام الإعدام في حق معارضين للانقلاب.

وما فتئت المنظمات الحقوقية الدولية توجّه المرة تلو الأخرى انتقادات لاذعة للسفيه السيسي، وتؤكد غياب شروط المحاكمة العادلة في القضايا المرتبطة بمعارضة الانقلاب تحديدًا، متهمة عصابة الانقلاب بالسيطرة على المؤسسة القضائية.