حكومة لا تعمل لصالح المواطن

- ‎فيمقالات

بالأرقام وواقع الحال، فإن الحكومة المصرية لا تعمل لصالح المواطن، على عكس ما تدّعي ويصرح كبار المسؤولين فيها ليل نهار، خاصة مع حديث هؤلاء التفاؤلي حول نتائج ما يسمّى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
بل إن الواقع يقول إن الحكومة لا تترك مناسبة للتنغيص "والعكننة" على المواطن إلا وفعلتها، ولا تجد فرصة لسحب ما تبقى في جيب المواطن من أموال محدودة وسيولة نادرة إلا واقتنصتها وسطت عليها دون أن تضع في الاعتبار الظروف الصعبة التي يمر بها هذا المواطن سواء كانت ناجمة عن تداعيات تفشي وباء كورونا الكارثية، أو ما سبقها من قفزات متواصلة في الاسعار مع ضعف في القوة الشرائية ومعدل الادخار.

التنغيص يأتي مرة عبر زيادة الضرائب والرسوم الحكومية، وأخرى عبر زيادة الأسعار، بما فيها أسعار الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والوقود والغاز والاتصالات وغيرها، وثالثة عبر خفض الدعم الحكومي المخصص لسلع رئيسية، والأمثلة كثيرة، آخرها ما حدث أمس، إذ قررت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء للمنازل بنسبة 19.1%، وذلك للمرة السابعة منذ عام 2014. وهذه الزيادة ترتفع غلى 30% على شريحة الاستهلاك الأكبر داخل المجتمع المصري والتي يترواح استهلاكها ما بين صفر و200 كيلو وات شهريا.

حتى عندما تهاوت أسعار البترول في الأسواق العالمية بنسبة 70% في الربع الأول من العام الجاري حسب الأرقام الرسمية، وتهاوت معها أسعار الوقود في كل دول العالم، رفضت الحكومة إجراء خفض في أسعار البنزين والسولار، مكتفية بخفض "رمزي" أثار ساعتها سخرية الجميع.

حدث ذلك رغم أن معظم دول العالم خفضت بشدة أسعار الوقود، خاصة مع تراجع الطلب على المشتقات البترولية من قبل المستهلكين أو الطائرات والشاحنات عقب توقف الحركة الاقتصادية والتجارية وغلق الحدود بسبب كورونا، وبلغت التخفيضات على البنزين في بعض دول المنطقة نحو 40% في شهور مارس وإبريل ومايو الماضي.

وعندما أعلنت الحكومة عن اكتشاف أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط هو حقل ظُهر، استبشر المصريون خيراً وتوقعوا الحصول على غاز مجاني، أو على الأقل بتكلفة بسيطة، خاصة مع إعلان الدولة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ووقف الاستيراد، بل وتصديره إلى دول العالم.

لكن المصريين فوجئوا بتلقي ضربتين قاسيتين، الأولى تمثلت في إبرام صفقة لاستيراد الغاز من دولة الاحتلال لمدة 10 سنوات وبقيمة 15 مليار دولار تدفع من خزانة الدولة التي تعاني اصلاً من نقص مستمر في السيولة، والثانية هي زيادة سعر الغاز المنزلي المخصص للطهي، سواء للاستهلاك المنزلي أو التجاري.

المصريون لم يجدوا من يحنو عليهم، وأكبر دليل ما حدث أمس من زيادات كبيرة في أسعار الكهرباء، فبالمنطق الاقتصادي البحت فإن تلك الأسعار يجب أن تتراجع في مصر، لا أن ترتفع، خاصة مع تراجع أسعار الطاقة المستخدمة في إنتاج وتوليد الكهرباء بشدة بسبب تهاوي أسعار النفط، العنصر الأهم في التكلفة، سواء الغاز أو السولار والمازوت، ووجود فائض في إنتاج الكهرباء.
وواكبت هذه الزيادات المتواصلة في أسعار السلع والخدمات قفزات في الدين المحلي والخارجي تشكّل عبئاً على الأجيال الحالية والمستقبلية، وإصرار على توجيه موارد البلاد المحدودة لتمويل مشروعات لا تشكل أولوية، سواء للاقتصاد أو المواطن.

أخشى ما أخشاه أن تكون الزيادة الجديدة في أسعار الكهرباء مقدمة لزيادات أخرى في أسعار الخدمات الأساسية خاصة المياه والكهرباء والغاز، خاصة وأن الحكومة تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 5.2 مليار دولار ولمدة عام لتغذية احتياطي النقد الأجنبي وتغطية عجز الموازنة العامة.

وهذا القرض الجديد له تكلفة وشروط واملاءات قد تكون أسوأ من شروط القرض السابق الذي حصلت عليه البلاد طوال السنوات الثلاث الماضية وبلغت قيمته 12 مليار دولار وواكبه اجراءات قاسية منها تعويم الجنيه المصري وفرض ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم الحكومي وزيادة الضرائب والأسعار بمعدلات قياسية.

…………………………
نقلاً عن "العربي الجديد"