الطبيب والممرض والكلب: أين الخلل؟!

- ‎فيمقالات

حادثة تنمُّر الطبيب، الأستاذ الجامعى، بمرءوسه الممرض لها دلالات عدة؛ فقد وقعت منذ ستة أشهر حسبما صرّح الأخير، وتم تصويرها عن طريق آخرين، ونُشر «الفيديو» مؤخرًا ولم يُعلم مَنْ نشره، وقد ادّعى الطبيب فى البداية أنه «مفبرك» ثم عاد واعترف بمحتواه، وفيه يأمر الممرض بإتيان حركات مضحكة، ثم يأمره بالسجود لـ«الكلب»، وأثناء ذلك سبه وسب أباه وسب أمه وسب أهل بلدته.. كل هذا فى حضور آخرين قيل إنهم من طاقم أمن المستشفى الخاص، الذى أجزم بأن إدارته على علم بما حدث وغيره، لكن ربما يتغاضون عن جرائم «المشاهير» ممن يدرّون عليه دخلًا هائلًا.

وحتى كتابة هذه السطور لم تُتخذ ضد الطبيب الإجراءات المكافئة لجرائمه، اللهم إلا بيانات نظرية لتهدئة الجماهير من: النقابة العامة للأطباء، ووزارة التعليم العالى ووزارة الصحة، وغاب الأزهر والإفتاء والأوقاف وحزب النور ومحمد حسان وإخوته، أما هو فمطلق السراح تسارع إليه صحف ومواقع النظام لإجراء حوارات الغرض منها إثبات براءته وتحسين صورته. فهل هو شخصية لها علاقاتها ومصالحها مع بعض المتنفذين؟ أم أنه الدفاع عن مصالح «الكبار الجدد»، تلك الطبقة التى يغذيها الانقلابيون لتكون داعمة لبقائهم فى مقابل غض الطرف عن جرائمهم وقد كتبنا عن «الساحل الشمالى» منذ أسبوع كأحد نماذج هذه الطبقة؟

غالبًا هو من «الكبار الجدد»، الذين يتعالون بالسلطة والثراء، ويستغلون مناصبهم فى الفساد والإفساد، فالناس فى نظرهم طبقتان: أسياد وعبيد، ومن حق الأولى أن تستعبد الأخرى وتنكِّل بها، وليس من حق «العبد» أن يشكو أو يتأفف ولو أُمر بـ«نط الحبل» والضرب بالعصا على الملأ، ولو أُمر بالسجود للكلب.

واقعة مؤسفة إن دلت على شىء فإنما تدلُّ على غياب الدين وتدنى الأخلاق، عند الطرفين، فالممرض لم يحفظ كرامته، وقَبِلَ الإهانة وهو فى هذه السن ووراءه أسرة وعائلة، وقد سُئل بعد ذلك: لم قبلت بهذا؟ فقال: (علشان آكل عيش بأمشّى أمورى)، وهذه جهل؛ إذ لو علم أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ما طأطأ رأسه لهذا الأرعن ولا قَبِلَ أن يكون مسخًا يتندر به الملايين الآن، ولا أعتقد أن تلك أول مرة يفعل هكذا؛ لأنه: (من يهنْ يسهلْ الهوانُ عليه… ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ)..

فلا يجوز للمسلم أن يذل نفسه، وكيف يفعل ذلك وقد كرّمه الله وأحسن إليه، والحرُّ يقبل الفقر والبلاء ويعاف الحياة لكنه لا يقبل الانكسار(لا تسقنى ماءَ الحياةِ بذلةٍ… بل فاسقنى بالعزِّ كأسَ الحنظلِ)، والله يقول: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، لكن للأسف فإن كثيرين لا يفهمون ذلك؛ ما جعلهم من خوف الفقر فى فقر، وجعلهم ألعوبة فى يد تلك الفئات غير السوية يهدرون كرامتهم وينهشون أعراضهم.

أما ما فعله الطبيب فهو ما حرَّمه الدين وجرَّمه القانون؛ فقد وقع بسلوكه الشاذ فى بئر النفاق؛ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة: 65]، وقد نُهى المسلمون عن الاجتماع بكل من يتعرض لدين الله، فما بالك بمن خاض فيه؛ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].

لا بد أن يتعلَّم هذا الطبيب، الحاصل على أعلى الدرجات العلمية، دروسًا فى التربية والأخلاق، وأن يُدَرَّس الدين من جديد؛ ليعلم أن فى الإسلام شيئًا اسمه الإحسان إلى الأجير (أو المرءوس)، ويكون ذلك بتطبيق حق الأُخوة والزمالة فيما بينه وبينهم، وبتعليمهم أحكام الدين، والمفترض أنه أكثرهم دينًا وعلمًا، وعدم الترفع عليهم أو تحقيرهم أو السخرية منهم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].