وسط تقديم خدمات إستراتيجية ولوجستية من قبل نظام السيسي العسكري لواشنطن وربيبتها بالمنطقة إسرائيل، سعى مبكرا نظام السيسي لتقريب وجهات النظر بينه وبين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل تخفيف الانتقادات المتوالية لسجل مصر الحقوقي، وتقليص الاهتمام الإعلامي بالمجازر الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي يرتكبها عساكر السيسي بحق عموم المصريين.
إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولم يدعُ بايدن السيسي لحضور قمة الديمقراطية التي جرت 9 و10 ديسمبر الجاري، عبر الإنترنت، وحضرها نشطاء مصريون وحقوقيون كرئيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان محمد زارع، الذي طالب بربط أية مساعدات أو برامج إنمائية أمريكية مع أي جولة بالتقدم في ضمانات حقوق الإنسان.
ووفق تقديرات إستراتيجية، فإن ممارسات السيسي القمعية وجرائمه بحق الشعب المصري، كانت أبرز أسباب استبعاد مصر من القمة، والتي سيترتب عليها الكثير من الخطوات السلبية ضد مصر في المرحلة المقبلة.
وقدم التقرير المجمع لمنظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية، عن انتهاكات نظام السيسي في أول 100 يوم من إطلاق ما عرفت بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، دليلا مسببا لاستبعاد السيسي ونظامه من القمة ومن أية فعاليات حقوقية أو إنسانية على مستوى العالم، رغم حملات العلاقات العامة التي ينفق عليها السيسي ملايين الدولارات.
انتهاكات بالجملة في أول 100 يوم
أكدت المنظمة أن الواقع المرصود على الأرض في مصر بعد 100 يوم من إطلاق السيسي “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” في 10 سبتمبر الماضي يؤكد على أن تلك الإستراتيجية لم تتعد كونها حبرا على ورق.
تقريرالمنظمة الذي نشرته بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان،-الذي يحتفل به العالم في 10 ديسمبر من كل عام- تضمن الكثير من المآسي.
فرغم إلغاء حالة الطوارئ في 25 أكتوبر 2021 فإنه ترافق مع ذلك تعديلات على قوانين خاصة بالمحاكمة العادلة تزيد تقويض ضماناتها.
وأوضحت المنظمة أنه في 31 أكتوبر 2021 وافق البرلمان على مقترح الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 2014/136 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، ليصبح قانونا مستمرا بدل أن كان تنفيذه مقتصرا على عامين فقط.
وفي الأول من نوفمبر 2021 وافق البرلمان أيضا على تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، والتي كان من أبرزها إضافة نص المادة “32 مكررا”، والتي أجازت لرئيس الجمهورية فرض عقوبات تصل إلى السجن المشدد على من يخالف التدابير المخول له اتخاذها بموجب المادة 53 من القانون ذاته.
كما أشارت المنظمة إلى أن القضاء أصدر في 25 أكتوبر 2021 حكما نهائيا بإعدام 3 متهمين في القضية رقم 2020/3354 جنايات أمن دولة طوارئ العجوزة المعروفة إعلاميا بـ”خلية المرابطين”.
استمرار الاعتقال والتدوير
كما أصدرت محكمة جنايات القاهرة -الدائرة الأولى إرهاب المنعقدة في طرة- بجلسة 10 نوفمبر 2021 حكما على متهمين بالسجن المؤبد، ومعاقبة متهم بالسجن المشدد 15 عاما، و10 سنوات لآخر، وعاقبت متهمة بالسجن 3 سنوات في اتهامهم بالانضمام لجماعة إرهابية بقضية جنايات أمن دولة لسنة 2021، والمعروفة باسم “داعش.. الزاوية الحمراء”.
كذلك رصدت “كوميتي فور جستس” خلال فترة الـ100 يوم من إعلان الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر 1046 اعتقالا تعسفيا في 10 محافظات مختلفة، و187 حالة اختفاء قسري، منهم 11 شخصا تم إخفاؤهم داخل مقار الاحتجاز بعد حصولهم على حكم بالبراءة من محكمة أمن الدولة طوارئ، وتم تدويرهم على قضايا جديدة.
وأيضا تعرض 53 متهما للتدوير “الاعتقال المتجدد” -سواء بعد صدور أحكام بحقهم أو بعد إخلاء سبيلهم- مثل محتجزي معسكر قوات الأمن المركزي في أسوان الذين حصلوا على قرار بإخلاء السبيل وفوجئوا بقوات الأمن تقوم بنقلهم في 17 نوفمبر من أسوان إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس بالقاهرة، للتحقيق معهم على ذمة القضية 2021/2380 حصر أمن دولة عليا، ثم نقلهم إلى سجن القناطر للرجال، في رحلة دامت 72 ساعة، وذلك عقب يومين فقط من نجاتهم من الموت بسبب السيول التي غمرت أسوان خلال نوفمبر الماضي.
كما رصدت المنظمة وفاة 10 محتجزين داخل مقار الاحتجاز خلال أكتوبر ونوفمبر الماضيين، معظمهم نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية، من ضمنهم البرلماني السابق حمدي حسن الذي توفي داخل سجن العقرب نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية لمدة 8 سنوات منذ احتجازه في 2013.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى رصد 17 انتهاكا ضمن الحرمان من الرعاية الصحية في 8 مقار احتجاز على الأقل، ضمنها حالات حرجة أو مصابة بأمراض خطيرة، مثل فاطمة عبد الرسول (47 عاما) المحتجزة منذ سبتمبر على ذمة القضية 2021/200 حصر أمن دولة، وتتعرض للحرمان من الرعاية الصحية اللازمة التي تتطلبها حالتها، حيث إنها مصابة بسرطان الدم وترفض السلطات علاجها داخل مستشفى وتصمم على إبقائها في سجن القناطر للسيدات.
وفي ما يخص إساءة المعاملة والتعذيب داخل مقار الاحتجاز رصدت المنظمة عدة شكاوى من تصاعد الانتهاكات داخل 6 منها على الأقل، من ضمنها ليمان المنيا، وسجن الزقازيق العمومي، وسجن طرة شديد الحراسة 992 (المعروف بسجن العقرب)، وأيضا تم رصد استغاثة ذوي المحتجزين في سجن شبين الكوم العمومي لإنقاذ ذويهم من الانتهاكات التي تتم بحقهم من قبل رئيس مباحث السجن والمخبرين ودخولهم في إضراب عن الطعام، كذلك تم رصد وقوع اعتداءات من قبل ضباط سجن وادي النطرون 440 على سجين أردني يدعى سامي الجزرة، حيث تعرض للسرقة والضرب والإيداع التعسفي داخل زنازين التأديب الانفرادية.
إجراءات شكلية
وشددت “كوميتي فور جستس” على أن كل تلك الوقائع المرصودة خلال فترة الـ100 يوم من إطلاق “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” بمصر تؤكد أنه لا أثر لبنود ومحاور تلك الإستراتيجية الوهمية على أرض الواقع، فالانتهاكات مستمرة، وتسييس القضاء وتفصيل القوانين لقمع الأصوات المعارضة مستمر وبلا هوادة، مما يبرهن على أن تلك الخطوة كانت مجرد إجراء شكلي ليس أكثر من السلطات المصرية لتخفيف الضغط الدولي عليها.
وإلى جانب ذلك، فإن سياسات العسكرة التي يتوسع فيها السيسي سواء على مستوى الاقتصاد أو التعيينات بأجهزة الدولة تتنافى تماما مع قيم الديمقراطية ومبادئها، علاوة على تعطل إجراء الانتخابات المحلية ، وضرب الأحزاب السياسية واختزال الحياة السياسية المصرية في مسرحيات ديكورية أبطالها المقربون من الأجهزة الأمنية، وقمع المعارضين وإغلاق الصحف وحجب المواقع وإغلاق المجالات العامة على كافة الأصعدة، كلها أسباب لاستبعاد مصر من قمم الديمقراطية والتنمية في ظل نظام عسكري قمعي.
