هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين

- ‎فيمقالات

عن عبد الله بن مسعود (رضى الله عنه)، عن النبى ﷺ: «ما أصاب عبدًا همٌ ولا حزنٌ فقال: اللهمَّ إنِّى عبدُك، ابنُ عبدك، ابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماضٍ فىّ حكمك، عدلٌ فىّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به فى علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبى، ونور صدرى، وجلاء حزنى، وذهاب همِّى وغمِّى، إلا أذهب الله همَّه، وغمَّه، وأبدله مكانه فرحًا».

فالقرآنُ هو الدواءُ الناجعُ، والبلسمُ الشافى لكل ألم وضيق، وقرآن الليل -خصوصًا- يطرد الداء، ويزيد الرزق، ويزيل الهمَّ. وأهلُ القرآن هم أهلُ الله وخاصتُه، الذين لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يجزعون إذا جزعوا، ولا يزيغون ولا يضلون، قال ﷺ: «أبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبدًا».

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9]… فهو نور الله، وبرهانه، وجائزته إلى خلقه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) [النساء: 174]، وما من مؤمن يقرؤه بتدبر إلا ملأ الله قلبه نورًا وحكمة، وأمَّنه من القلق والوساوس والنزغات.

اقرأوا القرآن بتدبر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء:82]، وافهموا معانيه واعملوا بما فيه، تفلحوا، وتجبروا.. اجعل لنفسك وردًا ولو قليلاً، فهو غذاء الروح وشفاء البدن وصفاء النفس… اتله، واحفظه، واقرأ تفسيره، واسمعه… وابك عند قراءته؛ فإن لم تبك فتباك… وتستطيع أن تجعل مصحفك الخاص، كتاب دراسة، فخذ منه لكل يوم حكمة أو مثـلاً، واستخـرج منـه حلـولًا لمشكلاتك، الخاصة والعامة..

صاحبْ القرآن، ولا تتركه يغيب عنك يومًا، اشغل نفسك به يخلف عليك ربك، قال النبى ﷺ: «يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين».. لقد شُغل بعض الصالحين بالقرآن، حتى صار بالنسبة لهم كالماء والهواء، فإذا امتنعوا عنه يومًا صاروا أشبه بالمغشىِّ عليه، فلا يعودون لطبيعتهم إلا بالعودة إلى القرآن (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 102]، فهو يثبتهم، ويقويهم، ويقيهم الشرور… سأل حذيفة (رضى الله عنه) النبى ﷺ: أبعدَ هذا الخير الذى نحن فيه من شر نحذره؟ قال ﷺ: «يا حذيفة عليك بكتاب الله، فتعلمه واتبع ما فيه -قالها ثلاث مرات».

إن صاحب القرآن، معصوم -بإذن الله- من الأذى والظلم، لكرامته عند الله (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) [الإسراء: 45]، وأهل القرآن بعيدون عن الهموم، وهم فى مأمن من الانقباض والجزع؛ إذ القرآن يملأ قلوبهم بردًا وسكينة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].

فإن كنت فى حاجة إلى اطمئنان قلب وسكون جوارح ورضا نفس، فلا تنم دون تلاوة القرآن، وإن كنت قلقًا أو خائفًا أو مترددًا، فاقرأ القرآن بتدبر وتؤدة، فإذا استوقفتك آية فلا تغادرها حتى يحدث لك السكون والراحة، كررها مرات، وتفحص معانيها، وعش معها، إن كانت دعاءً فاقصد به نفسك، وإن كانت ذكرًا وتسبيحًا فاجعله منك لربك، وإن كانت قصصًا فتمنَّ على الله أن تكون الطرف الموفق، واستعذ بالله أن تكون الطرف الآخر.

ولا شىء أنجع فى علاج الفتور، والهموم، واليأس، من القرآن، إذا أحسن صاحبه التعامل معه، فهو كلام الله الطيب المبارك، وحاشا لله أن ينزِّل كلامًا لا يكون هاديًا وشافيًا وراشدًا..