في مسألة التعدد [2].. “لمثل هذا شُرع التعدد في الإسلام”

- ‎فيمقالات

(وفاء بوعدنا في نهاية المقال السابق نستكمل ما يخص قضية التعدد، وما يدور حولها من تساؤلات؛ لفض الاشتباك بين الطرفين، المؤيدين والمعارضين، وقد ناقشناها من جوانبها المتعددة؛ فالله المستعان وعليه التكلان) التعدد جزء من المنظومة الاجتماعية الإسلامية «تلك المنظومة التي ضيق اللهُ فيها على عباده من جهة وبسط لهم من جهة أخرى، فحرم النظر إلى المرأة الأجنبية، وحرم الخلوة وحرم الزنى، وأباح تعدد الزوجات» [موقع دار الإفتاء المصرية، مركز الأبحاث الشرعية] إنه يبقى على الأسرة بدلا من طلاق الزوجة التي تقصر مع زوجها تقصيرا بالغا يصعب معه الإصلاح، وقد عجزت عن تحقيق حاجاته النفسية والعضوية بسبب التنافر المستحكم بينهما، وقد يكون هناك ما يشين المرأة، من مرض أو خلق مما لا يتوافر معه شعور الرجل بالراحة.

«والإسلام حين شرع التعدد (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ…) [النساء: 3] لم يغفل عن ضرر قد يقع على الزوجة الأولى من جرّاء هذا التعدد، ولكنه وازن بين المصالح المترتبة على التعدد والمصلحة المستفادة من البقاء على زوجة واحدة، فدفع أشد المفسدتين وجلب أعظم المصلحتين» [موقع دار الإفتاء المصرية، مركز الأبحاث الشرعية] إن زواج الرجل على زوجته التي تصعب معاشرتها وإبقاءها في عصمته وتحت رعايته أكرم لها وأنبل، وأضمن لسعادتها وسعادة زوجها، والأمر نفسه ينطبق على الرجل الذي لديه من القوة الجنسية ما لا يكتفي معها بزوجة واحدة، خصوصا إذا ضربتها الشيخوخة أو الضعف، أو لكثرة حيضها ونفاسها، هنا لا حرج من الولوج إلى باب التعدد، لكف الأذى الذي سوف يطال المجتمع إن بقي هذا الرجل دون إشباع رغباته المشروعة، إن المرأة يمكن أن تصبر عن الرجل، أما الرجل فإنه لا يصبر عنها، وعندما يبيح الإسلام التعدد، فإنما يفعل ذلك لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع عموما، ولا ينظر للمصلحة الفردية للمرأة، بل إنه يحميها من براثن الانحراف والغواية، ومن أجواء الكبت والحرمان واليأس، والتعدد يأخذ أحكام الزواج الأول، أي قد يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا، أو مكروها أو محرما، والدافع إلى الزواج الثاني هو الدافع إلى الزواج من الأولى، وهو رغبة الرجل في المرأة، ورغبته في أن يكون له أبناء وذرية، ومن حق المرأة أن ترفض التعدد، أو تشترط ذلك في عقد الزواج، وهي مخيرة إن شاءت أن تقبل الوضع الجديد أو تطلب الطلاق وتبحث عن زوج لا يعدد، فهذا كله من حقها، روى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ قال «أحق الشروط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج» [النسائي] لكن ليس من حقها أن تطلب من زوجها طلاق زوجته الأخرى، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال «نهى النبي ﷺ أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو أن يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها، فإنما رزقها على الله تعالى».

ويفرق ابن القيم (رحمه الله) بين اشتراط المرأة طلاق ضرتها، وبين اشتراطها ألا يتزوج زوجها عليها عند العقد فيقول «الفرق بينهما  في اشتراط طلاق الزوجة، من الإضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها، ما ليس في اشتراط عدم نكاح غيرها» وكما أباح الإسلام التعدد، وضع له شروطا لا بد أن توفي وإلا أثم فاعله، أهمها:  القدرة على العدل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء: 3]، فعلى الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه، سواء من الهدايا أو النفقات أو حتى الجماع، عن جابر بن زيد قال «كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القُبَل» وعن مجاهد قال «كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب، يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه» وقال محمد بن سيرين «يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى»  القدرة على نفقة الزوجات والأولاد؛ لأن في عدم الإنفاق عليهم وإعالتهم تضييعا لهم، ويعد ذلك معول هدم في بناء المجتمع، يقول النبي ﷺ «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» [أبو داود] – والقدرة على حسن رعايتهم -أي الزوجات والأولاد-، فالأمر لا يتوقف عند النفقة، وإنما الرعاية تتخطى ذلك كله؛ إلى صيانتهم وحفظ كرامتهم ودينهم، يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6] ويقول النبى ﷺ: «كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته، الرجل راعٍ على أهل بيته ومسئول عن رعيته» [البخاري ومسلم].