قالت ورقة بحثية إنه "لا تبدو هناك عودة قريبة لمفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا أو بلقاء ثلاثي كان معتادا بمشاركة السودان، وأن الوضع يبقى معلقا على مدى قدرة مصر للضغط على المفاوض الإثيوبي للتخلي عن تعنته، وعودة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا لإدارة عادلة للسد، لا تضر بحقوق أي منهم".
وأوضحت الورقة التي نشرها موقع "الشارع السياسي Political Street" بعنوان "تطورات ملف سد النهضة بعد القمة الأمريكية الإفريقية الأخيرة" أنه مع تصريحات أمريكية من المسؤولين والمبعوثين الذين يمثلونها التي ظاهرها تفهم مخاوف مصر من سد النهضة ، إلا أنه مع ذلك، لا تبدو هناك عودة قريبة للمفاوضات، وذلك لانشغال إثيوبيا والسودان بقضاياهما الداخلية، فالسودان يعاني من عدم استقرار سياسي، وفي إثيوبيا، يواجه رئيس الوزراء آبي أحمد أزمة داخلية عميقة".
البعض يشكك
وقالت الورقة "يُشكك البعض في إمكانية مساهمة واشنطن في حلحلة ملف سد النهضة، الذي أوشك على الانتهاء والعمل بشكل كامل، بالنظر إلى تجارب سابقة السنوات الماضية، حيث يرى هؤلاء أن واشنطن كانت لها مواقف إيجابية متعددة تجاه مصر في ملف السد، تمثَّلت في اعتراف بايدن في أكثر من مناسبة دولية بأمن وحقوق مصر المائية".
واستردكت أن "الفجوة لا تزال قائمة بين الاقتناع الأميركي بحقوق مصر المائية، وعدم ترجمة ذلك بأدوات عملية على أرض الواقع، رغم الزيارات المتكررة مؤخرًا للمبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي بين أديس أبابا والقاهرة، حيث لم تقدم واشنطن ما يُمكن اعتباره رؤية أو خطة عمل واضحة لتحريك الملف".
هدف معلن
وبحسب الهدف المعلن من القمة الأمريكية الأفريقية، رأى البعض إمكانية أن تُسهم الولايات المتحدة في حل أزمة سد النهضة، حيث تقوم هذه الرؤية على أن انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية بعد 8 أعوام من القمة الأولى، يهدف إلى دعم الدور الأمريكي في القارة الإفريقية، خاصة في ظل التنافس الشديد بينها وبين الدول الكبرى على التوسع والانتشار في إفريقيا، وعقدت عدة قمم سابقة مع إفريقيا في روسيا وأوروبا".
ورأت أن الدافع الأقوى هو "ازدياد النشاط الصيني في العقد الأخير لإثبات الوجود على المستوى الدولي، بعد العمل بعيدًا عن الأضواء طوال العقود السابقة حتى تُثبِّت أقدامها، فأصبح للصين دور واضح في المشكلات الدولية المعاصرة، وعُقدت مؤخرا لأول مرة القمة الصينية العربية في الرياض، وفي ظل هذا التنافس قد يكون للنظام الأمريكي دور أكثر فاعلية خلال الأسابيع القادمة للوصول إلى اتفاق في قضية سد النهضة قبل أن تتدخل الصين، وحينئذ سيكون هناك تراجع كبير للدور الأمريكي في إفريقيا".
تصريحات المخاوف
واهتمت الورقة بالتصريحات الوردية للمسؤولين الأمريكيين، ومنها؛ مونيكا ميدينا المبعوثة الأميركية الخاصة للتنوع البيولوجي والموارد المائية قد تحدثت قبل أسابيع عن دور واشنطن في حل النزاع على المياه، وذكرت أن المبعوث الخاص للقرن الإفريقي، السفير مايك هامر، يعمل جاهدا لإيجاد حل، حيث يُعد هامر ثالث مبعوث أميركي يتم تعيينه من قبل إدارة الرئيس بايدن للقرن الإفريقي، وذلك خلال نحو عامين فقط، وهو ما يراه مراقبون دليلا آخر على عدم امتلاك الإدارة الأميركية تصورا محددا للتعامل مع قضايا منطقة القرن الإفريقي، بما فيها ملف سد النهضة.
وعن تأثير القمة الأمريكية الإفريقية على مسار مفاوضات السد؛ استعرضت الورقة رأيا قال "لم يكن من المُتوقع بالأساس تحقيق أي تقدم في ملف سد النهضة في هذه القمة التي لها أهداف أمريكية أخرى ، بالإضافة إلى غياب السودان نتيجة تجميد نشاطه في الاتحاد الإفريقي بعد قرارات مجلس السيادة السوداني بإقالة الحكومة في أكتوبر 2021".
عودة المفاوضات
وفي إجابتها عن سؤال هل تعود المفاوضات قريبا؟ أشارت إلى أن "قضية سد النهضة حاضرة في كافة المناقشات التي عقدها السيسي مع المسؤولين الأمريكيين خلال زيارته لواشنطن، على هامش اجتماعات القمة الأمريكية الإفريقية، وعكست عدة بيانات صحفية صادرة عن الجانب الأمريكي عودة الولايات المتحدة إلى قيادة المفاوضات بدعم الموقف المصري في هذا الصدد".
وأن هذا الحضور تزامن مع تأكيد إثيوبيا أنها ما تزال ملتزمة بالمفاوضات الثلاثية المتعلقة بسد النهضة، وقال السفير "ملس ألم" المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، خلال مؤتمر صحفي حول مختلف القضايا الراهنة في البلاد إن "إثيوبيا تراعي مخاوف مصر التي يمكن حلها عبر التفاوض والحوار عبر حلول إفريقية ترضي الجميع، وتكون فيها البلدان الثلاثة رابحة، وإن إثيوبيا مستعدة لاستئناف المفاوضات بهدف الوصول إلى اتفاق بين البلدان الثلاثة حول القضايا العالقة بشأن سد النهضة".
ونبهت إلى أن الأثيوبيين "يتفهمون مخاوف مصر من التأثيرات المحتملة لسد النهضة، مشيرا إلى أنه يجب أن تلبي الحلول تطلعات إثيوبيا من التنمية باستخدام موارد مياه نهر النيل، مع مراعاة مخاوف بلدان المصب التي يمكن التفاهم حولها عبر المفاوضات".
قضية المياه المُلحة
إلا أنه مع كل تلك التصريحات، أكدت الورقة أنه يضاف لذلك "كون الفرصة تُعد سانحة حاليا لاستئناف المفاوضات ويجب على الدول الثلاث استغلالها؛ حيث التهديد الذي يُمثله النزاع في حد ذاته أقل إلحاحا من ذي قبل، نظرا للتأثير المحدود المسجل حتى الآن على الأمن المائي لمصر والسودان ورد فعلهما الخافت نسبيا تجاه الملء الثالث للخزان، ولا تبدو هناك عودة قريبة للمفاوضات، وذلك لانشغال إثيوبيا والسودان بقضاياهما الداخلية، فالسودان يعاني من عدم استقرار سياسي، وفي إثيوبيا، يواجه رئيس الوزراء آبي أحمد أزمة داخلية عميقة".
وخلصت الورقة إلى أنه "بالرغم من إلحاح ملف المياه على أجندة السياسة الخارجية المصرية في الوقت الحالي، وبالرغم من التحركات المصرية الأخيرة بهذا الصدد؛ إلا أنه لا يبدو أن هناك تطورا كبيرا في حلحلة هذا الملف، الأمر الذي يفرض على صانع السياسة المصري ضرورة إيجاد حلول جديدة ربما من خلال استغلال الوضع التنافسي الذي تمر به المنطقة من قِبل القوى الإقليمية والدولية".
وأوضحت أن "قضية سد النهضة تمثل تهديدا كبيرا لأمن مصر المائي؛ لاسيما لفتحها الباب أمام باقي دول الحوض للإضرار بحقوق مصر المائية في الوقت الذي تعاني فيه مصر بالأساس من اختلال ميزانها المائي، حيث زيادة الطلب عن العرض".
التطورات الأخيرة لقضية السد
في 12 أغسطس الماضي، أعلنت إثيوبيا اكتمال الملء الثالث لخزان سد النهضة بـ 22 مليار متر مكعب من المياه، وعمقت الخطوة الأزمة مع مصر والسودان اللتين تواصلان رفض أي تحرك أحادي دون التوصل إلى اتفاق بشأن السد.
وقدمت مصر في أواخر شهر يوليو الماضي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، أعربت فيها عن رفضها القاطع لخطط إثيوبيا لمواصلة ملء السد من جانب واحد خلال موسم الأمطار منذ يوليو 2020، في ظل عدم وجود اتفاق ينظم ملء وتشغيل السد.
وجددت مصر دعوتها لاستئناف المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، بعدما توقفت المحادثات لأكثر من عام ونصف بعدما فشلت جهود الاتحاد الإفريقي منذ يونيو 2020 للتوسط في اتفاق من أجل إنهاء الجمود بين الدول الثلاث، حيث عُقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات حول سد النهضة في كينشاسا في إبريل 2021، لكنها لم تصل إلى اتفاق بشأن استئناف المفاوضات مع اتهام كل جانب للطرف الآخر بعرقلة المحادثات.
وأكد وزير خارجية السيسي سامح شكري، خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر، على ضرورة استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة بأسرع ما يمكن، بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم لملء السد وتشغيله بما يخدم مصالح جميع الأطراف ويحافظ على حقوق مصر في مياه النيل.
