كشفت بيانات رسمية حديثة عن ارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري المصري إلى 3.58 مليار دولار خلال أكتوبر 2022 مقابل 2.95 مليار دولار للشهر نفسه من العام السابق بنسبة ارتفاع قدرها 21.1 في المئة.
ووفق النشرة الدورية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تراجعت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 9.4 في المئة وبلغت 3.77 مليار دولار خلال أكتوبر 2022 مقابل 4.16 مليار دولار للشهر نفسه من العام السابق.
ويرجع ذلك إلى انخفاض قيمة صادرات بعض السلع وأهمها صادرات منتجات البترول التي انخفضت بنسبة 25.6 في المئة، كما تراجعت صادرت الأسمدة بنسبة 39.8 في المئة، ونزلت صادرات البترول الخام بنسبة 45.4 في المئة، كما انخفضت صادرات اللدائن بأشكالها الأولية بنسبة 1.0 في المئة.
في المقابل ارتفعت الواردات، بنسبة 3.3 في المئة وبلغت 7.35 مليون دولار مقابل 7.11 مليار دولار للشهر نفسه من العام السابق.
وأرجع جهاز الإحصاء هذا الارتفاع إلى زيادة قيمة واردات بعض السلع ، وأهمها منتجات البترول التي زادت بنسبة 104.6 في المئة، كما صعدت واردات القمح بنسبة 96.0 في المئة، وزادت واردات اللدائن بأشكالها الأولية بنسبة 6.9 في المئة، كما صعدت واردات البترول الخام بنسبة 90.1 في المئة.
الخبراء أرجعوا زيادة هذا العجز إلى استمرار خسائر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، ما أدى إلى تكدس البضائع في الموانئ المصرية.
وقال الخبراء إنه "رغم الإفراج عن بضائع بقيمة 7 مليارات دولار خلال ديسمبر الماضي، ومنذ بداية العام الحالي، تم الإفراج عن بضائع بقيمة 1.5 مليار دولار، إلا أنه مع استمرار أزمات ارتفاع التضخم إلى مستويات كبيرة، إضافة إلى أزمة شح الدولار في السوق المصرية، خفض البنك الدولي توقعاته لنمو اقتصاد مصر في العام المالي الحالي إلى 4.5 في المئة بدلا من توقعاته السابقة البالغة 4.8 في المئة".
أزمة الدولار
من جانبه أكد المهندس مجدي طلبة نائب رئيس غرفة الصناعات النسجية، أن أزمة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ستستمر ما لم يتم التصدي لمشكلة زيادة الطلب علي الدولار بمعالجة الخلل في الميزان التجاري وزيادة الإيرادات منه .
وقال طلبة في تصريحات صحفية إن "مصر تشهد حالة شديدة من الخلل في ميزانها التجاري، ناتجة عن نقص الصادرات مقابل تعاظم الاستيراد، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، مؤكدا أنه لأول مرة تتعدى الفجوة بين الاستيراد والتصدير 50 مليار دولار سنويا لصالح الاستيراد في توقيت ينخفض فيه الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة بشكل حاد".
وكشف أن هناك نقصا للدولار من جميع مصادره من السياحة بسبب الظروف الأمنية الداخلية، بالاضافة إلى انخفاض أسعار البترول، وتراجع إيرادات قناة السويس بسبب ظروف التجارة العالمية، وكذلك تراجع تحويلات المصريين بالخارج وانخفاض الصادرات نتيجة لانخفاض الإنتاج من كل القطاعات الصناعية والزراعية وغيرها.
وشدد طلبة على أن قرارات البنك المركزي باصدار الشهادة الدولارية للعاملين بالخارج ، وإلغاء الحد الأقصى للإيداع والسحب الدولاري للأشخاص الطبيعيين والشركات، لن تحل مشكلة العجز في الدولار المطلوب لفاتورة الاستيراد والتي تمثل السبب الرئيسي لمشكلة الدولار في مصر ما لم يتواكب معها إجراءات للحد من الطلب على الدولار وزيادته في نفس الوقت من خلال تعظيم الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات.
وحذر من مخاطر استمرار الانخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار ، مما سينعكس على ارتفاع أسعار أغلب السلع التي تهم جموع المصريين من محدودي الدخل لاسيما أن أكثر من 70% من فاتورة الاستيراد مستلزمات إنتاج وسلع وسيطة على خلاف الادعاءات بأن أغلب الواردات إلى مصر من السلع الاستفزازية.
واقترح طلبة لتعظيم الإنتاج الصناعي، فتح ملف المصانع التي تعمل بنصف طاقتها وملف المصانع المتعثرة وهو الملف المؤجل بدون أسباب منطقية للتصدي له أو الكشف عن حقائقه ، مؤكدا أن هناك أكثر من 1700 مصنع أُغلقت على مدى السنوات الثلاثة الأخيرة ، مما حد من الإنتاج المحلي ورفع الواردات.
مشاكل مزمنة
وقال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي نقيب الصحفيين الأسبق إن "عجز الميزان التجاري المصري الناجم عن زيادة قيمة الواردات السلعية عن قيمة الصادرات السلعية يعد أحد المشاكل الرئيسية المزمنة للاقتصاد المصري، مشيرا للعمق التاريخي لهذا العجز الذي يمتد لعقود ماضية واستمراره بلا انقطاع منذ عام 1974 وحتى الآن".
وأضاف الولي في تصريحات صحفية أن عجز الميزان التجاري تتزايد قيمته تاريخيا، مما يجعله يفوق الفوائض التي تحققها التجارة الخدمية وتحويلات العمالة بالخارج والمعونات الأجنبية وتدني نسبة تغطية الصادرات السلعية للواردات، والتي ظلت في العقود الثلاثة الأخيرة تتراوح نسبتها ما بين 26% لأدنى نسبة بالعام المالي 1998/1999 وبين 61% لأعلى نسبة بالعام المالي 2005 /2006، إلا أنها غالبا ما تتراوح بين 30% إلى 40%.
وأوضح أن التوزيع النسبي للصادرات يشير إلى تصدر الوقود بنسبة 41% من مشتقات ونفط خام وغاز طبيعي والسلع التامة الصنع 37% من أسمدة وأدوية وملابس جاهزة وأقمشة منسوجة وألومنيوم ومنتجات ألبان وسجاد ، مؤكدا أن هذا العجز كان السبب الرئيسي لمشكلة تكرار نقص الدولار خلال العقود الماضية، وها هي البنوك تعود بعد أسابيع قليلة من خفض قيمة الجنيه أمام الدولار للتوقف عن فتح اعتمادات أو مستندات تحصيل للمستوردين بسبب شح الدولار، ما يعني استمرار الأزمة وعدم كفاية قرض الصندوق وما يصاحبه من قروض موازية من دول ومؤسسات دولية لسد الفجوة الدولارية التي يزيد حجمها على 40 مليار دولار.
ولفت الولي إلى أن الأكثر أهمية فيما يخص العجز التجاري الذي بلغ 43 مليار دولار بالعام المالي الأخير، كرقم غير مسبوق تاريخيا، وجاء رغم تحسن الصادرات التي زادت بنسبة 53% لتحقق رقما قياسيا، مستفيدة من التضخم العالمي وزيادة أسعار كثير من سلع الصادرات كالنفط والغاز والأسمدة والمعادن غير أن الواردات تأثرت بالزيادة هي الأخرى بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، حتى أن قيمة زيادتها البالغة 16.6 مليار دولار كانت أعلى من قيمة زيادة الصادرات البالغة 15.2 مليار دولار مما أدى إلى زيادة العجز التجاري.
وكشف أن رقم العجز التجاري المذكور يمثل المعاملات الرسمية بين الصادرات والواردات بينما توجد معاملات أخرى عديدة تتم خارج الإطار الرسمي تزيد بها قيمة الواردات عن الواردات الرسمية، منها التهريب، كتهريب الأقمشة التي تعد الرافد الأكبر لصناعة الملابس الجاهزة، وتهريب الأجهزة الكهربية والهواتف المحمولة والسلاح والمخدرات وغيرها ويقابلها على الجانب الآخر تهريب الآثار المصرية للخارج ، مشيرا إلى لجوء كثير من المستوردين للتلاعب بفواتير الشراء، وإنقاص قيمة البضائع المستوردة لدفع جمارك أقل، مما يعني بالنهاية أن قيمة العجز التجاري الحقيقية أعلى بكثير من الأرقام الرسمية.
وطالب الولي بضرورة النهوض بالقطاع الإنتاجي وتحسين مناخ الاستثمار وزيادة المكون الصناعي والتكنولوجي بالصادرات وليس مجرد إجراءات إدارية أو بوليسية لتقليل الواردات ثبت إخفاقها في ظل استمرار زيادة قيمة الواردات خلال السنوات الماضية، نظرا لارتباط تلك الواردات باحتياج حقيقي صناعي وزراعي وخدمي واستهلاكي.
فاتورة الاستيراد
وقال الخبير الاقتصادي محمد محمود إن "الارتفاع في عجز الميزان التجاري طبيعي في الظروف الحالية، خاصة فيما يتعلق بتوقف قطاع التصدير عن العمل واستمرار ارتفاع فاتورة الاستيراد، في الوقت الذي يعاني فيه احتياطي مصر من النقد الأجنبي من أزمات خانقة".
وأشار محمود في تصريحات صحفية إلى أن ارتفاع بعض الأسعار عالميا زاد من حدة ارتفاع عجز الميزان التجاري لمصر، في ظل التقديرات التي تؤكد أن فاتورة الواردات المصرية من الخارج سوف تتجاوز حاجز الـ 70 مليار دولار خلال العام الجاري.
وأوضح أن الضغوط التي تعرض لها الاقتصاد المصري طيلة السنوات الماضية سوف تنعكس على أدائه خلال الفترة القادمة، وربما سوف تكون هذه التأثيرت أكثر حدة في ظل الأحداث الخارجية سواء الأزمات التي تعانيها دول الخليج أو بعد اتجاه العديد من دول العالم إلى خفض قيمة عملتها المحلية.
