قال موقع مدى مصر إن “عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري يسعى لتخفيف التوتر الإعلامي مع المملكة العربية السعودية في ظل توتر العلاقات بين البلدين، بسبب تعنت حكومة السيسي في تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة”.
وبحسب التقرير، ففي مقال لاذع كتب في أوائل فبراير، شن رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية” المملوكة للدولة هجوما إعلاميا عنيفا ضد المملكة العربية السعودية دفاعا عن السيسي وقيمة وعظمة وسمو الجيش المصري العظيم وتاريخه وحاضره ومستقبله.
ومع ذلك ، فإن الهجوم ، بكل شراسته ، لم يدم طويلا، بعد وقت قصير من نشره، اختفى المقال من موقع الجمهورية. وأصدر رئيس التحرير عبد الرازق توفيق اعتذارا غريبا أشار فيه إلى نفسه بصيغة الغائب “تعتذر جريدة الجمهورية عن المقال المنسوب لرئيس التحرير عبد الرازق توفيق الذي أساء إلى إخواننا”.
يوم الجمعة ، أثار عبد الفتاح السيسي القضية في افتتاح المرحلة الثانية من شركة صوامع للصناعات الغذائية في مدينة السادات ، معربا عن أن المصريين يجب أن يكتبوا فقط لصالح تحسين ودعم العلاقات ، وليس العكس، وشدد السيسي على تميز العلاقات الداخلية والخارجية للبلاد.
ووفقا لمصادر مطلعة على الشؤون الإعلامية والعلاقات المصرية السعودية، تم سحب مقال “الجمهورية” بعد تعليمات مباشرة من مستويات تنفيذية عليا بسبب استياء الجانب السعودي.
بينما تقول المصادر إن “مكتب السيسي يتدخل للسيطرة على معركة إعلامية محتدمة بين المملكة العربية السعودية ومصر ، لا تزال التوترات بين الجانبين مرتفعة، في حين أن مكتب السيسي قد ينجح في إخماد الانتقادات، إلا أنه سيظل يواجه الصراع الدبلوماسي الفعلي الذي أوجزته المصادر كما أبرزه رفض المملكة العربية السعودية تسريع وتيرة شراء الأصول في مصر المنكوبة بالأزمة حتى يتم الانتهاء من النقل النهائي للسيادة على جزيرتي تيران وصنافير، والتي ظلت نقطة شائكة بسبب مخاوف مصر الأمنية في البحر الأحمر”.
حظي مقال توفيق باهتمام كبير في الأسبوع الماضي، لكنه ليس سوى أحدث مظهر من مظاهر الخلاف الإعلامي الذي يغلي بهدوء بين بلدين والذي أصبح مرئيا لأول مرة في الصيف الماضي مع سلسلة من المقالات التي كتبها عماد الدين أديب والتي اعتبرت انتقادات سعودية للإدارة المصرية.
كتب أديب عدة مقالات خلال الصيف أثارت توبيخا شديدا من المعلقين المقربين من الإدارة، في يونيو، بينما كان المدى الكامل للأزمة الاقتصادية لا يزال يتكشف، كتب أديب مقالا قدر فيه أن مصر بحاجة إلى حوالي 25 مليار دولار من الخليج لتغطية آثار الضربة القاضية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وانتقد مقدم البرامج الحوارية محمد الباز، المقرب من الانقلاب، المقال باعتباره تضخيم التشاؤم غير المبرر.
لكن الأكثر استفزازا كان مقال أديب في أغسطس الماضي، بعنوان “14 سببا وراء سقوط الأنظمة الحاكمة” والذي تناول فيه عدة عوامل يمكن أن تؤدي إلى انهيار إدارة سياسية، مسلطا الضوء على انتشار الفساد والالتفاف على الأولويات العامة والتخبط الداخلي والمشاحنات بين الهيئات الحاكمة.
أثار مقال أديب هجوما مضادا قويا من الشخصيات الموالية للدولة، استغل مقدم البرامج الحوارية محمود مسلم وقت البث على قناة TeN TV الفضائية ، المملوكة حاليا لدولة الإمارات العربية المتحدة ولكنها معروضة للبيع في صفقة مخفضة إلى مصر لإطلاق قناة إخبارية جديدة ، للتعبير عن حزنه على محتوى المقال “أنا حزين ، مندهش ، وأرى أنه خارج السياق ، لأنه يعرف مدى شرف عبد الفتاح السيسي”.
هاجم المذيع نشأت الديهي أديب في برنامجه التلفزيوني “بالورقة والقلم” قائلا إن “كاتب العمود يحاول نشر الإحباط وثني السيسي عن الترشح لولاية رئاسية جديدة”.
وقال مصدر حكومي مطلع على سياق العلاقات المصرية السعودية ل «مدى مصر» في ذلك الوقت إن “المقالات أغضبت سلطات الانقلاب بشدة، وذكر المصدر أن أديب لم يكن يعبر بالضرورة عن موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقالاته، بل موقف تركي الشيخ، الوزير السعودي الذي تربطه علاقات وثيقة بالأمير، وخلال الصيف، أنهى الشيخ وجوده المادي والمالي في مصر على خلفية الأزمة المحيطة بالمطربة أمل ماهر، بعد أن تدخلت الدولة لإنهاء الإقامة الجبرية التي فرضها الشيخ عليها”.
وتراجع أديب عن التلميحات بأن المقال يتعلق بمصر التي تعاني من أزمة مالية من صنعها بسبب الاعتماد على الاستثمارات المتقلبة وشهدت تصاعدا في التوتر الداخلي وجادل بدلا من ذلك بأنه كان يتحدث بشكل عام.
وفي الآونة الأخيرة، وكمقدمة مباشرة لمقال توفيق، نشر معلقان سعوديان بارزان مقربان من الديوان الملكي، تركي الحمد وخالد الدخيل، تغريدات تنتقد إخفاقات التنمية منذ ثورة 1952 في مصر والدور المهيمن للجيش في الاقتصاد.
في رده، في مقال بعنوان “الأشجار التي تثمر وحجارة الأشرار والمتواضعين”، يوجه توفيق انتقاداته إلى إخوة لم يكشف عن أسمائهم وتحولوا إلى أعداء، مشيرا إلى إساءتهم وأكاذيبهم حول البلاد، والتي تنبع من كراهيتهم لنجاحات مصر.
لا يترك توفيق مجالا كبيرا للشك في أنه يخاطب دولة خليجية، حيث يجادل بأن أهمية مصر المركزية للاستقرار الإقليمي قد نسيها البلهاء الذين أعماهم المال و العراة حفاة القدمين الذين بدأوا مؤخرا فقط في ارتداء أفخم الملابس.
ووفقا لمسؤول مصري، تحدث إلى مدى مصر شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن الهدف من هجوم توفيق كان واضحا على الفور لأعضاء الديوان الملكي السعودي، حيث نقلت البعثة الدبلوماسية المصرية في الرياض للمسؤولين في القاهرة جوا من الاستياء الشديد في الديوان الملكي السعودي.
ووفقا للمسؤول المصري، فإن مقال توفيق لم يولد من الإجماع بين مختلف المؤسسات التي تدير السياسة الخارجية في مصر، في الواقع، يقول المسؤول إن “الهجمات على المملكة العربية السعودية أصبحت علنية على الرغم من رغبات بعض أقرب مستشاري السيسي”.
وأشار المصدر إلى أن أحد هؤلاء المستشارين هو الذي تدخل لوقف التصعيد بين الجانبين، مضيفا أن الجانبين يعملان على حل خلافاتهما خلف الأبواب المغلقة.
لكن قرارات الباب الخلفي شقت طريقها إلى الرأي العام يوم الجمعة، عندما نفى السيسي، خلال خطابه، أي توتر بين مصر والمملكة العربية السعودية، متهما وسائل الإعلام المصرية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم خبيثون ويتسببون في مشاكل بين مصر وجارتها الصديقة.
وقال السيسي “إذا لم يكن لدينا شيء جيد نقوله، فعلينا أن نبقى صامتين، كما يجب ألا ننسى الدعم الذي قدمه لنا إخواننا، وإن أي مشاكل قد تكون لدى مصر مع دولة شقيقة سيتم حلها والتغلب عليها لأن مصر لديها علاقة جيدة مع الجميع”.
في حين أن كلمات السيسي ربما احتوت السجال الإعلامي بين البلدين، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتغلب على القضايا التي ابتليت بها العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ومصر.
وبحسب المصدر الحكومي المصري ذاته، فإن هناك عدة نقاط ساهمت في زيادة التوتر، منها الفشل في التوصل إلى اتفاق مصري سعودي حول العديد من التفاصيل المتعلقة بآليات مجلس البحر الأحمر، الذي كان في البداية مبادرة تقودها مصر، ومع ذلك، قبلت القاهرة في وقت لاحق الأمانة العامة عندما تولت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة، ولا تزال الرياض تعارض بثبات فكرة أن بعض الأجهزة والمراكز الرئيسية للمجلس سيكون مقرها في مصر، وفقا للمصدر، الذي يضيف أنه في حين تدرك مصر أن المملكة العربية السعودية لديها مصالح في البحر الأحمر لا يمكن إغفالها، لا يزال يتعين على الدولة الخليجية الاعتراف بأهمية البحر لمصر وموقعها العسكري والاستراتيجي في المنطقة أيضا.
وبالنسبة لمصر، فإن إنشاء موطئ قدم قوي في البحر الأحمر شديد المنافسة يتعلق أيضا بجزيرتي تيران وصنافير.
وبحسب المصدر، فإن التوتر بين البلدين كان جزءا مما حال دون المضي قدما في اتفاق تيران وصنافير، قبل خمس سنوات، أعلنت سلطات الانقلاب أنها ستنقل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية في لحظة تقارب بين السلطات التنفيذية في البلدين، ووقعت الصفقة على الرغم من رفض المصريين الشعبي الساحق لهذه الخطوة. “ليس صحيحا أن مصر تراجعت عن الصفقة، هذا اتفاق موقع، لكن هناك تفاصيل متبقية لم يتم الانتهاء منها بعد وتنتظر حلها”.
وقالت مصادر رسمية حالية وسابقة أخرى ل «مدى مصر» إن “مصر لم تتفق بعد مع السعودية وإسرائيل على مضامين الرسائل التي يجب تبادلها لاستكمال النقل النهائي للسيادة، كما لم يتم الاتفاق بعد على تفاصيل الترتيبات الأمنية التي ينبغي أن تؤدي إلى صياغة هذه الرسائل”.
ووفقا لمصدرين حكوميين، فإن الخلاف حول تيران وصنافير يتعلق بكاميرات المراقبة التي تريد السعودية نشرها في الجزر بالتنسيق مع الاحتلال. يتجاوز نطاق هذه الكاميرات النطاق المسموح به في مصر، وفقا لبيانات الأمن القومي المصري، ويكشف كل سيناء.
في عام 2016، وافقت سلطات الانقلاب على نقل سيادة الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية على أمل أن يؤدي ذلك إلى توطيد العلاقات الثنائية وتعزيز الاستثمار السعودي في البلاد، ومع ذلك، أثار الاتفاق موجة هائلة من الاحتجاجات في الداخل ومنافسة قانونية مطولة. ووقعت الاحتجاجات في نفس يوم العيد الوطني لإحياء ذكرى انسحاب إسرائيل من سيناء في عام 1982 وندد النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي بالخطوة ووصفوها بأنها “خيانة”.
وبسبب قلقها من التداعيات المتصاعدة، حاولت حكومة السيسي تأخير الاتفاق، لكنها واجهت ضغوطا كبيرة من المملكة العربية السعودية شملت تهديدات بوقف مساعداتها النفطية، ومحاولة لمنع مصر من تلقي المساعدات من دول الخليج الأخرى، وتأخير الدفعة الأولى من قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
في يونيو 2016 ، تحركت محكمة القضاء الإداري (CAJ) لإلغاء اتفاقية الحدود البحرية وتسليم سيادة الجزر إلى المملكة العربية السعودية. بعد ذلك ، ألغت القرارات التي اتخذتها محكمة الأمور العاجلة قرارين لمحكمة القضاء الإداري تم اتخاذهما في 29 سبتمبر و 31 ديسمبر، ومع ذلك، في يناير 2016، أيدت المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة حكم يونيو، معلنة أن الصفقة امتياز إقليمي، وهو عمل محظور بموجب المادة 151 من الدستور. في 2 أبريل ، تم إلغاء قرار محكمة القضاء الإداري من قبل محكمة الأمور العاجلة، وفي 14 يونيو 2017، وافق البرلمان على اتفاقية تيران وصنافير.
وخلال زيارة وزير الخارجية بحكومة السيسي سامح شكري إلى الرياض الشهر الماضي، اشترط المسؤولون السعوديون تسريع الاستثمارات السعودية في مصر وضع كاميرات المراقبة الخاصة بهم في أقرب وقت ممكن.
في حين أن الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية كانت الداعم المالي الرئيسي للانقلاب، إلا أنها تغير حاليا قواعد الاشتباك الخاصة بها، دعمت الودائع الخليجية بشكل كبير احتياطيات البنك المركزي المصري من النقد الأجنبي وقيمة العملة المحلية في عام 2013، لكن مصر تشهد انخفاضا تدريجيا في الودائع الخليجية في عام 2021.
في الوقت الذي تجتاز فيه مصر أزمة مالية من صنعها، يرفض الرعاة الخليجيون الاستمرار في مد شريان حياة مالي لا نهائي، وبدلا من ذلك يختارون شراء أصول في مصر.
وعلى هذا النحو، أشارت مصر الأسبوع الماضي إلى طرح 32 شركة للاكتتابات الخاصة والعامة، تنتشر الشركات في العديد من القطاعات الرئيسية في مصر من قطاع الطاقة إلى العقارات وتشمل أيضا الشركات المملوكة للجيش.
https://www.madamasr.com/en/2023/02/13/news/politics/president-tries-to-reign-in-saudi-egyptian-media-fight-while-underlying-tension-over-red-sea-tiran-and-sanafir-remains/
