ما جرى مع السياسي المصري الداعم للانقلاب ورئيس حزب المحافظين، خلال الأيام الماضية، من اعتقال والتحقيق معه ثم إفراج سريع، يكشف إلى أي مدى تتضاءل عقلية النظام الأمني الحاكم في مصر، ويبتذل في أدواته في التعاطي مع المعارضين له، والذين يجلسون معه ولا يمثلون أي تهديد حقيقي له، إذ يشاركونه الحياة السياسية وفق اللعبة التي يحددها العسكر أنفسهم، بل ويقبلون بكل ما يسمح به النظام المسيطر من هامش سياسي أو حقوقي أو اقتصادي، يجود به النظام على القوى السياسية القابلة بمعادلات السلطة القائمة.
حيث أخلت النيابة العامة سبيل المهندس أكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين، بعد عدم ثبوت إدانته في قضية تأمينات، نتيجة تشابه الأسماء.
وحسب وسائل إعلامية مصرية فإنه بسبب تشابه الأسماء، صدر قرار ضبط وإحضار قرطام الذي مثل أمام نيابة شمال الجيزة، والتي فحصت الأوراق وتم إثبات وجود تشابه في الأسماء من ناحية الأب، وعدم تشابه في اسم الأم، وعليه تم إخلاء سبيله دون أي ضمانات.
وقد أثار خبر إلقاء القبض على قرطام ومن ثم الإفراج عنه، موجة من الغضب السياسي بمصر، بعد أن تذرع النظام بتشابه الأسماء حجة غير معقولة، ولا مناسبة مع شخصية قرطام السياسي الشهير، والذي يعد من رجال السياسة المصريين الذين يسعون لمواجهة نظام السيسي بأساليب النظام نفسه، محاولا الموازنة بين قواعد العمل السياسي وعدم إغضاب النظام السياسي.
قرصة ودن
فيما رأى مراقبون أن اعتقال قرطام ومن ثم الإفراج عنه مجرد "قرصة ودن" لتخويفه ومن على شاكلته من الحديث المعارض للنظام ومطالباته العديدة للإصلاح السياسي والاقتصادي ودور السلطة في الأزمة القائمة بالبلاد، وهو ما يسعى السيسي ونظامه لإسكات الجميع في تلك المرحلة.
وكان قرطام قد انتقد ممارسات نظام السيسي، قبل أيام، ووجه له انتقادات فيما يتعلق بإبطاء الحوار الوطني ومخرجاته، والذي أعلن عنه في رمضان الماضي، ويمر عليه عام كامل دون نتيجة فعلية.
وسبق أن أكد قرطام، أن الإفراج عن السجناء بمثابة تهيئة للمناخ لإقامة إصلاحات الدولة المدنية الجديدة، قائلا “أنا مش عايز الإفراج في شكل عفو رئاسي، ولكن من خلال نص قانوني وما يحدث الآن يمهد التربة والمناخ الملائم لهذا الحوار الوطني”.
مؤكدا في حوار تلفزيوني، أنه حال عدم الإفراج عن مزيد من السجناء السياسيين فلن يكون هذا شرط للمشاركة في الحوار الوطني ولكنه تمهيد للأجواء لإقامة الدولة المدنية الحديثة.
واستكمل “عايزين نطلع من مؤتمر الحوار الوطني والسياسي بوثيقة متفق عليها من الجميع، وده مهم جدا في الناحية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادي يجب أن يواكبه إصلاح سياسي، مشيرا إلى ضرورة أن يمثل المصريين في الحوار السياسي”.
ومن ثم فإن ما حدث مع قرطام بمثابة تهديد له لإسكاته عن تجاوز الخطوط الحمراء مع النظام، الذي يسعى للظهور بمنظر المنفتح على القوى السياسية، كرسالة استمالة للغرب ليس إلا.
ووفق روايات من قبل مقربين من قرطام، فإنه تم القبض على قرطام وفق 4 قضايا، الأولى تتعلق بمخالفات مباني على أرض ملك له بمنطقة المعادي، حيث اقتحم أكثر من 300 رجل شرطة وأمن الأرض التي يمتلكها قرطام، وقضية تأمينات محكوم عليه فيها بالرغم من استقالته من إدارة الشركة قبل الحكم عليه في واقعة حدثت في غير ولايته، وقضية مخالفات مباني على زوجته السابقة، كان قد تم استئناف عليه وحصلت على براءة، ولكن نيابة المعادي أصرت على الإبقاء على زوجة قرطام السابقة لليوم التالي وعرضها على النيابة مقبوضا عليها.
وتلك المخاوت البادية من النظام العسكري الذي لا يفهم سوى الأساليب القمعية مع معارضية، بدرجات متفاوتة، تدفع نحو كفران القوى السياسية بالتحاور مع النظام، وهو ما يثبت صحة رافضي الانقلاب العسكري، بأن نظام السيسي لا أمان له ولا عهد ولا يهمه مصلحة الوطن، بقدر اهتمامه بكرسي الحكم فقط، وهو ما قاد مصر للانزلاق في هاوية الانهيار الاقتصادي والسياسي.
