قال لمبارك”انت مش ربنا” وكان مشعلا للعلم والدعوة.. 27 عاما على وفاة الشيخ محمد الغزالي

- ‎فيلن ننسى

في 9 مارس 1996، توفي الشيخ محمد الغزالي، أحد أبرز مجددي الإسلام في القرن العشرين بعد سنوات من الجهاد والبلاغ والدعوة إلى الله، والصدع بالحق، في وجه الظالمين، ومنهم حسني مبارك، الذي قال له الشيخ الغزالي "انت مش ربنا حتى ترزق الشعب" عندما تحدث مبارك أنه غير قادر على مواجهة تكاليف غذاء المصريين. 

ولد الشيخ محمد الغزالي أحمد السقا في 5 ذي الحجة عام 1335 هجرية، الموافق 22 سبتمبر 1917 وتوفي في 9 مارس 1996، وهو عالم ومفكر إسلامي مصري، يعده الكثير من المهتمين بالفكر الإسلامي أحد أهم أعلام هذا الفكر في النصف الثاني من القرن العشرين.

يعتبر "الغزالي" أحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي وكونه من المناهضين للتشدد والغلو في الدين.

وسببت انتقادات الغزالي للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي العديد من المشاكل له سواء أثناء إقامته في مصر أو في السعودية.

 

نشأته ودراسته

ولد في قرية نكلا العنب، إيتاي البارود، محافظة البحيرة، ونشأ في أسرة متدينة وله خمس إخوة، فأتم حفظ القرآن بكتاب القرية في العاشرة، ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ “كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة” والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الإبتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وبدأت كتاباته في مجلة "الإخوان المسلمين" أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية، بعد تعرفه على الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرج بعد أربع سنوات في سنة (1360هـ = 1941م) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362هـ- 1943م) وعمره ست وعشرون سنة, وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة, وقد تلقى الشيخ العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني, والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم من علماء الأزهر الشريف.

وسمي الشيخ محمد الغزالي بهذا الاسم رغبة من والده بالتيمن بالإمام الغزالي فلقد رأى في منامه الشيخ الغزالي وقال له إنه "سوف ينجب ولدا" ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه.

وسافر الشيخ في بداية الستينيات للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة, درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي و الشيخ البوطي حتى تسعينات القرن العشرين.

كما نال العديد من الجوائز والتكريم فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1989 م .

 

مواقفه مع الإمام البنا

يتحدث الشيخ الغزالي عن لقائه الأول بالإمام حسن البنا فيقول: "كان ذلك أثناء دراستي الثانوية في المعهد بالإسكندرية، وكان من عادتي لزوم مسجد عبد الرحمن بن هرمز، حيث أقوم بمذاكرة دروسي، وذات مساء نهض شاب لا أعرفه يلقي على الناس موعظة قصيرة شارحا للحديث الشريف (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) وكان حديثا مؤثرا يصل إلى القلب، ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به، واستمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الرجل العظيم إلى أن استشهد عام 1949م.

 

أديب الدعوة

وفي عام 1945 كتب الإمام حسن البنا إلى الشيخ محمد الغزالي يقول له: "أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد، قرأت مقالك (الإخوان المسلمون والأحزاب) في العدد الأخير من مجلة (الإخوان) فطربت لعباراته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب دائما وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

ومن يومها أطلق الإمام حسن البنا على الشيخ الغزالي لقب ” أديب الدعوة ”.

 

كتبه ومؤلفاته

للشيخ الغزالي مجموعة كبيرة من الكتب والمؤلفات على رأسها: 

الإسلام والأوضاع الاقتصادية

الإسلام والمناهج الاشتراكية

حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة

الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسمالين

من هنا نعلم

تأملات في الدين والحياة

عقيدة المسلم

التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام

فقه السيرة

في مركب الدعوة

ظلام من الغرب

جدد حياتك

ليس من الإسلام

من معالم الحق

كيف نفهم الإسلام

الاستعمار أحقاد وأطماع

نظرات في القرآن

كيف نتعامل مع القرآن

مع الله .. دراسات في الدعوة والدعاة

معركة المصحف في العالم الإسلامي

كفاح دين

الإسلام والطاقات المعطلة

الإسلام والاستبداد السياسي

هذا ديننا

حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي

دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين

الجانب العاطفي في الإسلام

ركائز الإيمان بين القلب والعقل

حصاد الغرور

الإسلام في وجه الزحف الأحمر

قذائف الحق

الدعوة الإسلامية تستقبل القرن الرابع عشر

فن الذكر والدعاء عن خاتم الأنبياء

دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين

هموم داعية

سر تأخر العرب والمسلمين

خلق المسلم

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية

الحق المر

صيحة التحذير من دعاة التنصير

تراثنا الفكري في ميزان الشرع

الدعوة الإسلامية

المحاور الخمسة للقرآن الكريم

الفساد السياسي

الطريق من هنا

جهاد الدعوة

السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث

مستقبل الإسلام خارج أرضه

 

إيقاظ الشباب مهمته

والعلامة الشيخ محمد الغزالي، كان أحد أبرز الدعاة الذين أيقظوا وعي الشباب المسلم خلال مرحلة الصحوة الإسلامية؛ حيث كان يكافح بضراوة، فقد كان مهموما وبقوة بترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية، ولجم نزوات التكفير أو التطرف والتشدد.

مزج الغزالي بين الدعوة والأدب بالعلوم الدينية، وجعل الشعر والنثر سلاحه ودرعه، ليسيل قلمه ولسانه عذوبة في الدفاع عن الإسلام والدعوة إلى التمسك بتعاليمه، لكن مع هذه الرقة والعذوبة كان ثائرا صلدا في الدفاع عن رأيه وتفنيد منطق خصومه، وتحمل الأذى في سبيل ما يراه حقا وعدلا وشرعا.

وامتازت كتب الغزالي – التي بلغت نحو الستين – بجزالة اللغة، وعمق المعنى، ودقة الألفاظ؛ فسُمّي "أديب الدعوة"، خاصة مع كتابته الشعر؛ حيث ألف ديوان شعر بعنوان "الحياة الأولى"، كما كتب سيرته الذاتية بعنوان "قصة حياة".

 

أنت مش ربنا!

وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات انتقد الغزالي قانون الأحوال الشخصية المعروف آنذاك بـ"قانون جيهان السادات" فمُنع من الخطابة في مسجد عمرو بن العاص المعروف، بعد أن اشتهر بخطبه فيه؛ وتمت مصادرة كتبه، فلما أتيحت له فرصة الخروج من مصر توجه إلى السعودية، ثم أسس عام 1980 جامعة الإمام عبد القادر الإسلامية في قسنطينة الجزائرية.

وبعد تعرض الرئيس الراحل محمد حسني مبارك لمحاولة اغتيال في إثيوبيا عام 1995م، ذهب الغزالي في وفد أزهري لتهنئته بالنجاة، فلما كان معه في جلسة ضمته وعلماء دين قلائل اختلف مع مبارك، عندما قال الأخير إنه يصحو من نومه وهمه توفير طعام ملايين المصريين، فقال له الشيخ "تُطعم من؟ أنت لا تستطيع أن تطعم نفسك، الله هو الذي يطعمهم ويطعمك، أنت مش ربنا ، أنت مهمتك إدارة الدولة ورفع مستوى مصر ودورها القيادي".

 

مجدد العصر

ويقول عنه الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله "أشهد أني ما سمعت ‫الشيخ محمد الغزالي إلا تأثرت به وتجاوبت معه، ولمست فيه طوال معايشتي له صدقا وتجردا وحمية للدين، عرفتُ في ‫الغزالي أنه رجل دعوة قبل كل شيء، الإسلام لحمته وسداه، وشغل نهاره وحلم ليله، ومحور حياته كلها، عليه يعول وإليه يدعو ومنه يستمد رحمه الله ورفع درجته”.

المفكر الراحل د. محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، قال عن الشيخ الغزالي "لقد كان الشيخ الغزالي عليه رحمة الله واحدا من أبرز المجددين في الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، وكتب كتابا في مطلع القرن الخامس عشر الهجري أجاب فيه عن مائة سؤال عن الإسلام، وفي هذا الكتاب معالم المشروع الحضاري والفكري عند الشيخ محمد الغزالي".

وأضاف، إننا في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة المشروع الفكري للشيخ الغزالي، ليعرف المسلمون أصدقاءهم من أعدائهم، وليواجهوا به مختلف التحديات الخارجية والداخلية، الشيخ الغزالي كان عدوا لدودا للعلمانيين والتغريبيين، وكان يرى أن غلاة العلمانية يمثلون الخطر الداخلي الذي يمثل الامتداد السرطاني للخطر الصليبي الخارجي؟

أما المستشار طارق البشري فقد وصف الشيخ الغزالي بأنه "أعظم مجددي الفكر الإسلامي في العصر الحديث، ومن بعده الشيخ يوسف القرضاوي".

 

6 محاور لجهاد الغزالي

وكتب عنه الكاتب محمد عبد القدوس، زوج ابنته، في 2018 "الإمام الغزالي رحمه الله استمر يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ما يزيد عن نصف قرن ، وكان جهاده على جهات متعددة تستطيع أن تحصرها في ستة محاور:

1_ محاربة التدين الفاسد الذي يسيء إلى الإسلام وقد بدأها من أوائل حياته وركز عليها في أواخر عمره بعد أن اشتد خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة وكان مدفعية ثقيلة تدك حصونهم بالإسلام الصحيح.

2_ إعلاء شأن المرأة والدفاع عنها والمطالبة بحقوقها التي نص عليها إسلامنا الجميل ، وتحريرها من عقلية الرجل الشرقي المستبد أو سي السيد الذي يفرض وصيته عليها، وفي ذات الوقت كان يرفض بشدة نظرة الحضارة الغربية لها في التبرج وإطلاقها بلا قيود ولا حدود ، وله كتاب مشهور عنوانه “المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة” أو عقلية الشرق والحضارة الأوروبية.

3_ التصدي للاستبداد السياسي منذ كُتبه الأولى، ويراه السبب الأول في البلاء الذي حل بالمسلمين ، ويهاجم هؤلاء العلماء الذين يرون أن طاعة الحاكم واجبة ولو كان ظالما، وله صلاحيات مطلقة، والشورى غير ملزمة له، ويستطيع أن يحكم مدى حياته، والانتخابات والأحزاب بدعة وله مقولة مشهورة يقول فيها "رأيت فيما يسمى بمشاريع الدساتير الإسلامية صلاحيات للحاكم لا يملكها الرئيس الأمريكي ولا حاكم الكرملين".

4_ والمطالبة بالعدالة الاجتماعية ظاهرة في كتبه الأولى ، وكان كتابه الأول عن الإسلام والأوضاع الاقتصادية، وكتابه الثاني عن اشتراكية الإسلام، والثالث عن الإسلام المفترى عليه بين الشيوعية والرأسمالية؛ وفيها يبين قواعد إسلامنا الجميل في هذا الموضوع، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله هو القائل  "لا تحدثوا الجائع عن الإيمان والأخلاق قبل أن تطعموه وتلبوا احتياجاته المادية".

5_ التصدي للغزو الثقافي القادم من الحضارة الأوروبية المنتصرة، ويتمثل في أمور ثلاث : رفض أن تغزو تقاليد الخواجات بلادنا، والرد بقوة على افتراءات تشويه الإسلام من المستشرقين، والتصدي لمن يحاول فصل الدين عن الحياة لتقتصر على الشعائر والعبادات.

6_ وكان شيخنا الراحل مشغولا بقضايا المسلمين خاصة قضية فلسطين ، وفي الأواخر كانت مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك تشغله جدا.

 

 

وفاته

توفي الداعية الكبير في 9 مارس 1996م في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول "الإسلام وتحديات العصر"، ودفن بالبقيع وكان قبلها صرح بأن أمنيته أن يدفن في البقيع وتحقق له ما تمنى.