بعد انهيار سدي درنة ليبيا.. مخاطر سد النهضة على مصر تساوي ألف قنبلة ذرية

- ‎فيتقارير

المشهد المرعب الذي جرى في ليبيا في أعقاب انهيار سدي درنة أيام 9 و10 و11 سبتمبر 2023م، بالتزامن مع عاصفة دانيال حين فاض الماء وطغى مدمرا أمامه كل شيء؛ فابتلعت المياه آلاف المنازل والبيوت بسكانها، وانهارت الجسور وشبكات الطرق والكهرباء والمياه؛ فقتل أكثر من خمسة آلاف وفقد نحو 15 آلاف آخرون بخلاف تشريد نحو 30 ألفا خلال ساعات معدودات لم يكن سوى فيلم رعب مصغر لما يمكن أن يحدث لمصر إذا انهار سد النهضة الإثيوبي جراء فيضان أو زلزال أو أي عدوان خارجي قد يستهدف مصر بضرب سد إثيوبيا.

وحتى ندرك الفارق الضخم بين المشهد الليبي الذي فاق في رعبه كل تصور، وما يمكن أن يكون عليه الفيضان في مصر والسودان حال انهار سد النهضة لأي سبب من الأسباب؛ فإن سدي ليبيا كان يحتجزان نحو “25” مليوم م مكعب من المياه؛ بخلاف نحو “50 مليون م مكعبا أخرى سقطت كأمطار من العاصفة دانيال؛ بما يساوي نحو “75” مليوم م مكعب؛ في حين أن سد النهضة سوف يحتجز كما هو معلن من الحكومة الإثيوبية نحو 74 مليار م مكعب من المياه. معنى ذلك أن سد النهضة يفوق سدي ليبيا بنحو “1000” مرة.

 

سد النهضة = ألف قنبلة ذرية

في سياق تعليقه على فيضان ليبيا بعد انهيار السدين وعلاقة ذلك بما يمكن أن تشهده مصر حال انهار سد النهضة الإثيوبي؛ تحدث أستاذ الجيولوجيا وخبير المياه المصري عباس شراقي، عن كارثة قد تتعرض لها مصر تعادل 1000 قنبلة هيروشيما، حال انهيار سد النهضة. وردا على سؤال RT (روسيا اليوم) في تقرير نشر الإثنين 18 سبتمبر 2023م، حول إمكانية حدوث “قنبلة مائية” في مصر والسودان حال انهيار سد النهضة، وحدوث فيضان ضخم، أكد شراقي أن سد النهضة دخل بالفعل دائرة الخطر الكارثي على كل من السودان ومصر بعد انتهاء التخزين الرابع وحجز حوالى41 مليار م3، وطبقا لمقاييس تقسيم السدود الخطرة فهو يعد من أشد السدود خطورة على حياة الإنسان (HIGH HAZARD POTENTIAL).

وأوضح خبير المياه المصري: “يعتمد تصنيف مخاطر السدود ليس على حالة السد الهندسية أو سعتة، ولكن أساساً على مدى الضرر الذى قد يحدث فى اتجاه المصب فى حالة انهيار السد، من حيث العدد المحتمل للخسائر فى الأرواح، والأضرار الجسيمة فى الممتلكات للمنازل والمبانى الأخرى من سدود ومصانع وكبارى ومطارات وموانئ، والثروة الحيوانية، والتسبب فى فيضانات الطرق الرئيسية والجسور والمنشآت”.

وأضاف شراقي أن “إنهيار سد بوط الذين كان يخزن 5 مليون م3 فقط، والذي يقع على أحد الروافد الفرعية فى حوض النيل الأزرق بالسودان فى 2 أغسطس 2020، دمر أكثر من 600 منزل وتشريد الآلاف، وهو ما غيَّر فكر الكثيرين فى السودان الذين كانوا يؤيدون سد النهضة، كما أن إنهيار سدى وادى درنة وأبو منصور فى ليبيا 10 سبتمبر 2023 واللذان يخزنان حوالى 28 مليون م3، أديا إلى مقتل أكثر من 11 ألف وتشريد عشرات الآلاف وتدمير ثلث مدينة درنة، لفت انتباه العالم كله الآن نحو تقييم السدود الكبيرة والتي يتجاوز عددها 50 ألف سد”.

وأوضح شراقي أن التصميم الأمريكي الأصلي لسد النهضة كان تخزين 11.1 مليار م3، ازدادت لأسباب سياسية إلى 64 – 74 مليار م3، ويقع في منطقة الأخدود الإفريقي الأكثر نشاطا للزلازل وينبع من ارتفاعات أكثر من 4 آلاف متر، وفيضانات شديدة في موسم الأمطار، وكميات كبيرة من الطمي هي الأعلى في العالم، ونتذكر مقتل 47 من العمال في سد تاكيزي عام 2007 أثناء البناء على نهر عطبرة الاثيوبي، وإنهيار مشروع جيبي الثاني على نهر أومو في إثيوبيا بعد 10 أيام من الافتتاح في يناير 2010، ولكل ذلك يصنف سد النهضة في أعلى درجات الخطورة حيث أنه في حالة الانهيار سوف يشكل طوفاناً لم تره البشرية منذ سيدنا نوح عليه السلام يهدد حياة أكثر من 20-30 مليون نسمة خاصة في السودان مع تعرض السدود السودانية للانهيار (الروصيرص – سنار – مروى) وتتضاعف الأخطار من خزانات السدود الأربعة، وقد يمتد الخطر إلى السد العالي في مصر.

وأشار شراقي إلى حدوث تراجع كبير في مخزون سد الرصيرص السوداني موضحا أن التخزين الرابع فى سد النهضة استغرق معظم موسم الأمطار هذا العام، وانتهى قبل نهاية الموسم الرئيس بثلاثة أسابيع، وبالتحديد فى 9 سبتمبر 2023 بتخزين حوالى 24 مليار م3، أي 50% من الإيراد السنوى للنيل الأزرق، والذي يساهم بحوالى 60% من الإيراد الكلى لنهر النيل”. وأضاف شراقي: “كان لهذا التخزين بالغ الأثر على نقص مخزون سد الروصيرص الذى تبلغ سعته حوالى 7 مليار م3، وجاري حاليا التخزين من المياه التى تمر على الممر الأوسط بتدفق حوالى 300 مليون م3/يوم بعد أن كان يستقبل 600 مليون م3 فى شهر أغسطس”. وأكمل: “ويتضح فى صورة العام الماضى الخزان وهو مملوء بالمياه والبوابات مفتوحة لإمرار جزء من المياه المتجهة شمالا لسد مروى، ومنه إلى مصر..كل ذلك وإثيوبيا ترى أن التخزين الرابع لم يضر مصر أو السودان”.

 

مخاوف من الزلازل

وفي مايو الماضي “2023”، حذر شراقي من انهيار سد النهضة جراء أي زلزال؛ ورأى في تصريحات متلفزة، أن مكمن الخطورة في إنشاء سد ضخم بهذه السعة الكبيرة في وجود فوالق ونشاط زلزالي هو الأكبر في قارة أفريقيا، كما أن السد مقام في منطقة فيها تشققات وبالتالي فإنه مع الوزن الثقيل تزداد الفوالق والتشققات.

واتفق أستاذ علوم الأرض في المعهد القومي للاستشعار، علاء النهري، مع ما ذهب إليه الدكتور شراقي بخصوص تأثير سد النهضة على الفوالق والتشققات الموجودة في مكان إنشاء السد، وقال ـ حسب موقع “عربي 21” ـ: “إن أي ضغوط أو أحمال على القشرة الأرضية تؤدي إلى تحرك بعض الصفائح التكتونية، وسد النهضة مقام بالقرب من منطقة الأخدود الأفريقي العظيم، وعرضة للزلازل، وبالتالي فلا يجب أن تزيد الضغوط عن تخزين 20 مليار متر مكعب”. وأوضح أن “زيادة سعة التخزين إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب يشكل حملا وضغطا شديدين وأي زلزال قد يحدث في تلك المنطقة سوف يؤثر على جسم السد وبالتالي يتعرض للانهيار، وسيترتب على هذا الانهيار محو الخرطوم وأم درمان من الوجود لقربهما من السد”، مشيرا إلى أن “تدفق 75 مليار متر مكعب دفعة واحدة له تأثير كارثي مثل تسونامي”. وبسبب تجاهل إثيوبيا مثل تلك المخاطر، أكد أن “المتضرر الأكبر في انهيار سد النهضة هو السودان في المقام الأول، ومن ثم مصر، لكن إثيوبيا لن تتأثر بذلك مطلقا لأن السد مقام على منطقة مرتفعة وبالقرب من السودان والانحدار باتجاه الشمال وليس الجنوب، ولا توجد أي إجراءات يمكن أن تتخذ لتخفيف وطأة الانهيار في حال وقوعه”.

 

تفويت فرصة الخيار العسكري

وكان موقع «مدى مصر» في تقرير له تحت عنوان «إثيوبيا تعلن اكتمال الملء الثالث لسد النهضة.. ومصدر: استمرار الملء يفوت فرصة الخيار العسكري على مصر» والمنشور بتاريخ السبت 13 أغسطس 2022م نقلا عن مصدر قريب م المفاوضات أن إصرار إثيوبيا على استكمال ملء السد يصعب الخيار العسكري أمام النظام المصري، إذا توافرت الإمكانيات الفنية واللوجستية لتنفيذه، موضحا أن السلطات المصرية كانت أقرب لاستخدام الخيار العسكري في”2021″، وتحركت قوات عسكرية بالفعل إلى مناطق قريبة من السد، غير أن مصر تلقت تهديدات من قوى غربية باستهداف أي قوة عسكرية قبل توجيه أي ضربة لسد النهضة.