يشهد قطاع الدواء فوضى غير مسبوقة، من حيث نقص بعض الأدوية وارتفاع الأسعار والتضارب بين شركات الأدوية والصيدليات من ناحية، وبين وزارة صحة الانقلاب من حيث الاتهامات المتبادلة، حول من السبب في تلك الأزمة التي تهدد بنشوب معارك بين الصيادلة وجمهور المرضى ؟.
هذه الأزمة دفعت تجار الأدوية إلى بيعها على الأرصفة بسوق الجمعة وغيره من الأسواق الشعبية، ما سيؤدي إلى انتشار الأدوية المغشوشة ومجهولة المصدر، وهذا يمثل خطرا كبيرا على صحة المصريين .
خبراء الأدوية والصيادلة حذروا من أن الزيادات في الأسعار تهدد بحرمان المرضى من العلاج، لأنهم لن يستطيعوا شراء الأدوية بهذه الأسعار المرتفعة .
وأرجعوا ارتفاع أسعار الأدوية إلى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وبالتالي ارتفاع الأسعار لأن أغلب الأدوية ومستلزماتها يتم استيرادها من الخارج .
كان المركز المصري للحق في الدواء قد وصف ما يشهده قطاع الدواء بالفوضى الممنهجة، محذرا من أن هذه الفوضى تقوّض ما جرت عليه الأمور في مصر منذ تحديد التسعير الجبري للأدوية الذي ظهر في القرار ١٦٣ لسنة ١٩٥٠ والتعديلات التي مر بها .
وطالب المركز في بيان له بضرورة تمثيل منظمات المجتمع المدني داخل لجان التسعير لضمان توفير الأسعار العادلة، وتحقيق نوع من الرقابة وعدم التسعير بشكل انفرادي تجاري.
هيئة الدواء
من جانبه حمل المركز القومي للبحوث ما يسمى بهيئة الدواء المصرية التي أنشأها قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي مسئولية الفوضى التي يشهدها قطاع الدواء، مشيرا إلى أنه مع بدايات ظهور هيئة الدواء ظهر معها تشوّه تسعيري أدى إلى وجود عشرات الأصناف الهامة بالصيدليات بثلاثة أسعار مختلفة؛ ما يضر بمصالح المريض، ويؤدي لنشوب معارك وتبادل الاتهامات بين الجمهور والصيادلة، مما يؤدي لفقد الثقه في قطاع كبير للفريق الطبي يؤدي واجبه بين طبقات الشعب المختلفة.
وقال المركز في بيان له: إنه “رصد زيادة في عشرات الأصناف بشكل متكرر تفشي على غير العادة ما يعد مقدمة لتحرير أسعار صناعه الدواء التي تعتبر أمنا قوميا، لأنه السلعة الوحيدة المسعرة جبريا الآن، محذرا من مخاطر هذا التحول الكبير وتخلي دولة العسكر عن دورها في تأمين الأدوية لمواطنيها كحق إنساني.
لوبي الشركات
وقال محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء: إن “عمليات زيادة الأسعار وفوضى التسعير تتم بدون دراسة علمية، الأمر الذي يترك عواقب وخيمة بقطاع الدواء وتطرح العديد من التساؤلات، هل هناك لوبي في شركات التوزيع يستغل الأزمة بتخزين الأدوية بالأسعار السابقة لوجود معلومات لديه بوجود تحرك لأسعار هذه الأدوية، وبالتالي يتمكن من الحصول على أموال أكثر، وهذا يؤدي لنوع به شبهه احتكار مُجرّم؟.
وحذر فؤاد في تصريحات صحفية من خطورة هذه الممارسات على المرضى واقتصاديات أكُثر من 80 ألف صيدلية، مطالبا بالتحقيق في وجود صنف بالأسواق بأكثر من سعر.
فواتير الشراء
وقال زين عبد الرحمن، صاحب إحدى الصيدليات بالقاهرة: إن “هناك بعض الأصناف الدوائية زادت أسعارها منذ يناير وحتى نهاية فبراير الماضي بنسبة لا تزيد على 10 في المئة، مشيرا إلى أنه منذ منتصف مارس الماضي يرتفع عدد كبير من الأصناف بشكل أسبوعي، وبنسبة تتخطى 60 في المئة، خصوصا الأدوية المستوردة بشكل كامل من الشركات الأجنبية.
حول أبرز الزيادات في الأسعار، أكد عبد الرحمن في تصريحات صحفية أن أدوية علاج الضغط ارتفعت ما بين 10 و15 جنيها بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى دواء لعلاج القلب ارتفع من 45 جنيها إلى نحو 72 جنيها بنسبة 60 في المئة، كما ارتفع صنف دواء لعلاج القولون من 6 جنيهات إلى 9 جنيهات بنسبة 50 في المئة ثم إلى 25 جنيها.
وأضاف : نتفاجأ في الوقت الحالي بارتفاع الأسعار عند استلام فواتير الشراء، وهذا عكس ما كان يحدث في السابق، حيث كانت الشركات تبلغنا بارتفاع الأسعار قبلها بشهر على أقل تقدير، وحاليا الشركات تُساومنا إما بتوفير الأدوية، أو زيادة السعر ونضطر للشراء حتى لا يحدث نقص.
أسعار عادلة
وقال الدكتور محمد عز العرب، استشاري الجهاز الهضمي: إن “هناك فوضى تضرب بقوة في تسعير الدواء، بدليل وجود نفس الصنف الدوائي بأكثر من سعر ما يحرم الشريحة الكبرى من الحق في الدواء بسبب غلاء أسعاره”.
وطالب عز العرب في تصريحات صحفية، بتمثيل منظمات المجتمع المدني في لجان التسعير لإحداث نوع من الرقابة على أسعار الدواء والبحث عن تحقيق الأسعار العادلة ومحاربة لوبي الشركات التي تتبع أساليب ملتوية مثل تخزين الدواء أو تعطيش السوق وغيره.
المواد الخام
وكشف عادل عبد المقصود، الرئيس السابق لشعبة الصيادلة بالاتحاد العام للغرف التجارية ، الزيادة في أسعار الأدوية تجري بشكل يومي تقريبا، لافتا إلى أن هناك عددا كبيرا من الأصناف، خصوصا التي تستخدم في علاج الأمراض المزمنة، مثل أدوية علاج الضغط والسكر والقلب، ارتفعت بنسب تتفاوت بين 20 و60 في المئة على أقل تقدير عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية .
وأرجع عبد المقصود في تصريحات صحفية ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع المواد الخام ومستلزمات الإنتاج والمستحضرات الطبية على المستوى العالمي، علاوة على ارتفاع قيمة الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن عالميا .
وأكد أن السوق المحلية تشهد منذ نحو عامين فوضى وعشوائية في تسعير المنتجات الدوائية، موضحا أن وزارة صحة الانقلاب صرحت منذ فترة عبر الهيئة القومية لسلامة الغذاء بتسجيل بعض الأصناف الدوائية، التي تتضمن بعض المواد الخام المستخلصة من النباتات والأعشاب الطبيعة في أقل من 3 أشهر من دون تسعير الصنف الدوائي وتترك التسعير لشركات الإنتاج، بينما الأصناف التي يتم تصنيعها من مواد كيماوية يتم تسجيلها وتسعيرها في هيئة الدواء المصرية في مدة لا تقل عن 6 أشهر.
وأشار عبد المقصود إلى أن هيئة الدواء تُسّعر الأصناف وفق معادلة تعتمد على التكلفة الفعلية من دون أن تترك للشركات التسعير بنفسها، وهو ما تسبب في فوضى وعشوائية وظهور منتجات وأصناف دوائية كثيفة .