صكوك بملياري دولار.. والديون تتراكم.. هل يقود السيسي البلاد إلى خراب مالي وشيك؟

- ‎فيتقارير

في خطوة تُعَد مؤشراً جديداً على تعثر المالية العامة وعجز الدولة عن توفير موارد ذاتية، تتجه حكومة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي مجدداً نحو أسواق الدين الدولية عبر طرح جديد للصكوك السيادية خلال العام المالي 2024/2025، وسط تحذيرات من خبراء اقتصاديين من أن هذه الأدوات المالية تمثل "أموالاً ساخنة" قابلة للهروب في أي لحظة، بما يعجّل بالانهيار الاقتصادي، ولا تُعَد حلاً مستداماً لأزمة التمويل المزمنة التي تعيشها البلاد.

 

صكوك بملياري دولار.. والديون تتراكم

مصدر حكومي أكد أن وزارة المالية تستعد لطرح صكوك دولية جديدة بقيمة ملياري دولار خلال الأشهر المقبلة، في ثاني إصدار منذ فبراير 2023. ويأتي هذا الطرح في أعقاب إصدار سندات دولية مماثلة نهاية يناير الماضي بالقيمة نفسها، في مشهد يعكس اعتماداً متزايداً على الاقتراض الخارجي لسد الفجوات التمويلية المتزايدة، والتي يتوقع أن تتجاوز 3.6 تريليونات جنيه في موازنة 2025/2026.

 

الحكومة، التي عقدت لقاءات ترويجية مع مستثمرين دوليين خلال الشهور الماضية، تراهن على هذه الصكوك لتمويل جزء من الاحتياجات العاجلة، بينما يشكك خبراء في فاعلية هذه الخطوة، محذرين من أن "المال الساخن" الذي تأتي به الصكوك لا يلبث أن يغادر الأسواق عند أول إشارة اضطراب.

 

خبراء: الصكوك ليست حلاً.. بل تعميق للأزمة

الخبير الاقتصادي د. عبد الخالق فاروق قال إن الصكوك "هي مجرد آلية جديدة للاقتراض، لا تختلف كثيراً عن السندات أو القروض التقليدية، لكنها تحمل خطورة إضافية لأنها قد تكون مرتبطة بأصول الدولة". وأضاف في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة تلجأ إلى هذا النوع من التمويل بعد أن استنزفت كل أدواتها، في ظل عجز متواصل عن تحفيز الاقتصاد الحقيقي أو جذب استثمارات إنتاجية".

 

من جانبه، أشار الخبير المالي ممدوح الولي إلى أن هذا التوسع في الاقتراض يعكس إفلاس النظام مالياً، وليس فقط عجزاً ظرفياً. وقال إن "الدين الخارجي تجاوز 168 مليار دولار، والفوائد وحدها تلتهم أكثر من 43% من الموازنة، وهذا يعني أن الدولة باتت تعمل فقط لسداد ديونها، وليس لخدمة مواطنيها".

 

مخاطر الصكوك: ملكية للأجانب وإمكانية تسييل فوري

محللون اقتصاديون حذروا من أن الصكوك تختلف عن السندات التقليدية من حيث ارتباطها بأصول الدولة أو بحقوق انتفاع منها، ما يفتح الباب أمام تملك أجنبي غير مباشر لأصول استراتيجية، فضلاً عن أنها أكثر تقلباً، كونها قابلة للبيع الفوري في الأسواق الثانوية، ما يهدد بانسحاب مفاجئ للأموال في حال توتر الأوضاع المالية أو السياسية.

 

يقول الباحث الاقتصادي المقيم في الولايات المتحدة، محمد أبو العلا، إن "الأسواق تتعامل مع أدوات مثل الصكوك على أنها فرص استثمار قصيرة الأجل، وليست التزاماً طويل الأمد، لذا فإن الحكومة المصرية تعرض مستقبلها للخطر مقابل تدفق مؤقت للأموال".

 

التيسيرات الضريبية.. تحصيل عاجل مهما كان الثمن

وفي موازاة هذا التوسع في الاقتراض، تواصل الحكومة الضغط لزيادة الإيرادات عبر تمديد التيسيرات الضريبية لثلاثة أشهر جديدة. وشملت التيسيرات مبادرات لتسوية المنازعات الضريبية، والإعفاء من الرسوم والغرامات، وتشجيع غير المسجلين على الدخول في المنظومة دون محاسبة عن الفترات السابقة.

 

غير أن خبراء حذروا من أن هذه التيسيرات مجرد محاولة لتسريع التحصيل وليس إصلاحاً حقيقياً، في ظل استمرار العقبات البيروقراطية وانعدام الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب. وقال الدكتور سعيد عبد العزيز، أستاذ المالية العامة، إن "ما يحدث الآن هو محاولة محمومة لجمع أكبر قدر من الأموال بأي وسيلة، دون معالجة جذرية لأسباب العجز أو انهيار الثقة".

 

صندوق النقد في الصورة.. ولكن بشروط قاسية

بالتزامن، تستعد بعثة صندوق النقد الدولي للمراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي توسّع ليشمل قرضاً قيمته 8 مليارات دولار، أُقرّ بعد توقيع مصر اتفاقاً مع صندوق ثروة سيادي إماراتي، ضمن صفقة بقيمة 24 مليار دولار لمشروع عقاري على الساحل الشمالي.

 

وبينما تعوّل الحكومة على هذه التدفقات، يُحذر اقتصاديون من أن الاعتماد المتزايد على القروض والصكوك والمبادلات العقارية لمجرد الحصول على سيولة فورية، ينذر بانهيار أكبر على المدى المتوسط، خاصة في ظل غياب أي إصلاح حقيقي للهيكل الإنتاجي أو تراجع الاستثمارات في قطاعات الصناعة والزراعة.

 

سياسة مالية قصيرة النظر تُقرب لحظة الانفجار

سياسة الاقتراض غير المدروس عبر أدوات متنوعة من الصكوك إلى السندات، مصحوبة بضغط جبائي داخلي عبر الضرائب والتيسيرات المؤقتة، تكرّس نهجاً يعتمد على التمويل المؤقت بدلاً من الإنتاج الحقيقي، في ظل غياب استراتيجية واضحة لوقف النزيف المالي أو تحفيز النمو.

 

ويبدو أن السيسي وحكومته يسابقون الزمن لتأجيل لحظة الانفجار، حتى وإن كان الثمن هو التفريط في أصول الدولة أو استنزاف ما تبقى من مواردها، وفق ما يرى مراقبون.