قضية الحقوقى البارز إبراهيم متولي تلخص واقعاً مظلماً تعيشه مصر في ظل نظام انقلابى يشرعن القمع عبر أدوات قانونية، ويغيب فيه أي دور فعلي للرقابة الحقوقية الداخلية. وبينما تنشغل الدولة بمشروعات دعائية وشعارات "الجمهورية الجديدة"، يبقى نشطاء حقوق الإنسان خلف القضبان، في جمهورية الحبس الاحتياطي الممتد.
ففي سابقة تكشف تغوّل السلطة التنفيذية على العدالة وتحول الحبس الاحتياطي إلى أداة انتقام سياسي، حددت محكمة استئناف القاهرة أولى جلسات محاكمة المحامي الحقوقي البارز إبراهيم متولي يوم 1 يونيو المقبل، بعد أكثر من ثمانية أعوام قضاها في الحبس الاحتياطي، إثر اعتقاله في سبتمبر/أيلول 2017.
متولي، مؤسس رابطة أهالي المختفين قسرياً، أُلقي القبض عليه أثناء توجهه إلى جنيف للمشاركة في اجتماع مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حيث كان يعتزم عرض ملف ابنه المختفي قسرياً، إضافة إلى حالات مماثلة. لكنه تعرض منذ ذلك الحين لانتهاكات متكررة، بدءاً من الإخفاء القسري والتدوير في قضايا أمن دولة، وانتهاءً بحرمانه من رؤية أسرته دون حاجز زجاجي حتى اليوم.
قانون يشرعن القمع
لم يكن احتجاز متولي طوال هذه السنوات محض صدفة قانونية، بل جزء من تحول الحبس الاحتياطي إلى "عقوبة بديلة للسجن السياسي"، بحسب وصف عدد من الحقوقيين. وقد ترسّخ هذا الاتجاه في ظل التعديلات المتكررة على قانون الإجراءات الجنائية، والتي تجاهلت وضع أي سقف زمني فعلي للحبس الاحتياطي، وسمحت للنيابة العامة – التي تخضع عملياً لتوجيهات السلطة – بإعادة تدوير المعتقلين عبر قضايا جديدة بذات التهم، فيما يسمى بـ"الدفن البطيء للمعارضين خلف القضبان".
المجلس القومي لحقوق الإنسان.. شاهد زور أم شريك؟
في المقابل، يتوارى المجلس القومي لحقوق الإنسان – المفترض أنه جهة رقابية – عن المشهد تماماً، مكتفياً بتصريحات شكلية لا تتجاوز حدود "المناشدات"، وسط اتهامات له بتلقي ميزانيات ضخمة من أموال دافعي الضرائب دون أي أثر حقيقي في وقف الانتهاكات. ووصف أحد الحقوقيين المصريين (فضل عدم ذكر اسمه) المجلس بأنه "جهاز علاقات عامة للنظام"، مشيراً إلى أن دوره الأساسي "هو تلميع الانتهاكات لا وقفها".
وأضاف: "منذ إعادة تشكيل المجلس في 2021، لم نرَ تقريراً جاداً عن الإخفاء القسري، ولا تدخلًا في قضايا تعذيب أو حبس احتياطي مطوّل، ولا حتى طلب زيارة أماكن الاحتجاز خارج الإطار المسرحي المصور مسبقاً".
ملف متولي… نموذج مكرر
تتعلق القضية الأولى ضد متولي (رقم 900 لسنة 2017) بتهم تقليدية تُستخدم لتصفية الناشطين، منها تأسيس جماعة على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة. أما القضية الثانية (رقم 1470 لسنة 2019)، فحُركت ضده بعد قرار إخلاء سبيله، ليتهم مجدداً بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويل نشاطها، رغم عدم وجود أي دليل مادي وفق محاميه.
ويُعد تدوير المتهمين وإعادة اتهامهم في قضايا متلاحقة أسلوباً شائعاً تستخدمه أجهزة الأمن المصرية، لتمديد الحبس الاحتياطي لأجل غير مسمى، في تجاوز فاضح للدستور وللعهود الدولية التي وقعت عليها مصر.
متولي… ضحية النظام لا القانون
يرى المحامي الحقوقي نجاد البرعي أن "ما يحدث مع متولي ليس سوى استخدام قانوني لسلطة غير قانونية"، مضيفاً في تصريحات صحفية "النظام يوظف ثغرات قانون الإجراءات الجنائية وغياب الرقابة البرلمانية والحقوقية لتحويل الحبس الاحتياطي إلى أداة للعقاب السياسي، مع إحاطة الأمر بواجهة قانونية زائفة".
إدانة دولية مستمرة
من جانبها، عبّرت منظمة العفو الدولية عن قلقها البالغ من استمرار احتجاز إبراهيم متولي دون محاكمة عادلة، معتبرة أن قضيته "رمز صارخ لانتهاك الحق في حرية التعبير والعمل الحقوقي". وطالبت المنظمة السلطات المصرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه.
وختمت المنظمة بيانها بالقول: "الأنظمة التي تخشى النشطاء وتلاحق من يوثقون الإخفاء القسري هي أنظمة تدين نفسها بنفسها".