تحوّل أميركي أم صفقة جديدة.. ترامب يستقبل “الشرع” ويدعوه للتطبيع  ماذا تعني هذه الخطوة لمستقبل الجولان؟

- ‎فيتقارير

 

في تطوّر لافت على الساحة الإقليمية، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، داعياً إياه إلى الانضمام لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ومعتبراً أنّ سورية تمتلك "فرصة تاريخية" لفتح صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية.

 

وهذا اللقاء الذي جمع ترامب والشرع بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الاتصال المرئي، يُعدّ الأول بين رئيسين للبلدين منذ أكثر من ربع قرن.

 

دعوة للتطبيع ومطالب أمنية

 

بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فقد حث ترامب نظيره السوري على الدخول في مسار التطبيع مع إسرائيل، قائلاً إن "هناك فرصة حقيقية لصنع السلام في الشرق الأوسط". وطلب ترامب من الشرع "تحمّل المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر تنظيم داعش شمال شرقي سورية"، وترحيل ما وصفهم بـ"الإرهابيين الفلسطينيين" في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية التي تستضيفها دمشق منذ عقود.

 

كما شدد البيان على أن ترامب "شجع الرئيس الشرع على القيام بعمل عظيم للشعب السوري"، واعتبر أنّ رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية سيمثل بداية لعهد جديد.

 

سر الحفاوة الأميركية بالشرع

 

اللافت أن الحفاوة التي أبداها ترامب تجاه الشرع جاءت رغم أن الولايات المتحدة كانت قد رصدت قبل سنوات مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن "الشرع" أو مكان وجوده، إبان فترة تصاعد الأزمة السورية وتوتر العلاقات بين دمشق وواشنطن.

 

وفي كلمته خلال القمة الخليجية الأميركية، قال ترامب عن الشرع إنه "رجل ذكي وجذاب"، معرباً عن أمله بأن "تنجح الحكومة السورية الجديدة في نقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار والازدهار".

 

في السياق نفسه، كشفت مصادر دبلوماسية لوكالة الأناضول أن الجهود لعقد اللقاء جاءت بدفع من السعودية وتركيا، وبتنسيق مع رجل أعمال أميركي، في إطار مساعٍ لبلورة تفاهمات جديدة في المنطقة، تعيد سورية إلى الحظيرة الإقليمية والدولية.

 

موقف ديني: هل يوافق الشرع الإسلامي على التطبيع مع الاحتلال؟

 

من منظور ديني، يثير التطبيع مع إسرائيل تساؤلات فقهية حادة في الأوساط الإسلامية. يرى الدكتور محمد سليم العوا، المفكر الإسلامي والقانوني البارز، أن "أي اتفاق مع كيان غاصب يُقِرّ باحتلاله للأراضي الإسلامية يُعد شرعاً باطلاً، ولا يُلزم المسلمين، خاصة في ظل استمرار العدوان على المسجد الأقصى والحصار المفروض على غزة".

 

وفي السياق ذاته، أكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مراراً أن التطبيع مع إسرائيل "خيانة لقضية الأمة المركزية"، ولا يجوز شرعاً ما دام الكيان الإسرائيلي يمارس الاحتلال والتمييز العنصري، ويرفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.

 

تحليل قانوني: ماذا تعني هذه الخطوة لمستقبل الجولان؟

 

من منظور القانون الدولي، يشكل أي تطبيع بين سورية وإسرائيل خطراً مباشراً على وضعية مرتفعات الجولان المحتلة، والتي تعتبرها الأمم المتحدة أرضاً سورية محتلة رغم اعتراف إدارة ترامب في ولايته الأولى بسيادة إسرائيل عليها.

 

ويحذر الدكتور أنطونيو غوتيريش، خبير القانون الدولي في جامعة جنيف، من أن "أي اتفاق سوري إسرائيلي لا يُشترط فيه الانسحاب من الجولان، يُضعف الموقف السوري قانونياً، ويُرسّخ الأمر الواقع لصالح الاحتلال".

 

تحوّل في الموقف الأميركي؟

 

تعليقاً على الموقف الأميركي الجديد، يرى الباحث الأميركي المختص في شؤون الشرق الأوسط، ستيفن سايمون، أن "ما يجري هو محاولة من ترامب لعقد صفقة شرق أوسطية كبرى، تضم إيران وسورية مقابل الأمن لإسرائيل والموارد للشركات الأميركية".

 

وأضاف سايمون: "من المثير أن يتراجع ترامب عن سياسة العقوبات تجاه دمشق التي كانت توصف سابقاً بالدولة المارقة، ليمنحها الآن فرصة الاستثمار الأميركي والاندماج في الإقليم… واضح أن صفقة ما تجري خلف الكواليس، ولكنها ستكون مثار جدل طويل".

 

دعوة للاستثمار الأميركي

 

وفي ختام اللقاء، دعا الرئيس السوري الشركات الأميركية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في سورية، مؤكداً أن "البيئة الجديدة ستكون مشجعة لرؤوس الأموال". وأكد الشرع، في بيان رسمي، أن دمشق "ماضية بثقة نحو المستقبل" معبّراً عن امتنانه لرفع العقوبات والدعم الإقليمي والدولي.

 

في المقابل، أعلن البيت الأبيض عن لقاء قريب بين وزيري خارجية البلدين، أسعد الشيباني وماركو روبيو، سيُعقد في تركيا لمتابعة التفاهمات، وبحث آليات التعاون في ملفات الإرهاب وإعادة الإعمار.

 

أسئلة مفتوحة

 

يبقى السؤال المطروح: هل التطبيع مع إسرائيل يشكل خياراً استراتيجياً لسورية أم تنازلاً عن ثوابتها التاريخية؟ وهل يمكن لرفع العقوبات والتقارب مع واشنطن أن يكون بديلاً للسيادة الكاملة على الأرض والموقف من فلسطين؟ كما أن مصير الجولان، وقضية اللاجئين الفلسطينيين في سورية، سيظلان بمثابة ألغام في طريق أي سلام مزعوم.