ذهب "ماما نوال" وخرائنها الثلاث: كيف تحوّلت المدارس إلى إمبراطوريات ثراء؟ في مشهد يلخّص كثيراً من التناقضات التي تعيشها مصر، في ظل الأنظمة العسكرية من انقلاب ٢٤ يوليو ١٩٥٢ وحتى انقلاب السيسي، أعلنت نوال الدجوي، المعروفة بلقب "ماما نوال"، عن تعرّض فيلتها بمدينة السادس من أكتوبر لسرقة أموال ومشغولات ذهبية تجاوزت قيمتها 300 مليون جنيه، عبارة عن سبائك ومجوهرات، بخلاف ملايين الدولارات والإسترليني المُخزّنة في ثلاث خزائن منفصلة، لم تكن هذه الخزائن في بنك مركزي أو ضمن استثمارات رسمية، بل في منزل خاص تابع لسيدة أعمال تدير مؤسسات تعليمية خاصة. القصة تتجاوز مجرد حادثة سرقة، فالحديث هنا عن صاحبة واحدة من أقدم وأشهر مدارس اللغات في مصر، وجامعة خاصة يرتادها أبناء النخبة والدبلوماسيين، تُظهر الواقعة كيف تحوّلت مشاريع التعليم في مصر إلى بوابات للترّبح الفاحش، وسط غياب شبه تام لأي رقابة حكومية أو محاسبة ضريبية حقيقية. تعليم خاص.. وثروات خفية نوال الدجوي، التي أسّست أول مدرسة لغات مصرية خاصة في عام 1958، وامتلكت لاحقاً جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، راكمت ثروة هائلة بدعوى تقديم "تعليم متميز" لكن العثور على ثروات بهذا الحجم داخل منزل خاص يطرح تساؤلات عميقة: كيف تسمح الدولة بترك منظومة التعليم الخاص دون رقابة مالية فعالة؟ وأين الضرائب؟ ولماذا تُكتنز هذه الأموال بالنقد الأجنبي، في بلد يعاني منذ سنوات من أزمة عملة مزمنة؟ مقارنة: حسن مالك و"أزمة الدولار" قبل سنوات، داهمت السلطات منزل رجل الأعمال والقيادي الإخواني حسن مالك، وضبطت مبالغ نقدية أقل كثيراً من تلك التي أعلنت عنها نوال الدجوي، حينها، شُنّت حملة إعلامية ضخمة، اتُهم فيها مالك بالتسبب في أزمة الدولار في مصر، وقُدّم للرأي العام كعدو للاقتصاد القومي، أما اليوم، فلا أحد يتحدث عن سبب تكديس 3 ملايين دولار و15 كيلو من الذهب في منزل سيدة أعمال "مدنية"، فقط لأنها ليست محسوبة على جماعة معارضة، بل ترتبط بعلاقات قوية بالنظام. عائلة المال والسلطة العسكرية والقضائية لا تقف نفوذ "ماما نوال" عند حدود التعليم، فزوجها الراحل كان لواءً سابقاً في هيئة الرقابة الإدارية، ووالدها وكيل وزارة المعارف، وعمها اللواء فؤاد الدجوي، الذي حكم بالإعدام على المفكر الإسلامي سيد قطب في 1965، بسبب كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام". المفارقة أن نوال الدجوي اليوم تجمع بين ما حُورب به قطب من أفكار عن العدالة، وبين ما سعت السلطة لحمايته: المال والنفوذ. هكذا هي مصر: ثنائية القمع والامتياز تمنح الدولة المال والسلطة لعائلات معينة، بينما تُحاكم عائلات أخرى بالتهمة ذاتها: التأثير على الاقتصاد، من فؤاد الدجوي الذي أصدر أحكام الإعدام، على الشهيد سيد قطب إلى نوال الدجوي التي راكمت الثروة من التعليم، تمتد سطوة هذه العائلة منذ عهد عبد الناصر حتى اليوم، وفي المقابل، تستمر الدولة في معاقبة آخرين لمجرد أنهم خرجوا عن الخط الرسمي، أو حملوا أفكاراً تنتقد غياب الحرية والعدالة.