انتقد حقوقيون الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا الذي ينص على أن حق الحاضنة في الاحتفاظ بمسكن الحضانة ينتهي ببلوغ الصغار السن الإلزامية للحضانة .
وقال الحقوقيون رغم أن الحكم لم يأت بجديد لكونه يستند إلى مواد في قانون الأحوال الشخصية، إلا أنه يغلق الباب أمام أي أحكام استثنائية كانت تصدرها بعض الدوائر القضائية، وفقًا للسلطة التقديرية للقضاة، حين يرون أن المصلحة الفضلى للأطفال تتحقق ببقائهم في مسكن الحضانة مع والدتهم بعد تمديد فترة حضانتها لهم .
وأعربوا عن تخوفهم من أن الحكم يمنح إمكانية الطعن على الأحكام القضائية السابقة الصادرة بهذا الصدد، وتشريد الأمهات والأطفال الذين ليس لهم مأوى غير شقة الحضانة، في ظل أزمة ارتفاع أسعار إيجارات السكن، وما تعانيه الأمهات المطلقات من ضغوطات اقتصادية ووصم اجتماعي وعنف وتمييز على أساس النوع الاجتماعي.
يُشار إلى أن البيانات الصادرة عن الكتاب السنوي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2024 تكشف أن حالات الطلاق سجّلت 265.606 واقعة خلال عام 2023، مقارنة بـ269.834 حالة في عام 2022 .
وتركزت أغلب الحالات في المناطق الحضرية، حيث سُجلت 150.488 حالة طلاق في الحضر خلال 2023، بنسبة 56.7% من إجمالي الحالات، مقابل 156.278 حالة في العام السابق، أما في الريف، فقد بلغ عدد حالات الطلاق 115.118 حالة، بزيادة نسبتها 1.4% مقارنة بـ113.556 حالة في 2022، وهو ما يبرز اتساع الظاهرة تدريجيًا خارج نطاق المدن الكبرى.
انتكاسة كبيرة
في هذا السياق، أكدت المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا مؤخرًا يكرّس لوضع قانوني غير منصف للنساء، إذ تغلّب على نحو صريح حق الملكية الخاصة – غالبًا ما يكون للزوج – على حساب حق الحاضنة وأطفالها في السكن الآمن بعد انتهاء الحضانة.
وكشفت انتصار السعيد فى تصريحات صحفية أن الحكم ألغى اجتهادًا قضائيًا سابقًا صادرًا عن محكمة النقض، كان يوفر نوعًا من الحماية الاجتماعية للنساء بعد الطلاق، معتبرًا إياه اعتداءً على الملكية الخاصة، دون النظر في الأعباء التي تخرج بها الأم من تجربة الزواج، من دون ضمانات معيشية كافية.
وأشارت إلى أن حكم محكمة النقض كان محاولة جادة لفهم الواقع الاجتماعي للنساء الحاضنات، خاصة أولئك اللواتي يفتقرن إلى سكن بديل أو دعم اقتصادي، وكان بمثابة وسيلة لحمايتهن من التشرد معتبرة أن إلغاءه يُعد انتكاسة كبيرة، لأنه يفتح الباب لطرد الأمهات من مساكن الحضانة دون أي ضمانات بديلة.
كفة الملكية
وأعربت انتصار السعيد عن أسفها لأن الحكم يرجّح كفة الملكية على كفة السكن والرعاية، ما يعكس رؤية قانونية تقليدية تتجاهل الفوارق الاقتصادية بين الرجال والنساء بعد الطلاق مطالبة بإعادة النظر في هذه التشريعات من منظور العدالة الجندرية والاجتماعية .
وأوضحت أن الحكم لا يمنع صراحة أجر المسكن، لكنه لا يُلزم دولة العسكر أو الأب بتوفيره تلقائيًا، ما يخلق فراغًا قانونيًا يهدد الأمهات بالتشرد أو الإقامة في بيئات غير آدمية.
وأكدت انتصار السعيد أن أحكام أجر المسكن غالبًا ما تصدر بتقديرات منخفضة لا تواكب أسعار الإيجارات الواقعية، ومع ضعف الرقابة على تنفيذها، تُضطر كثير من الأمهات إلى القبول بأوضاع معيشية مهينة أو التنازل عن حقوقهن.
مصلحة الأبناء
وقالت نهى سيد، المديرة التنفيذية لمبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”، ان حكم المحكمة الدستورية أنصف الرجال على حساب استقرار الأبناء، موضحة أن الأب الذي أنشأ أسرة عليه تحمّل تبعاتها، لا سيما حين يكون الأطفال في سن المراهقة، حيث يواجهون اضطرابًا نفسيًا بسبب التنقّل القسري من منازلهم، بدلاً من أن ينعموا بالثبات والاستقرار في هذه المرحلة الحساسة.
وأكدت نهى سيد فى تصريحات صحفية أن الكثير من الفتيات يُجبرن على البقاء مع الأب رغبة في استمرار الإقامة في مسكن الأسرة، أو انتظارًا للزواج الذي يمنحهن مأوى بديلًا، داعية إلى مراجعة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، بما يضمن مصلحة الأبناء دون الإخلال بحقوق الطرفين.
مسكن الحضانة
واعتبرت الناشطة آية منير، مؤسسة مبادرة سوبر وومان، أن الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، ليس غريبًا على الأوضاع التي تعيشها النساء في مصر؛ إذ تترك مسئولية رعاية الأطفال للأم ويعتبر الأب عائلا مؤقتا بشكل جزئي، ولا يتم تحديد الحد الأدنى لنفقة المسكن فتصدر أحكام قضائية بمبالغ هزيلة لا تكفي لاستئجار غرفة .
وقالت آية منير فى تصريحات صحفية : بمجرد بلوغ الأطفال سن الـ15 عاما يتم تحرير الأب من مسئوليته تجاه توفير مسكن الحضانة لهم، في حين لا يتم تقدير الجهد الاجتماعي والاقتصادي للأم ودورها الرعائي، عبر إقرار حق الكد والسعاية، بينما يحصل الأب على الامتيازات المتعلقة بالولاية والأمور المالية على أبناءه.
وشددت على ضرورة أن يكون مسكن الزوجية ملكًا للطفل وليس لأحد أبويه، وأن يعيش معه من يتولى رعايته، داعية إلى نشر ثقافة أن تترك الأم الأطفال لأبيهم بعد الطلاق إذا كانت غير قادرة على تحمل العبء المادي والدور الرعائي لهم لأن والدهم يرفض تحمل المسئولية ويريد الزواج مرة أخرى، وذلك بسبب الوضع المأساوي للأمهات المعيلات اللواتي تعرضن لأشكال عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي، تسببت في حرمانهن من استكمال تعليمهن وتنمية مواهبهن والانقطاع عن سوق العمل .
وأعربت آية منير عن أسفها لعدم مراعاة جهات العمل للدور الرعائي الذي تتحمله، وغياب القوانين التي تتسم بالحساسية الاجتماعية وتكريس العمل الرعائي والأمومي الذي تقوم به النساء ومكافأتهن عليه بدلًا من معاقبتهن على ذلك الدور، عبر إقصائهن من العمل وفي الأسرة والتمييز ضدهن في الأحكام القضائية عبر الحكم بمبالغ مادية هزيلة أو حرمانهن من بدء حياة جديدة بعد الطلاق، بسبب الأمومة .
وأشارت إلى ما تواجهه المطلقات من تمييز ضدهن في مسألة الحق في السكن؛ إذ يشترط معظم ملاك العقارات أن يكون المستأجر زوج وزوجته، وليس سيدة مطلقة حتى لو كان معها أطفالها، بسبب النظرة المجتمعية السلبية للمطلقات والتشكيك في قدرتهن على الالتزام المادي واستباحة البعض للمساحة الشخصية لهن، عبر التدخل في خصوصيتهن وفرض وصاية أخلاقية واجتماعية عليهن، ويصل الأمر إلى التحرش الجنسي بهن.
