دراسة: مواجع العمال وواقع الحد الأدنى للأجور لا تكفي البقاء أحياء!!

- ‎فيتقارير

خلصت دراسة أجراها باحث مصري ونشرها موقع معارض داخل مصر أن الأزمة في مصر لم تعد أزمة أرقام أو نسب فقر في تقارير رسمية، بل أزمة حياة يومية تعيشها ملايين الأسر العاملة، فالأجر الذي لا يكفي لا يعني فقط ضغوطًا مالية، بل يترجم إلى أمن غذائي مهدد، وصحة مؤجلة، وتعليم ناقص، وأسرة متصدعة، وتشدد على أن أي مشروع تنموي حقيقي يبدأ من أجر عادل، وضرائب عادلة، وحماية اجتماعية شاملة.

وبالتوازي نستعرض مع دراسة الباحث "حسن البربري" تقرير لمنصة "متصدقش"، عن عمال مهمشين في المجتمع ب"مهن جمع القمامة، والظروف الصعبة في أعمالهم".

الحد الأدنى ونسب خطيرة

 

الورقة التي نشر (درب) ملخصا لها توصل إلى أن الحد الأدنى للأجور الذي ارتفع في يوليو 2025 ليصل إلى 7 آلاف جنيه شهريًا، لا يغطي الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية وأن خط الفقر القومي يقدر بنحو 5900 جنيه لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، تشير التقديرات المستقلة إلى أن خط الفقر الفعلي يتراوح بين 9 آلاف و9500 جنيه، وهو ما يعني أن الأجر الرسمي أقل بكثير من تكاليف المعيشة الحقيقية.

ونبهت الورقة إلى أن 85% من الأسر المصرية قلّصت استهلاك البروتين الحيواني مثل اللحوم والدواجن، واضطر 70% لتقليص الإنفاق على التعليم سواء عبر الاستغناء عن الدروس الخصوصية أو نقل الأبناء إلى مدارس أقل كلفة، ونحو 50% من الأسر أجلوا أو ألغوا فحوصات طبية ضرورية بسبب ارتفاع التكاليف، ما يوضح أن تراجع الدخل لم يعد يؤثر فقط على مستويات الرفاه، بل مسّ بشكل مباشر عناصر أساسية في حياة المصريين مثل الغذاء والصحة والتعليم.

 

وتلجأ الأسر العاملة إلى حلول مرهقة، منها عمل إضافي كما يفعل أكثر من نصف العمال، أو الاقتراض من البنوك والجمعيات أو من تطبيقات التمويل الصغير، والاستدانة من المحلات والأقارب، وشراء سلع أقل جودة حتى لو أثّرت سلبًا على الصحة.

وأشار إلى أن هذه الحلول لا تعالج جوهر الأزمة بل تزيد من الضغوط على الأسر، حيث تتحول الديون المتراكمة إلى عبء دائم، ويضيف العمل الإضافي ساعات طويلة ترهق العمال نفسيًا وجسديًا.

الورقة أشارت إلى أن الأزمة تجاوزت حدود الاقتصاد لتضرب النسيج الاجتماعي نفسه، وأن 40% من الأسر لديهم علاقات أسرية متوترة بسبب الضغوط المادية، وأشارت بعض الحالات إلى أن الخلافات الزوجية وصلت إلى حد الانفصال أو الطلاق.

وأشارت إلى أن تراجع الدخل يدفع بعض الأبناء لترك التعليم مبكرًا والاتجاه إلى سوق العمل غير الرسمي، وهو ما يهدد مستقبل جيل كامل ويكرس حلقة مفرغة من الفقر.

 

الصعيد يعاني

وأظهرت الأرقام أن الفقر يتركز في ريف الوجه القبلي حيث تصل نسبته 60 % من السكان، مقارنة ب15% إلى 20% فقط في الحضر، ويعكس هذا التفاوت هشاشة أوضاع العمال في الريف؛ بسبب ضعف الأجور وغياب فرص العمل المنظمة والحماية الاجتماعية، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، فإن نحو 55% من قوة العمل المصرية تعمل في القطاع غير الرسمي، ما يعني أنها خارج المظلة التأمينية والصحية بالكامل، وهو ما يجعلها الأكثر عرضة للفقر والهشاشة.

وعن أسباب استنزاف الدخل، اشارت الورقة إلى النظام الضريبي القائم والضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة التي تستنزف دخول محدودي الدخل، وتظل أرباح الشركات الكبرى وتعاملات البورصة شبه معفاة، إذ لا تتجاوز مساهمتها 0.1 % من إجمالي الضرائب، في مقابل أكثر من 154 مليار جنيه تُحصَّل من ضرائب التوظف وحدها أي من أجور العمال والموظفين.

عمال النظافة

ويعاني عمال النظافة وفق ورقة أخرى نشرتها منصة "متصدقش" من غياب عوامل السلامة والحماية أثناء العمل وظروفه السيئة.

وفي 9 أغسطس تُوفي عامل النظافة سعيد محمد عبد الحميد بمدينة الزقازيق بعد إصابته بأزمة قلبية، وهو الحادث الذي أعقبه قرار من وزارة التنمية المحلية بوقف عمل عمال النظافة في وقت ذروة الموجة الحارة، حفاظًا على سلامتهم، إلا أن بعض الشركات التي تتعاقد معها الحكومة للقيام بأعمال جمع القمامة خالفت تلك التعليمات.

وكشف التقرير أن هيئة النظافة والتجميل بمحافظتي القاهرة والجيزة وأجهزة المدن الجديدة تتعاقد مع شركات لتوفير عمال النظافة نظرًا لعدم كفاية العاملين بـ"الهيئة" ووقف التعيينات الحكومية وتتولى الشركات مسؤولية النظافة، بدءً من توريد العمالة وإدارة شئونها وانتهاءً بإجراء أعمال النظافة داخل المدن.

وقالت: إنه "يعمل بهيئة نظافة وتجميل القاهرة وحدها نحو 26.9 ألف عامل، وفقا لبيان صادر عن الهيئة في أغسطس 2024، فيما لا توجد إحصاءات موثوقة عن عدد العمال بمحافظة الجيزة، وتتضمن أعداد العمال، المختصين بتجميل الأشجار فقط".

وعن الواقع في علاج العمال أو صرف تعويضات أشارت إلى مثال في 11 يناير الماضي، حيث تعرض عامل النظافة أحمد* بشركة "انفيرو ماستر"، 67 سنة، مقيم بحلوان ويعمل في مدينة 6 أكتوبر لإصابة؛ إذ صدمته سيارة أدت إلى حدوث كسر في الساق، واستلزمت تركيب مسمار نخاعي ورفضت حينها "انفيرو ماستر" إجراء العملية الجراحية له، ما دعا زملائه إلى جلب تبرعات له من أهالي المنطقة، ليُجريها بمستشفى 6 أكتوبر المركزي بتكلفة 3000 جنيه، فيما استغنت عنه الشركة، بعدما أصبح غير قادر على العمل.

ونقلت عن سيد زميل العامل بمدينة 6 أكتوبر إن الشركة تسيطر على أعمال النظافة بـ 6 أكتوبر كلها وأنها ما يهمها فقط توفير عدد من العمالة الرخيصة؛ لذا فهي لا تعترض على عمل أي شخص مهما كان سنه.

وتعمل "انفيرو ماستر" في نطاق محافظة الجيزة، بمدن 6 أكتوبر، و6 أكتوبر الجديدة، والشيخ زايد، وحدائق أكتوبر، وفق موقعها الرسمي، الذي يوضح أن عملاءها من الحكومة هم وزارات التنمية المحلية، والبيئة، والتربية والتعليم، والإسكان، والهيئة القومية للأنفاق.

وتضم قائمة عملائها من القطاع الخاص، مجموعة من العلامات التجارية الكبرى تشمل أمريكانا، ومول العرب، وآيكيا.

وبحسب العاملين، منذ عملهما بالشركة لم يوقعا على عقود عمل ولا أي ورقة تثبت عملهم، وكل ما يقوموا به هو توقيع الحضور والانصراف بمقر الشركة في الحي الثاني يوميًا، فيما يبلغ راتبهما 1000 جنيه شهريًا، وكما لا يوجد ما يثبت عملهم في الشركة "كارنيه" ما يعرضهم لمضايقات من "الداخلية".

ورغم مطالبات  العمال بزيادة الرواتب، إلى 1500 أو "اليومية" إلى 50 جنيهًا، بدلًا من 33 جنيهًا إلا أن طلبهم قوبل بالرفض.

والحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص 7000 جنيه شهريًا، وفق آخر زيادة أقرها المجلس القومي للأجور، فيما جاء الحد الأدنى للساعة لأجر العامل المؤقت 28 جنيها، أي أن "يومية" هؤلاء العمال، أعلى من الحد الأدنى لأجر ساعة العمل بـ5 جنيهات فقط.

واستعرضت المنصة تصريحات مدير بالشركة  نفى فيها التعاقد مع عمال بيومية 33 جنيها، ورد بأن هناك عمال على قوة الشركة يتقاضون مرتبات تتراوح بين 4000 جنيه و6000 جنيه بالشهر، وآخرون بـ "اليومية".

وساعات العمل تبدأ من 7 صباحًا وحتى 1 مساءً، وأنه تم تقليصها لتنتهي 12 ظهرًا بعد صدور القرار الحكومي بعدم العمل في أوقات الذروة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المتسولين ممن يستأجرون معدات الشركة للتسول بها، على حد قوله بظل غياب أي تصريح من المحافظة الجيزة تحديدا.

مأساة شركة العاصمة

وأشارت المنصة إلى أن شركة العاصمة للخدمات البيئية على سبيل المثال، وتعمل في نطاق مناطق طرة والمعادي والتبين وجامعة نيو جيزة يضم عملها أطفال،  أما شركة إعمار، والمملوكة لرجل الأعمال علاء شوقي نصار، يعمل عمالها في أوقات ذروة الحرارة بدون قبعات واقية برغم قرارات وزارة التنمية المحلية.

وكان المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، دعا في 13 أغسطس الجاري، إلى حماية عمال النظافة من الإجهاد الحراري كما نشر عدة توصيات بهذا الخصوص مثل تقليل عدد ساعات العمل، وتوزيع فترة الراحة على طول عدد ساعات العمل، واستخدام الأدوات المساعدة، بالإضافة لتوفير المياه والأماكن الظليلة.