بينما يغرق الجيش المصري في البزنس، ويحوّل نفسه إلى شركة مقاولات عملاقة تنهش اقتصاد البلاد من العقارات إلى السلع الغذائية، يظل شريان الحياة ـ نهر النيل ـ مهددًا أكثر من أي وقت مضى. السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان السيسي قد اعترف علنًا بعجزه وخوفه من إسرائيل حتى في مسألة إدخال المعونات لغزة، فهل يجرؤ هذا النظام على مواجهة إثيوبيا وحلفها العسكري الجديد، أم يترك ماء النيل نهبًا لأطماعهم؟
الباحث السياسي عبد المجيد الجمال يؤكد أن ما يحدث "لا يرتبط فقط بالأدوات الظاهرة مثل إثيوبيا وكينيا، بل باللاعبين الكبار الذين يحركون المشهد"، مشيرًا إلى أن دولًا خليجية، وعلى رأسها الإمارات، تضيق الخناق على مصر وتستثمر في أزماتها.
إثيوبيا تتوسع.. ومصر في موقع المتفرج
الأكاديمي المصري عباس شراقي أوضح أن إثيوبيا "تسعى لتقوية نفسها في القرن الأفريقي، والوصول إلى منفذ على البحر الأحمر"، مشيرًا إلى محاولاتها مع إقليم صوماليلاند وتوترها مع إريتريا. وأضاف أن توقيع اتفاقية عسكرية مع كينيا، رغم تضرر الأخيرة من سدود إثيوبيا على نهر أومو، يعكس رغبة نيروبي في الشراكة مع أديس أبابا ولو على حساب مصالحها المائية.
لكن المدهش ـ بحسب معارضين ـ أن القاهرة تتعامل مع هذه التحركات بلا أي ردع حقيقي، مكتفية بخطاب "العلاقات الودية". حتى إرسال قوات مصرية إلى الصومال لم يكن موجهًا لإثيوبيا، بل مجرد التزام شكلي ضمن الاتحاد الأفريقي.
اضطرار الأمر الواقع.. سياسة التبرير
شراقي نفسه يعترف بأن مصر باتت في موقع "الاضطرار"، مجبرة على التعامل مع جميع دول النيل حتى من يطعنها في ظهرها. كينيا مثلًا استضافت "الدعم السريع" بما يضر الأمن القومي المصري والسوداني، وجنوب السودان وقعت اتفاقية عنتيبي وسط إغراءات مشبوهة، ورغم ذلك تواصل القاهرة ترديد نفس الخطاب الممل عن "الذكاء السياسي" و"التعاون".
تحالفات عدائية.. والموساد حاضر
الباحث السوداني وائل نصر الدين يرى أن تحالف إثيوبيا–كينيا موجه أساسًا ضد السودان، لكنه لا يخفي عداءه لمصر أيضًا. كينيا ـ كما يقول ـ دولة وظيفية تعمل لصالح أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وهي مركز للموساد بشرق أفريقيا، في حين أن أديس أبابا مركزه في القرن الأفريقي. وذكر أن نيروبي أيدت علنًا العدوان الإسرائيلي على غزة، ما يعكس توجهاتها العدائية تجاه العرب والمسلمين.
"تكتل عسكري ضد مصر" وسط صمت الجيش
الناشط السياسي أشرف أيوب وصف الاتفاق الإثيوبي–الكيني بأنه "تكتل عسكري ضد مصر"، معتبرًا أن صمت النظام العسكري في القاهرة ليس إلا استمرارًا لنهج التخاذل الذي جعل الجيش يغرق في مشروعات المقاولات والعاصمة الإدارية، تاركًا أهم قضية وجودية ـ مياه النيل ـ عرضة لمخططات الأعداء.
جيش البزنس
في زمن "جيش البزنس"، باتت مصر تُدار بعقلية شركات المقاولات لا بعقلية حامية وطن. بين العجز أمام إسرائيل والخضوع أمام إثيوبيا، يضيع النيل وتضيع معه كرامة بلد كان يومًا يقال عنه "هبة النيل"، بينما تركه حكامه ألعوبة في يد أثيوبيا.