في سابقة خطيرة تكشف حجم التبعية الاقتصادية لنظام الانقلاب، أقدمت حكومة عبد الفتاح السيسي على تحويل مشروع تطوير مجمع التحرير – الذي أسند لشركة إماراتية منذ 2021 – إلى مشروع ممول محلياً بالكامل من البنوك المصرية، خلافاً لنصوص العقد الأصلي الذي نصّ على استثمارات أجنبية مباشرة.
فبعد أربع سنوات من تعثر المشروع الذي كان من المفترض أن يتحول إلى فندق فاخر يحمل اسم "كايرو هاوس"، لجأت الحكومة إلى بنك مصر لقيادة تحالف مالي يضم البنك العربي الأفريقي وبنكي القاهرة و"نكست" (الاستثمار العربي)، لتوفير قرض ضخم بقيمة 15 مليار جنيه (نحو 312 مليون دولار) يسدد على سبع سنوات. وقدمت الحكومة المبنى التاريخي نفسه كضمانة لهذا القرض، في خطوة وصفت بأنها "رهن للأصول العامة" و"تفريط في السيادة الاقتصادية".
من استثمار أجنبي مزعوم إلى تمويل محلي
رغم أن الحكومة كانت قد روجت في 2021 للعقد المبرم مع تحالف إماراتي – أميركي (تتصدره شركة "العتيبة الإماراتية") باعتباره نموذجاً لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإن الواقع أثبت أن المشروع يعتمد في النهاية على تمويل المودعين المصريين بالدولار، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة سيولة ونقص حاد بالعملة الصعبة.
وتشير المصادر الصحفية إلى أن الصندوق السيادي المصري، الذي آلت إليه ملكية المبنى بقرار جمهوري، أصبح هو الممول الفعلي، عبر استدانة محلية بالدولار، ما يخالف بنود العقد الأصلي. ويرى خبراء أن ذلك يعكس ضعف الشريك الإماراتي وعدم قدرته على تحمل تكلفة التمويل، خاصة بعد ارتفاع الفائدة العالمية.
"ضياع للأصول" وإهدار للسيادة الاقتصادية
الخبير الاقتصادي أحمد خزيم اعتبر الصفقة "مثالاً فجاً على ضياع الأصول العامة"، موضحاً أن المشروع يمثل استمراراً لنهج الحكومة في تفويت الفرص الاستثمارية لصالح الأجانب، تماماً كما حدث في صفقة رأس الحكمة. وأضاف:
"الحكومة لا تدير الأصول العامة لصالح الشعب، بل ترهنها للأجانب، بل وتوفر لهم التمويل من الداخل، بينما كان يمكن لشركات محلية أن تدير المشروع وتستفيد منه، بدلاً من تحميل الاقتصاد أعباء جديدة".
وفي السياق نفسه، حذر خبراء معارضون من أن القرض الكبير سيضع ضغوطاً إضافية على البنوك المصرية، التي تعاني بالفعل من نقص الدولار، إذ إن الشركة الأجنبية ستلجأ لاحقاً لشراء العملة الصعبة من السوق المحلية لسداد القرض وفوائده، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار ورفع فاتورة الاستيراد، بينما يذهب العائد الأكبر للشريك الأجنبي.
تناقض حكومي فاضح
المفارقة أن الحكومة منحت قبل أسابيع شركة سعودية امتياز استغلال موقف سيارات عمر مكرم المواجه للمجمع، في خطوة أثارت استياء المستثمر الإماراتي نفسه، ما يعكس ارتباكاً وفوضى في إدارة الملفات الاستثمارية.
كما يرى خبراء أن إقدام الحكومة على الإسراع في التمويل لم يكن سوى محاولة "لإرضاء بعثة صندوق النقد الدولي"، التي تراقب عن كثب تعثر مشروعات الطروحات العامة، حيث يمثل مجمع التحرير رمزاً للتأخر والفشل في تنفيذ الوعود الحكومية.
كارثة اقتصادية وسياسية
يؤكد المعارضون أن خطورة الصفقة تكمن في أنها تفرغ مفهوم الاستثمار الأجنبي من مضمونه، ليصبح مجرد واجهة تمنح الامتياز والسيطرة للأجنبي، بينما يتحمل الشعب عبر البنوك والمودعين التكلفة الكاملة. وهو ما يرسخ التبعية للإمارات ويفتح الباب لمزيد من رهن الأصول العامة في مواجهة أزمة الديون المتفاقمة.