استعراض دولي مؤقت.. السيسي يعيد إنتاج قانون معيب يقيد الحريات ويجهض العدالة

- ‎فيتقارير

 

رغم كل الضجة التي أثارها المنقلب عبد الفتاح السيسي باعتراضه الشكلي على بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، فإن المشهد برمته لم يتجاوز حدود الاستعراض الدولي المؤقت، إذ لم تمس التعديلات التي أعيدت إلى البرلمان جوهر العوار القانوني نفسه الذي يقوم عليه المشروع، سواء في تقليص الحريات، أو الانتقاص من الحق في التقاضي، أو الالتفاف على الضمانات الدستورية.

 

فقد أصدرت حملة "نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية" – وهي تحالف واسع يضم أحزاباً ومنظمات حقوقية ونقابات مهنية – بياناً شديد اللهجة، أعلنت فيه رفضها التام للتعديلات التي أقرها مجلس النواب على مشروع القانون بعد إعادة صياغة بعض مواده استجابة لاعتراضات السيسي الشكلية.

 

وقالت الحملة إن ما جرى “ردة تشريعية خطيرة وتراجع عن المبادئ الحاكمة لمواد المشروع الأصلي”، مؤكدة أن البرلمان لم يعزز الحريات بل أضعفها وانتقص منها، مطالبة السيسي بعدم إصدار القانون وإحالته إلى مجلس الشيوخ لمراجعته من جديد بشكل شامل.

 

وأشار بيان الحملة إلى أن مجلس النواب تعامل مع المشروع كإجراء بروتوكولي لإرضاء الرئاسة، فاقتصر على مناقشة المواد التي اعترض عليها السيسي دون إعادة النظر في باقي النصوص المعيبة، وهو ما وصفته الحملة بأنه “خطأ منهجي يناقض جوهر التشريع الدستوري”، مؤكدة أن عودة المشروع للمجلس تعني استعادة ولايته كاملة لإصلاح كل مواده لا بعضها.

 

وانتقدت الحملة “التناقض والتسرع” في معالجة الاعتراضات الرئاسية، معتبرة أن ما جرى يعكس ذهنية استعجال سياسية هدفها تمرير القانون قبل نهاية الفصل التشريعي، وليس إصلاح منظومة العدالة. وأشارت إلى تناقض صريح في الصياغات الجديدة، خصوصاً بعد إغفال تعديل المادة (64) الخاصة بسلطات مأمور الضبط القضائي المنتدب لتتناسق مع المادة (105) المعدلة.

 

كما حذّرت الحملة من أن التعديل الذي طال المادة (112) فتح الباب لما سمّته "بديلًا التفافياً للحبس الاحتياطي"، إذ يجيز للسلطات “إيداع المتهم مراكز الإصلاح أو أماكن الاحتجاز” بدعوى تعذر استجوابه لغياب محامٍ، ما يخلق حالة اعتقال مقنّعة خارج المدد القانونية، في انتهاك صارخ للمادة 54 من الدستور التي تحمي الحرية الشخصية.

 

وانتقدت أيضاً المادة (105) الخاصة بحق المتهم في حضور محامٍ أثناء التحقيق، موضحة أن التعديل الجديد لا يمنع عملياً استجواب المتهمين دون محامين، لعدم إلزام مأمور الضبط القضائي بدعوتهم أو ندبهم، ما يجعل ضمانة الدفاع شكلية بلا مضمون.

 

أما المادة السادسة (الإصدار)، فاعتبرتها الحملة نموذجاً على التحايل السياسي، إذ أرجأت سريان القانون إلى الأول من أكتوبر المقبل، رغم أن اعتراض السيسي الأصلي لم يكن سوى على بنود فنية تحتاج تجهيزات بسيطة. ورأت الحملة أن هذا التأجيل “أهدر مكاسب كان يمكن تطبيقها فوراً، مثل الحد من مدد الحبس الاحتياطي وإجراءات التظلم الجديدة”.

 

وفي ختام بيانها، طالبت الحملة السيسي بعدم إصدار القانون وإحالته مجدداً إلى مجلس الشيوخ لإعداد تقرير شامل حوله، تمهيداً لإعادة مناقشته في البرلمان القادم بعيداً عن حالة الريبة السياسية التي تحيط بالمشهد التشريعي الحالي.

 

وأكدت أن الهدف ليس مجرد تعديل نصوص، بل تصحيح فلسفة العدالة الجنائية بما ينسجم مع الدستور ويكفل محاكمة منصفة وسريعة، داعية إلى قانون “متماسك ومنسجم مع روح العدالة، لا قانون مفصّل على مقاس السلطة”.

 

وتضم الحملة في عضويتها أحزاباً معارضة بارزة مثل التحالف الشعبي الاشتراكي، والكرامة، والعيش والحرية، إلى جانب نقابة محامي حلوان وعدد من منظمات المجتمع المدني مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات.

 

بهذه الصورة، يتضح أن اعتراضات السيسي لم تكن سوى مسرحية سياسية جديدة لتلميع صورته أمام الخارج، بينما ظل جوهر القانون كما هو: سلاحاً لتقويض الحقوق والحريات، وتحصين أدوات القمع تحت ستار “تحديث الإجراءات الجنائية”.