استدعى مراقبون آراء وفتاوى علماء الأزهر وشيوخه الإجلاء، فيما حدث عند ضريح السيد البدوي، وهم بالمناسبة ليس فيهم وهابيٌّ أو مُنتمٍ للإخوان، وكان أبرزهم الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية في فترة جمال عبدالناصر (1955-1964).
ونشر الكاتب الصحفي مجاهد مليجي Megahed Melygy ما ذكره الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الشريف في مسألة الأضرحة فقال: "إن قبور الأولياء كقبور سائر الموتى، يحرم تشييد القبور وزخرفتها وإقامة الأسوار عليها، كما يحرم الصلاة في القبور وعليها وعندها، ويحرم بناء المساجد من أجل القبور، ويحرم الطواف بالقبور، ويحرم مناجاة من في القبور، ويحرم التمسح بجدران القبور وتقبيلها والتعلق بها، ويحرم وضع أستار أو عمائم على القبور، كذلك يحرم إيقاد شموع أو ثريات حول القبور.
وأشار في – "الفتاوى للإمام الأكبر محمود شلتوت"، طبعة دار الشروق ( ص 167 – 170) – إلى أن كل ما سبق خروج عن حدود الدين، ورجوع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية وارتكاب لما حرمه الله ورسوله.
وأضاف أن الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية له رأي في مسألة الأضرحة -في فتاوى دار الإفتاء، حيث قال: "زيارة الأضرحة في الموالد من أعمال الوثنيين، فلا بأس بهدم قبة مبنية على قبر بل هو الأولى، ولا يجوز اتخاذ القبور في المساجد..".
ولفت إلى ما ذكره الشيخ محمد المسير أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في لقاء تليفزيوني في الأضرحة قائلا: "قضية مناجاة الموتى والأضرحة لا حقيقة لها، وليس في الإسلام ما يسمى بالمقامات أو الأضرحة، هي القبور وفقط، كل هذه تسميات خادعة ولا قيمة لها شرعا، حتى قبور الأنبياء الذي ورد فيها : "لا تتخذوا قبري وثنا يعبد".
وأضاف أن للعلامة الفقيه الشيخ عطية صقر فتوى خاصة بزيارة الأضرحة والذي يحدث فيها وهي مصورة فيديو.
فتوى الشيخ حسن مأمون
وبين ما ذكره "مليجي" وآخرون فتوى شيخ الأزهر حسن مأمون الذي وردت في عام 1957، بعد أن وجّهت الإذاعة المصرية سؤالًا إلى الشيخ حسن مأمون — وكان حينها مفتي الجمهورية — حول زيارة الأضرحة، والتوسل بالأولياء، والطواف حول القبور، وهي ممارسات ترتبط ببعض الطرق الصوفية، وقد جاءت فتواه متزنة، تجمع بين التحذير من البدع وبين احترام مقاصد التزكية في التصوف.
وأبرز ما جاء في فتواه:
زيارة الأضرحة: أجازها بشرط أن تكون للعظة والدعاء لله وحده، لا للتبرك بالأشخاص أو طلب الحاجات منهم.
الطواف بالمقاصير وتقبيلها: بدعة لا أصل لها معتبرا أن الطواف حول القبور بدعة منكرة لا أصل لها في الشريعة، ولا تجوز.
التوسل بالأولياء: فرّق بين التوسل المشروع (كطلب الدعاء من الصالحين أحياءً) والتوسل الممنوع (كطلب قضاء الحاجات من الأموات)، معتبرًا الثاني غير جائز شرعًا، إلى أن خلص إلى أن التوسل بالأولياء والموتى غير مشروع، ويُعد من مزالق الشرك.
النذر لغير الله: حكم عليه بالتحريم شرعا، لأنه صرف عبادة لغير الله.
ولم يهاجم الشيخ حسن مأمون التصوف كعلم أو كمنهج سلوكي، بل أكد أن التصوف الحقيقي هو التزكية والورع والاتباع، أما ما شابه من ممارسات شركية أو خرافية فلا تمتّ للإسلام بصلة.
الشيخ حسن مأمون، مفتي الديار المصرية الأسبق (1955–1960)، لم يُصدر فتوى عامة ضد التصوف، بل كانت فتاواه تتسم بالتمييز بين التصوف السني المنضبط والممارسات البدعية التي نُسبت زورًا إلى التصوف.
والشيخ حسن مأمون كان من العلماء الذين احترموا التصوف السني، لكنه وقف بحزم ضد الانحرافات العقدية والسلوكية التي تسللت إلى بعض الطرق الصوفية.
فتوى الشيخ حسن مأمون حول زيارة الأضرحة والتوسل نُشرت على منصات رسمية، منها موقع دار الإفتاء المصرية، وأُعيد نشرها في عدة مصادر موثقة مثل مجلة الإذاعة المصرية عام 1957 وموقع المكتبة الشاملة.
وورد فيها أن الإسلام يقوم على التوحيد، وأن التوسل بالأضرحة والموتى من رواسب الجاهلية، والطواف حول القبور بدعة لا تجوز شرعًا.
الفتوى جاءت متزنة، تحذّر من البدع دون أن تُهاجم التصوف السني المنضبط، بل تفرّق بين التزكية الشرعية والممارسات المنحرفة كما لم يُهاجم الطرق الصوفية عمومًا، بل دعا إلى تنقيتها من الخرافات واعتبر أن التصوف الحقيقي هو الزهد والورع والاتباع، لا الغلو أو الشركيات.
نص الفتوى من أرشيف مجلة (أنصار السنة)
https://archive.org/details/20240828_20240828_1112/page/n3/mode/2up
نص الفتوي
وبحسب صفحة الصحفي "أحمد سالم" فإن فتوى فضيلة الإمام الأكبر وشيخ الأزهر، ومفتي الديار المصريَّة الشيخ حسن مأمون (المتوفى: 1973 م). أوضح من خلالها موقف الأزهر الشريف حول حكم الشرع في زيارة الأضرحة ( أضرحة الأولياء) والطواف بالمقصورة وتقبيلها والتوسل بهم.
وسُئل فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية سؤالا حول الطواف بالأضرحة والتوسل بها ، نشرته مجلة الإذاعة المصرية سنة (1957م) هذا نصه :
ما حكم الشرع في زيارة الأضرحة ( أضرحة الأولياء) والطواف بالمقصورة وتقبيلها والتوسل بالأولياء؟
الجواب :
فأجاب رحمه الله: أود أن أذكر:
أولاً أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد، والإسلام يحارب جاهداً كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله، ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهي رواسب جاهلية؛ فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون عندما نعي عليهم الرسول – صلى الله عليه وسلم -عبادتهم للأصنام قالوا له: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر: 3)، فهي نفس الحجة التي يسوقها اليوم الداعون للتوسل بالأولياء لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه.
ومن مظاهر هذه الزيارات أفعال تتنافى مع عبادات إسلامية ثابتة؛ فالطواف في الإسلام والتقبيل في الإسلام لم يُسَنّ إلا للحجر الأسود؛ وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر وهو يقبله: (والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما فعلت)؛ فتقبيل الأعتاب، أو نحاس الضريح، أو أي مكان به حرام قطعاً.
وتأتي بعد ذلك الشفاعة، وهذه هي في الآخرة غيرها في الدنيا؛ فالشفاعة ارتبطت في أذهاننا بما يحدث في هذه الحياة من توسط إنسان لآخر أخطأ عند رئيسه ومن بيده أمره يطلب إليه أن يغفر له هذا الخطأ، وإن كان هذا المخطئ لا يستحق العفو والمغفرة؛ غير أن الله سبحانه وتعالى قد حدد طريق الشفاعة في الآخرة؛ فهذه الشفاعة لن تكون إلا لمن يرتضي الله أن يشفعوا ولأشخاص يستحقون هذه الشفاعة، وهؤلاء أيضاً يحددهم إذن فكل هذا متعلق بإذن الله وحكمه؛ فإذا نحن سبقنا هذا الحكم بطلب الشفاعة من أي كان فإن هذا عبث لأننا نستطيع أن نعرف من سيأذن الله لهم بالشفاعة ومن يشفع لهم.
وعلى ذلك يتضح أن كل زيارة للأضرحة، والطواف حولها، وتقبيل المقصورة والأعتاب، والتوسل بالأولياء، وطلب الشفاعة منهم، كلُّ هذا حرام قطعاً ومنافٍ للشريعة، أو فيه إشراك بالله.
وعلى العلماء أن ينظموا حملة جادة لتبيان هذه الحقائق؛ فإن الكثير من العامة، بل ومن الخاصة ممن لم تتح لهم المعرفة الإسلامية الصحيحة يقعون فريسة الرواسب الجاهلية التي تتنافى مع الإسلام، وإذا أخذ الناس بالرفق في هذا الأمر فلا بد أنهم سوف يستجيبون للدعوة؛ لأن الجميع حريصون ولا شك على التعرف على حقائق دينهم" (١).
_________
المرجع:
١- الفتوى نشرتها مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية ،
بتاريخ (7/ 9/ 1957 م).
ترجمة للشيخ حسن مأمون – موقع دار الإفتاء
