رغم ما أعلنه البنك المركزي المصري من ارتفاع قياسي في تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 47.2% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 لتسجل نحو 26.6 مليار دولار مقابل 18.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، فإن هذه الأرقام – وفق مراقبين – لا تعكس ثقة المغتربين في النظام الاقتصادي للسيسي، بل تكشف عمق الأزمة المعيشية في الداخل، حيث تضطر الأسر لتلقي مبالغ أكبر لمجرد الصمود أمام توحش الغلاء والتضخم الذي يلتهم دخول المصريين.
فزيادة التحويلات لم تأتِ من تحسّن في فرص الاستثمار أو استقرار اقتصادي، بل من ارتفاع تكاليف المعيشة، بعد موجات متواصلة من رفع أسعار الوقود والكهرباء والسلع الأساسية، الأمر الذي جعل من كان يرسل ألف دولار شهريًا لأسرته، يضطر لإرسال 1500 دولار أو أكثر لتغطية النفقات نفسها.
ويرى اقتصاديون أن النظام يسوّق هذه الزيادة كدليل "نجاح" في استعادة الثقة، بينما الحقيقة – بحسب المنتقدين – أن الأموال تتدفق إلى الداخل لتصب في شرايين منظومة الفساد والنهب، حيث تُستخدم في دعم احتياطيات النقد الأجنبي شكلًا، بينما تُهدر فعليًا في مشروعات وهمية وقصور رئاسية وإنفاق ترفيهي لا يشعر المواطن بأي أثر له.
وخلال السنة المالية 2024/2025، قفزت التحويلات بنسبة 66.2% لتصل إلى 36.5 مليار دولار، لتصبح أحد أهم مصادر النقد الأجنبي إلى جانب إيرادات قناة السويس والسياحة، بحسب موقع العربية. غير أن هذه الزيادة تزامنت مع استمرار تراجع القوة الشرائية للمصريين وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ما يجعلها مجرد أموال تُنفق لتسكين جراح الفقر لا لبناء اقتصاد.
أما النظام في القاهرة فيواصل توظيف هذه الأرقام في التجميل الإعلامي والترويج لما يسميه "تحسنًا في مؤشرات الاقتصاد"، بينما الواقع – كما يصفه الشارع المصري – هو اقتصاد يُدار لخدمة القلة النافذة، فيما يبقى ملايين المصريين رهائن لدوامة الغلاء، والديون، والفساد المستشري حتى في مؤسسات الدولة العليا.
