في مشهد يكشف عمق التوتر بين النظام المصري وبعض رموز التيار المدني الذين دعموا انقلاب 3 يوليو 2013، رفع المحامي الحقوقي خالد علي بلاغًا عاجلاً إلى النائب العام المصري، يطالب فيه بفتح تحقيق في واقعة الاعتداء على القيادي المعارض وأحد مؤسسي الحركة المدنية الديمقراطية، المهندس يحيى حسين عبد الهادي، داخل محبسه في سجن بدر.
يأتي البلاغ في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الموجهة إلى السلطة بسبب ما يصفه مراقبون بـ"سياسة تصفية الحلفاء القدامى"، بعد أن تحوّل شركاء الأمس في 30 يونيو إلى معارضين صامتين أو ملاحقين، بينما يكتفي النظام بدعم أحزاب هامشية موالية أو تابعة للأجهزة الأمنية.
واقعة الاعتداء وتفاصيل البلاغ
ووفقًا لما جاء في البلاغ، فقد تعرّض عبد الهادي في 16 سبتمبر الماضي لاعتداء جسدي ولفظي من أحد الضباط داخل محكمة جنايات بدر بعد انتهاء جلسة محاكمته في القضية رقم 8197 لسنة 2025، أثناء وجوده في "الحبسخانة" المخصصة لاحتجاز المتهمين قبل ترحيلهم، وفي غياب المحامين.
خالد علي أوضح أن موكله أبلغ إدارة السجن بتفاصيل الاعتداء فور نقله إلى سجن العاشر من رمضان، لكن لم يتم تحرير محضر رسمي، ولم تُستدعَ النيابة للتحقيق في الواقعة حتى الآن.
المحامي الحقوقي وصف ما حدث بأنه "جريمة استعمال قسوة" وفق المادة 129 من قانون العقوبات، التي تعاقب الموظف العام الذي يستخدم العنف أو الإيذاء الجسدي أو المعنوي اعتماداً على سلطته الوظيفية.
من داعم للجيش إلى متهم بالإرهاب
يحيى حسين عبد الهادي، الذي كان أحد الأصوات المدنية البارزة المؤيدة لإطاحة الرئيس المنتخب الشهيد الدكتور محمد مرسي عام 2013، وجد نفسه بعد عقدٍ من الزمن في زنزانة واحدة مع من كان يعارضهم، متَّهماً بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وتمويل الإرهاب.
وكانت السلطات قد ألقت القبض عليه أواخر يوليو 2024 أثناء توجهه للمشاركة في ندوة لحزب "تيار الأمل" تحت التأسيس، بعد ساعات من نشره منشورًا على فيسبوك انتقد فيه صمت الجيش تجاه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، متسائلًا: "إلى متى يصمت الجيش بينما أغلبية المصريين يعانون الفقر والفشل والفساد؟"
سياسة تكميم حتى شركاء الثورة المضادة
الواقعة الأخيرة، بحسب مراقبين، لا يمكن فصلها عن منهج النظام في إدارة المجال العام منذ سنوات، حيث لم يعد يميز بين معارض إسلامي أو يساري أو ليبرالي.
ويرى محللون أن النظام المصري، الذي بنى شرعيته على تحالف مدني-عسكري بعد 30 يونيو، بات يعتبر حتى الأصوات المدنية المستقلة تهديدًا لهيمنته، خصوصاً تلك التي تنتقد السياسات الاقتصادية أو غياب العدالة.
كما يشير مراقبون إلى أن النظام يعتمد في المشهد السياسي الحالي على "أحزاب المخابرات" وكيانات شكلية تُمنح مساحة محدودة لتجميل المشهد الانتخابي، بينما يتم التضييق على كل الأحزاب أو الشخصيات التي تحاول ممارسة سياسة حقيقية أو تبني خطاب معارض مستقل.
معركة النظام مع ذاكرة 30 يونيو
بهذا، يبدو أن عبد الفتاح السيسي لا يواجه فقط المعارضة الإسلامية التي أزاحها بالقوة قبل اثني عشر عامًا، بل يشنّ حربًا باردة ضد رموز 30 يونيو أنفسهم، أولئك الذين ساهموا في تمهيد الطريق لوصوله إلى السلطة، ثم حاولوا لاحقاً مساءلته أو انتقاده.
فكلما ضاقت شرعية النظام داخلياً بسبب الفشل الاقتصادي وتصاعد الغضب الشعبي، توسعت دائرة القمع لتشمل حتى من كانوا يومًا شركاء في "الثورة المضادة".
