12 عامًا من الغياب.. القصة الإنسانية لاعتقال “وزير الغلابة” باسم عودة
في الوقت الذي يواصل فيه نظام عبد الفتاح السيسي سحق كل صوت حر ومعاقبة أي مسؤول رفض الاعتراف بالانقلاب، تدخل معاناة وزير التموين الأسبق الدكتور باسم عودة عامها الثاني عشر. اثنتا عشرة سنة يدفع خلالها الرجل ثمن موقفه الأخلاقي ورفضه المشاركة في حكومة الانقلاب، ليظل رمزًا حيًّا لأحد أكثر فصول الانحطاط الإنساني في تاريخ مصر المعاصر.
“كيف أصبحت ملامحك يا عزيزي؟”.. زوجة تستغيث بعد 10 سنوات بلا زيارة
في رسالة موجعة كتبتها على صفحتها عبر “فيسبوك”، أعادت زوجته الدكتورة حنان توفيق ذكرى اعتقاله:
“اليوم يكمل زوجي عامه الثاني عشر خلف القضبان.. منهم عشر سنوات بلا زيارة. كيف أصبحت ملامحك يا عزيزي؟”
مناجاة تفيض بالألم، تصف زوجًا غيّبه السجن، وأبًا حُرم من احتضان أسرته، وإنسانًا تُطفئ العزلة روحه يومًا بعد يوم. وتؤكد زوجته أنها “لم تره مرة واحدة منذ سنوات طويلة”، وأن صورته “محفورة في قلبها لا تغيب ليلًا ولا نهارًا”.
وتدعو الله أن ينجيه “من ظلمات الحبس كما أنجيتَ يونس من ظلمات البحار”، مطالبة بفتح الزيارة له بعد سنوات من العقاب المتعمد.
انتهاكات تحت الأرض.. وضرب لإجباره على كسر الإضراب
وفي سبتمبر الماضي، كشفت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” عن جريمة جديدة داخل سجن بدر 3، إذ اقتحم ضابط الأمن الوطني العقيد أحمد فكري زنزانة الوزير المعتقل، واعتدى عليه بالضرب والإهانات لإجباره على إنهاء إضرابه عن الطعام. واقعة تعكس حجم الانحطاط الأخلاقي والانتهاكات التي تُمارس بحق آلاف المعتقلين.
ودخل عودة في إضراب مع عشرات المعتقلين من وزراء وبرلمانيين وأكاديميين يقبعون في حجز انفرادي منذ 2013، مطالبين بفتح الزيارة وتحسين الظروف الإنسانية، لكن النظام لم يستجب.
حملة تضامن واسعة.. وهاشتاغات تطالب بالإفراج عنه
وتحت وسوم:
#الحرية_للدكتور_باسم_وكل_المعتقلين
#كفاية_12سنة_ظلم
طالب آلاف المصريين بالإفراج عنه، مؤكدين أن الرجل لا يدفع ثمن “جريمة” بل ثمن نجاحه وخدمته للفقراء.
من هو الوزير الذي أخاف النظام؟
ولد باسم كمال محمد عودة (55 عامًا) بمحافظة المنوفية، وتخرّج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وعمل أستاذًا في تخصص الهندسة الحيوية الطبية. وبعد مشاركته في ثورة يناير وإصابته في “موقعة الجمل”، انخرط في العمل السياسي بحزب الحرية والعدالة.
وزير لمدة أقل من عام.. لكنه غيّر حياة ملايين
شغل منصب وزير التموين في حكومة الدكتور هشام قنديل لعام واحد فقط، لكنه:
-
رقمن منظومة الخبز وربطها بالبطاقات الذكية
-
حسّن جودة الرغيف ومنع استخدام دقيق الذرة
-
أنهى طوابير الخبز والغاز
-
وفّر مليارات الجنيهات للدولة
-
أطلق زيت التموين “خير بلدنا” بـ3 جنيهات للمستهلك
إنجازات جعلته “وزير الغلابة” بلا منازع، وأحد أنجح وزراء التموين في تاريخ مصر.
جرمُه الوحيد: رفضه الانقلاب
في 4 يوليو 2013 طلب منه السيسي “البقاء وزيرًا في الحكومة الجديدة”، لكنه رفض. ودفع ثمن موقفه استقلاله وكرامته: الاعتقال، والمحاكمات السياسية، ثم أحكام بالسجن 50 عامًا في قضايا وصفها الحقوقيون بـ”الجائرة والانتقامية”.
عشر سنوات في الحبس الانفرادي
في سجون طرة ثم بدر 3، عاش عودة سنوات طويلة من العزلة التامة، محرومًا من الزيارة، والرعاية الصحية، وإشراف منظمات حقوقية. تقارير دولية اعتبرت وضعه “تعذيبًا بطيئًا”.
حقوقيون: 12 عامًا ظلم بسبب خلاف سياسي
قال الحقوقي محمد زارع:
“لا يوجد أي مبرر لاعتقال باسم عودة 12 عامًا.. هذا عقاب سياسي بحت، ونقطة سوداء في جبين النظام”.
وأكد أن “الوقت قد حان للإفراج عن كل المعتقلين الذين لم يرتكبوا عنفًا ولا حملوا سلاحًا”.
ماذا خسر المصريون بسجن باسم عودة؟
يرى مصريون أن سجن باسم عودة كان خسارة قومية، لأنه كان:
-
وزيرًا نزيهًا لم يُتهم بالفساد قط
-
مسؤولًا يفهم أن المواطن هو الأصل
-
صاحب مشروع وطني لزيادة الإنتاج المحلي
-
أول من أنصف الفلاحين بدفع سعر القمح المحلي بسعر الاستيراد
-
واضع أفضل منظومة للخبز شهدتها مصر حسب خبراء اقتصاد
حتى إعلاميون محسوبون على النظام اعترفوا لاحقًا بنجاح منظومته.
بينما غاب “وزير الغلابة”.. حضر الفساد وتقليص الدعم
بعد اعتقاله، تعاقب وزراء على التموين، لتشهد مصر:
-
فضيحة فساد القمح في عهد خالد حنفي
-
حذف ملايين المواطنين من بطاقات التموين
-
رفع أسعار السلع الأساسية
-
خصخصة تدريجية لمنظومة الدعم
-
تدهور القوة الشرائية للجنيه من 7 إلى 50 جنيهًا
-
تضخم وصل إلى حدود 40%
وتحوّل الدعم إلى عبء على الفقراء بدل أن يكون سندًا لهم.
في المحكمة: “هل ذنبي أني وفّرت الزيت بـ3 جنيه؟”
في جلسة سابقة، خاطب باسم عودة القاضي قائلًا:
“هل ذنبي أني خليت زيت عباد الشمس بـ3 جنيه؟ أو أني أنصفت الفلاحين؟
أنا حتى ما بعتش جزر مصرية!
لو تقدم مصر سيكون بسجننا.. فهذا ثمن رخيص مستعدون لدفعه.”
كلمات تكشف جوهر القضية: وزير ناجح ووطني يُعاقَب لأنه رفض أن يكون شاهد زور على الانقلاب.
خاتمة: الحرية لرجل لم يخن شعبه
اثنتا عشرة سنة من القهر، والسؤال ما يزال مطروحًا:
كيف يخشى النظام رجلًا لم يُدن بفساد ولا عنف ولا تحريض؟
الجواب واضح:
لأن باسم عودة كان نموذجًا لما يجب أن يكون عليه المسؤول..
ولأن نجاحه كان جريمة في زمن الفشل..
ولأن انحطاط نظام السيسي لا يحتمل وجود رجل نزيه بين صفوفه.
ويبقى الأمل أن يأتي يوم يرى فيه المصريون “وزير الغلابة” حرًا، بعد أن دفع ثمن شرفه وضميره.
