القوات الجوية تبتلع العقارات .. استيلاء ممنهج على الأراضي حول الطرق والمحاور الرئيسية؟ !

- ‎فيتقارير

في خطوة تكشف عمق توغل المؤسسة العسكرية في كل مفاصل السوق المصري، بدأ جهاز مستقبل مصر التابع للقوات الجوية  بسلطة الانقلاب التجهيز لإطلاق مشروعات عقارية ضخمة حول هضبة الأهرامات، عبر كيان جديد يحمل اسم "شركة مدن لإدارة الأصول". هذا الكيان لا يقتصر دوره على تطوير عمارات أو منتجعات، بل يمسك – عملياً – بخيوط إعادة تشكيل الخريطة العمرانية حول القاهرة والمدن الكبرى، على حساب القطاع الخاص والمواطنين، وبصلاحيات لا تخضع لرقابة حكومية مدنية.

 

لماذا القوات الجوية في العقارات؟

 

لا علاقة طبيعية بين القوات الجوية والقطاع العقاري. لكن في مصر ما بعد 2013، لم يعد هناك أي قطاع “خارج اختصاص” المؤسسة العسكرية. فبعد الاستحواذ على الغذاء والدواء والقمح والطرق والاتصالات والنقل، تتجه المؤسسة الآن إلى أكثر القطاعات ربحاً: الأراضي والعقارات.

فالأراضي هي الذهب الحقيقي، والسيطرة عليها تعني السيطرة على الاستثمار والسلطة والثروة معاً.

 

استيلاء ممنهج على الأراضي حول الطرق والمحاور الرئيسية

 

بحسب مصادر مطلعة، توسّعت “مدن لإدارة الأصول” في وضع اليد على مساحات شاسعة تُقدّر بـ 25 مليون متر مربع خلف هضبة الأهرامات وعلى الطرق المتصلة بها.

الأخطر أن الشركة نصبت كمائن أمنية على حدود تلك المناطق العمرانية، وأبلغت أصحاب مشروعات خاصة بضم أراضيهم إلى “ملكية سيادية”، رغم أنها مخصصة لهم منذ سنوات من وزارة الإسكان.

 

هذا النمط من “التجفيف” التدريجي للقطاع الخاص وإقصائه من السوق لم يعد استثناءً، بل أصبح سياسة دولة تُدار من خارج مؤسسات الدولة.

 

بيع ممتلكات الدولة… وتمدد الأجهزة السيادية بدل انكماشها

 

ورغم تعهدات حكومة الانقلاب لصندوق النقد ببيع أكثر من 50 شركة حكومية – بعضها تابع للجيش مثل “صافي” و”وطنية” – بهدف “تحجيم دور الجهات السيادية”، فإن الواقع يسير في الاتجاه المعاكس تماماً.

 

فجهاز مستقبل مصر، الذي بدأ كمشروع زراعي ريّ بالرفع من النيل، تحول تدريجياً إلى ذراع استثماري عملاق يضع يده على ملفات حساسة مثل:

 

استيراد القمح والزيوت

 

إدارة السلع الاستراتيجية

 

صوامع الغلال

 

وكل ملفات شراء القمح من الخارج، وهو قطاع سيادي كان يخضع لوزارة التموين

 

والآن يضيف الجهاز إلى صلاحياته السوق العقارية، عبر مشروع “جريان” الضخم الذي تديره “مدن لإدارة الأصول” بالشراكة مع شركات فاخرة مثل بالم هيلز.

 

المحصلة:

الجيش لم يخرج من الاقتصاد كما تعهدت الحكومة… بل توسّع ليصبح اللاعب المركزي فيه.

 

اقتصاد تحت وصاية أمنية

 

يشير خبراء إلى أن تحويل جهاز مستقبل مصر من الزراعة إلى العقار يعكس بحث المؤسسة العسكرية عن مصادر ربح أعلى بعد تراجع جدوى المشروعات الزراعية.

الأخطر أن “مدن” أصبحت تعمل خارج أي رقابة مدنية أو برلمانية، وتتحرك كأداة استراتيجية لابتلاع الأراضي المحيطة بالمناطق الأثرية والسياحية الأكثر ربحاً في مصر.

 

النتيجة الطبيعية:

اختفاء المنافسة، وانسحاب القطاع الخاص، وتحول الاقتصاد إلى نموذج احتكاري بعقلية أمنية.

 

رجال الأعمال يحذرون: السوق فقدت التوازن

 

رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عمر مهنا، عبّر بصراحة نادرة عن مخاوف رجال الأعمال:

 

الجهات السيادية تستحوذ على التدفقات المالية في البنوك

 

القطاع الخاص عاجز عن الحصول على تمويل

 

الاستيراد يمر عبر قناة واحدة مسيطرة

 

غياب الشفافية وانعدام المنافسة

 

الجهات السيادية تتمتع بمزايا تجعل مزاحمتها مستحيلة

 

بل إن بعض الشركات الكبرى – وفق تقرير للمركز المصري – أصبحت عاجزة عن تدبير مدخلات الإنتاج أو الحصول على الدولار، في حين تحصل الجهات السيادية على العملة الصعبة بمجرد الطلب.

 

توسّع القوات الجوية

توسّع القوات الجوية عبر “مدن” في سوق العقارات ليس مجرد نشاط اقتصادي جديد، بل تحوّل خطير يؤكد أن:

 

الجيش بات يسيطر على كل القطاعات تقريباً: الغذاء، الوقود، الحبوب، الطرق، النقل، والآن العقارات.

 

الأراضي ذات القيمة الأعلى أصبحت تحت يد جهات سيادية لا تخضع للمساءلة.

 

القطاع الخاص يتحول إلى مستأجر في اقتصاده، بينما تتضخم كيانات غير مدنية تعمل بلا شفافية.

 

الوعود بالحد من توسع الجيش في الاقتصاد مجرد خطاب سياسي للاستهلاك الدولي.

 

في النهاية، يصبح السؤال المحوري:

هل يستحوذ الجيش على العقارات لأنه “مؤهل” لذلك… أم لأنها آخر منابع الربح في اقتصاد يعاني من الانهيار؟

الإجابة واضحة في كل شارع يبتلعه كيان سيادي جديد، وفي كل مستثمر ينسحب من السوق، وفي كل قرار “تمكين” يصدر بعيداً عن أعين الدولة… والدولة ذاتها أصبحت مجرد واجهة.