اعتبر مراقبون أن تصريح مدير ما يسمى “الجهاز التنفيذي بالوطنية للانتخابات” يبرئ النظام السياسي من أي مسؤولية، ويلقي باللوم على الشعب أنفسهم، في وقت تشير فيه الأرقام الرسمية إلى مشاركة ضعيفة للغاية.
وفي أعقاب إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب 2025، خرج مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات أحمد بنداري بتصريح زاعق، أدعى فيه أن المشهد كان “منضبطًا”، وأن الخروقات الانتخابية يتحملها المواطنون لا المترشحون، مضيفًا أن التحقيقات لم تكشف عن تجاوزات لمرشح بعينه.
وعلى غرار أغنية “أنا اللي هتفت سلمية” التي ظهرت بعد الانقلاب، وغناها عاصم إمام وانتشرت عبر منصات مثل يوتيوب ويسرد “إمام” ضمن زجل في سياقها “لكن تعرفوا أنا اللي استاهل؛ لأني كنت متساهل”، اعتبر الإعلامي معتز مطر أن هذا الموقف منه ليس تبرئة للنظام، بل “اعتراف مُرّ” بأن المواطن المصري ساهم بصمته وخضوعه في صناعة الأزمة الوطنية، وأضاف أن السلطة المستبدة لا تقوى إلا بشعب مستسلم، وأن قبول المواطن بالتزوير أو التصويت تحت تأثير المال السياسي أو الخوف يجعل من الصعب تبرئته من النتائج.
وأضاف مطر @moatazmatar، “.. المواطن هو الذي سلّم بطاقته للصندوق مختاراً، أو مسلّماً بمن يترأس الدولة لسنوات، وهو الذي سكت على رئيس يرتكب جرائم بحق الوطن والشعب وحريته وكرامته، المواطن هو اللي سكت عمّن قتل وعذّب واغتصب وسجن واعتقل وأخفى قسرياً وفرّط في الأرض والماء والغاز والمكانة، وهو الذي سمح للبرلمان أن يتصدره مجموعة من الأوباش والمتسلقين، إن سلبية المواطن، وخضوعه، وتفويضه السلطة المطلقة لحاكم فرد، وتخليه عن دوره الرقابي، كلها عوامل ساهمت في صناعة هذا المشهد الكارثي”.
واستدرك “هذه ليست تبرئة للنظام الحاكم من جرائمه وانتهاكاته، بل هي تذكير بأن السلطة المستبدة لا تقوى إلا بشعب مستسلم، فكلما تنازل المواطن عن حقه في المساءلة، كلما ازداد الحاكم جرأة في انتهاك الحقوق والتفريط في الثروات”.
وأشار إلى أن “المواطن الذي يقبل بالتزوير اليوم، ويصوّت تحت تأثير المال السياسي أو الخوف غداً، لا يمكن أن يبرئ ذمته بمجرد الشكوى من النتائج، لولاكم ما ظلموا ولا باعوا ولا خانوا”.
https://twitter.com/moatazmatar/status/1996299066020344015
وتابع مراقبون أن تحميل الشعب مسؤولية الخروقات هو محاولة لتجميل صورة النظام وإخراج الانتخابات في صورة “نظيفة”.
فمن جانبه، وصف الباحث والأكاديمي مأمون فندي الانتخابات بأنها باطلة، مشيرًا إلى وجود بطلان في 49 دائرة انتخابية، وهو ما يعني أن العملية برمتها غير شرعية، وانتقد تصريحات القضاة التي بدت “سياسية أكثر منها قانونية”، معتبرًا أن إعادة فتح باب الترشح وإلغاء النتائج هو الحل الوحيد.
وعبر @mamoun1234 أضاف، “عندما يكون هناك بطلان لانتخابات في 19 + 30 = 49 دائرة، فهذا يعني أن العملية الانتخابية بأكملها باطلة، وأنه يجب منع هؤلاء الأعضاء من الترشّح مرة أخرى، وفتح باب الترشّح لمرشّحين جدد”.
وعن تعليق قاضي مع الإعلامي شريف عامر اعتبر “أهم ما قيل هو ما ذكره الرئيس من أن الانتخابات باطلة، بينما القاضي يقول إنها ستنتج أفضل برلمان!”.
وعلق “فندي”، “واضح أن شريف كان “بيحسس” على القاضي، والقاضي يحاول “يرقّع” الموضوع، مع أن الأمر الواضح هو ضرورة إعادة فتح باب الترشّح من جديد وإلغاء كل ما جرى. فحديث القاضي لم يكن مقنعًا، ومعظمه كان سياسيًا لا قانونيًا، ويرقى إلى كونه كلامًا فارغًا.
https://twitter.com/mamoun1234/status/1995957179938177353
الأرقام وعزوف واسع
ورغم المشاهد الاحتفالية التي أبرزتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة، مثل وصول ناخب ستيني على ظهر حمار أو رقصات الناخبين على وقع الأغاني الوطنية، فإن الأرقام الرسمية تكشف عن ضعف المشاركة:
نسبة المشاركة في التصويت على القوائم لم تتجاوز 17.5% من إجمالي 69.9 مليون مواطن يملكون حق التصويت.
نسبة من صوّتوا للقائمة الوطنية لم تتجاوز 15.6% من القاعدة الانتخابية.
أعلى نسبة مشاركة كانت في دائرة الصعيد (21.4%)، بينما جاءت القاهرة في ذيل القائمة بنسبة 12.9%.
ونقلت منصة صحيح مصر @SaheehMasr أن “نتائج التصويت كشفت نسبة من منحوا أصواتهم لـ”القائمة الوطنية” لم تتجاوز 15.6% من إجمالي من يملكون حق التصويت، إذ بلغ عددهم 10.9 مليون مصوت من بين 69.9 مليون من لهم حق التصويت، وفي المقابل، بلغت نسبة الرافضين للتصويت لصالح القائمة نحو 11% من إجمالي المشاركين، أي ما يزيد على 1.3 مليون مصوت.
واضافت أنه “في المرحلة الأولى، صوّت للقائمة أكثر من 6.9 مليون ناخب، بنسبة لا تتجاوز 19.5% ممن يحق لهم التصويت، والمرحلة الثانية سجلت مشاركة تجاوزت 3.9 مليون مصوت لصالح القائمة، بنسبة بلغت 11.4% فقط من إجمالي أصحاب الحق في التصويت.”.
وأشارت إلى تصدّر دائرة قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، التي تضم 11 محافظة ويبلغ عدد ناخبيها أكثر من 26 مليون مواطن، مشهد المشاركة الانتخابية في نظام القوائم؛ إذ سجلت أعلى نسبة تصويت بلغت نحو 21.4%، بما يعادل 5.6 مليون ناخب من إجمالي من يملكون حق الانتخاب.
وجاءت دائرة قطاع غرب الدلتا في المرتبة الثانية، وهي تشمل ثلاث محافظات يصل عدد ناخبيها إلى نحو 12.3 مليون. وبلغت نسبة المشاركة فيها 21.2% تقريبًا، أي ما يقارب 2.6 مليون ناخب.
أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب دائرة قطاع شرق الدلتا، التي تضم سبع محافظات يتجاوز عدد ناخبيها 8.5 مليون مواطن. وقد بلغت نسبة من أدلوا بأصواتهم 15.5%، بما يعادل قرابة 1.3 مليون ناخب.
وتذيّلت دائرة قطاع القاهرة ووسط وجنوب الدلتا قائمة المشاركة، رغم أنها تضم ست محافظات ويزيد عدد ناخبيها على 26 مليونًا، فلم تتجاوز نسبة التصويت فيها 12.9%، وهو ما يعادل نحو 3.37 مليون ناخب فقط.
وكشف التناقض صارخ بين الخطاب الرسمي الذي يصف الانتخابات بأنها “منضبطة” ويلقي باللوم على الشعب، وبين الواقع الرقمي الذي يكشف عن عزوف واسع، تحميل المواطن المسؤولية يبدو وكأنه محاولة لتبرئة النظام من أي تجاوزات، في حين أن ضعف المشاركة يعكس فقدان الثقة في العملية الانتخابية برمتها.
وبالمقابل، ركزت وسائل الإعلام المحلية على مشاهد احتفالية لتقديم صورة عن “إقبال كثيف”، لكنها تجاهلت الأرقام التي أظهرت أن واحدًا فقط من بين ستة مواطنين صوّت للقائمة الوطنية. هذا التناقض بين الصورة الإعلامية والواقع الرقمي يعكس طبيعة الدعاية الرسمية التي تهدف إلى إظهار الانتخابات كنجاح سياسي، رغم أن المشاركة الشعبية كانت محدودة للغاية.
الحقوقي هيثم أبو خليل وصف المشهد بأن نصف المقاعد حُسمت بالتزكية عبر قائمة واحدة تم التوافق عليها في “أوكار أمنية”، بينما النصف الآخر شهد صراعات بين مرشحين مدعومين من السلطة، هذا يعني أن المواطن لم يكن فاعلاً في تحديد النتائج، بل كان مجرد متفرج على عملية محسومة مسبقًا.
وعبر @haythamabokhal1 سخر قائلا: “القائمة الوحيدة فازت، طبيخ مجلس النواب قد حسم 50% من مقاعده بالتزكية بنظام القائمة والتي تمثل 284 مقعدًا تحت قائمة وحيدة تم التوافق عليها بنظام الكوتة ليلًا في أحد الأوكار الأمنية، أما الخناقة على284 مقعد فردي فكانت بسبب عدم التنسيق في الوكر بين العناصر المستخدمة المستهلكة.
https://x.com/haythamabokhal1/status/1995832887053373870
وكشفت ما يسمى “انتخابات” نواب السيسي 2025 عن تناقض صارخ بين الخطاب الرسمي والواقع الرقمي، وتحميل الشعب مسؤولية الخروقات محاولة لتبرئة النظام من أي تجاوزات، بينما الأرقام تؤكد أن الشعب كان في موقع العازف عن المشاركة لا الفاعل في التزوير.
