على مدي أربع سنوات تلقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دعماً غير محدود من إدارة الرئيس ترامب في الحملة العسكرية الفاشلة في اليمن، وفي الأزمة المفتعلة مع قطر، وفي رؤيته حول”صفقة القرن”، وفي حملة القمع الداخلية غير المسبوقة التي قام بها والتي شملت أمراء ومسئولين رفيعي المستوى وكبار رجال الأعمال في المملكة.
لكن يبدو الأمر مختلفاً هذه المرّة، فموقف الرئيس ترامب متخبّط لكن الأكيد أنّه لا يتمسّك بالدفاع عن ولي العهد السعودي، لا بل إنّه اتّهمه في آخر تصريحاته بأنّه قد يكون المسئول المباشر لأنّه هو من يدير الأمور في السعودية، وإذا تفحصنا ما ينشر في الإنترنت من تصريحات ترامب عن السعودية، فسيتبين أن ترامب يعتقد: “إن السعودية بمثابة بقرة حلوب لبلاده، ومتى جف ضرعها ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا أن يذبحها”.

ترامب والقاتل
ولا يمتلك الرئيس الأمريكي الكثير من الخيارات الآن، فعلى الرغم من أنّ تجاهل دماء الصحفي السعودي جمال خاشقجي من الممكن أن يُمكّن ترامب من ابتزاز السعودية وحكّامها بشكل أكبر، إلا أنّه من الممكن أن يفسّر على أنّه دعم جديد لسياسات ولي العهد الخطيرة والطائشة والمتهورة، وهو تفسير لا يمكن له أن يتحمّل تكاليفه السياسية في هذه المرحلة.
الرئيس الأمريكي في مأزقٍ الآن، أمامه انتخابات نصفيّة في نوفمبر المقبل، ويحاول الحفاظ على صفقات السلاح الضخمة مع السعودية، وذلك لإقناع شركات تصنيع السلاح والرأي العام بجدوى سياساته في تحقيق المنفعة لهم، لكنّه لا يريد في نفس الوقت أن يربط اسمه بمن يُعتقد على نطاق واسع أنّه أعطى الأوامر لقتل خاشقجي في تركيا.
أمّا بالنسبة للكونجرس، فإنّ معظم التهديدات التي تصدر عن عدد من أعضائه، إنما تأتي من مسئولين دعموا السياسات السعودية بشكل مطلق ويشعرون الآن بأنّهم تلقوا ضربة في الظهر تجبرهم على اتخاذ قرار بالرد، بهذا المعنى، فإنّ مقتل خاشقجي قد وضع واشنطن في موقف حرج بين حليفين مهمين لها في الشرق الأوسط، أي أنقرة والرياض، وعقّد من الحسابات تجاه طهران.
سياسة أردوغان
وتهدف نبرة تصريحات أردوغان الحذرة على نحو ملحوظ إلى إظهار أن الأمر ليس ندية بين تركيا والسعودية، فالعلاقات بينهما بالغة الأهمية، على الرغم من تعكر صفوها بالفعل، وانهيارها في هذه المرحلة، إذ يرغب أردوغان في حث الملك سلمان على التحرك دون أن يستهدفه بشكل مباشر.
ويرى مصدر قريب من الرئيس أنه في حالة كان أردوغان قد طلب صراحة من العاهل السعودي إزاحة محمد بن سلمان، فسيكون ذلك مبررا كافيا لعدم إقالة الملك لولي العهد، ولم يذكر أردوغان محمد بن سلمان بالاسم في خطابه الذي وجهه أمام البرلمان التركي، وتعمد إغفال ذلك حتى لا يضع ولي العهد على ذات السوية معه.
وتهدف أنقرة إلى إحداث شقاق بين الملك وابنه، لكن مفتاح تحقيق ذلك يوجد في واشنطن، وليس في أي مكان آخر، وإذا أمكن إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحليف القوي لولي العهد السعودي، بالتخلي عن محمد بن سلمان، فسوف يكون ذلك بمثابة نقطة تحول بالنسبة للملك سلمان.