“السيسي سرق قوت عيالنا”.. دلالات استغاثة مزارع أرز

- ‎فيتقارير

 وثق عدد من الفلاحين استيلاء حكومة الانقلاب ممثلة في أجهزتها الأمنية ووزارة التموين والتجارة الداخلية على محصولهم من الأرز ‏الشعير بـ"الإكراه"، في أوقات متأخرة من الليل، تحت مزاعم تخزينهم الأرز من دون الحصول على تصريح بذلك، وبالمخالفة للقرارات الصادرة من مجلس الوزراء في هذا الشأن.

يقول أحد المزارعين في بث مباشر عبر موقع "فيسبوك"، وتداوله ناشطون على نطاق واسع: "الحكومة تأخذ أرز الفلاحين، وعمار يا مصر… هذه هي حكومة مصر، الأرز يؤخذ منا بالعافية (بالإكراه)، وسرقة… الحكومة مديونة، وتستولى على أرزنا… مبروك عليكي يا مصر، تسلم مصر، ورجالة مصر". وأضاف المزارع: "هذا هو جيش مصر، وهذه هي القوات المسلحة، وشرطة مصر… مصر جاءت حتى تأخذ طعام أولادنا، هل هذا يرضي الله؟ مبسوط يا سيسي… ولسه هاتعمل فينا إيه يا سيسي؟ حمل يا عم الأرز بتاعنا (ملكنا)".

الملاحظة الأولى أن هي دخول  الأمن الوطني على الخط؛ حيث شن النظام حملات أمنية على عدد من المزارعين ومصادرة محصولهم من الأرز بدعوى تخزينه بدون تصريح رسمي من الحكومة. ولأول مرة تشهد مصر هذا التحول الكبير ؛ فزوار الفجر  يلاحقون المعارضين السياسيين، لكنهم اليوم مع تفاقم الأزمات المالية وتناقض الغذاء وشح الدولار باتوا يلاحقون الفلاحين وحائزي الدولار!!  والسؤال الافتراضي  هو لماذا  تشن الحكومة مثل هذه الحملات فجرا وليس في وضح النهار؟ لماذا يتخفون عن عيون الناس ويصرون على  شن هذه الحملات فجرا؟!   ألا يمكن تفسير ذلك على أنه شكل من أشكال البلطجة وليس  إعمالا للقانون؟!  وإذا الأمر شرعيا وقانونيا فلماذا لا يقبضون المخالفين إذا كانوا مخالفين فعلا  في وضح النهار وأمام الناس جميعا؟!

الملاحظة الثانية، أن الحكومة  فعلت  قرارات قديمة تشبه الطوارئ في زمن الحروب، وهو ما يعكس حجم الأزمة؛ فَعّلت الحكومة لأول مرة العمل بالمادة 8 من قانون حماية المستهلك، كإعلان لحالة الطوارئ رسميا على تجارة السلع. تستخدم المادة أثناء حالة الحرب ومواجهة المجاعات. تتيح المادة لرئيس الوزراء تحديد سعر جبري والتوريد القسري للسلع التي يراها استراتيجية، ومن يخالف ذلك، فالعقوبة بالسجن مدة تتراوح ما بين عام وعامين والغرامة من 100 ألف إلى مليوني جنيه، والمصادرة والغرامة بضعف قيمة المضبوطات.  أصبح كل حائز للأرز مطالب اليوم بأن يقدم تقريرا عما بحوزته، لضباط المباحث والتموين والبلدية، من أرز ولو كان لأهل بيته، وعلى قدر حاجته طوال العام، خلال 3 أيام من تنفيذ القرار الذي صدر الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وإلا فإن احتفاظه بأي كمية غير معروضة للبيع العلني بالسعر المحدد، وفقا للقرار بسعر 15 إلى 18 جنيها، يعرضه للسجن والمصادرة.  ولم  تستمع الحكومة إلى مطالبة الفلاحين والتجار بالعدالة، لذلك يتسرب الأرز إلى الأسواق بأسعار تتراوح ما بين 18 و21 جنيها، في حين ظلت مخازن الحكومة خاوية، ومن هنا افتعلت الأزمة الكبرى.   

الملاحظة الثالثة، أن الحكومة هي من صنعت هذه الأزمة بقرارتها العشوائية؛ فعندما أصدرت قرارا يجبر الفلاحين على تسليم طن من الأرز عن كل فدان بسعر زهيد لا يزيد عن 7 آلاف جنيه للطن.  اعتبر الفلاحون القرار ظالما، لأنه يهدر حقهم في تكلفة تصل إلى 12 ألف جنيه للطن، وبعضهم يعتبر حيازة الأرز "ستراً لأهل البيت" لا يمكن التفريط به مهما غلا ثمنه.  تهرب الفلاحون من قرار وزارة تجمع أموالهم منهم بالباطل لتدلي بها إلى الحكام، وتُرضي غرور سلطة تريد أن ينصاع الناس لقبضة أمنية ظالمة. اختفى الأرز من البيوت، فبرز دور التجار الذين زايدوا بالسعر لجمعه بشتى الطرق، فمنهم من تمكن من ذلك، وكثيرون فشلوا في شرائه من المخازن.  شح المحصول من المضارب الخاصة، ولم تجد المضارب المملوكة للحكومة المال اللازم لجمعه من الفلاحين ومنافسة القطاع الخاص على رفع الأسعار، وهنا تجددت الضربة الأمنية، بفرض الحكومة سعرا إجباريا لتتولى بيعه بسعر 10 جنيهات ونصف الجنيه، على بطاقات التموين و15 جنيه – بطريقة استعراضية- في معارض القطاع العام والجيش والشرطة.

الملاحظة الرابعة، أن مصر تعاني خلال الشهور الماضية من أزمة كبرى في محصول الأرز؛ فقد شح في الأسواق، وارتفعت أسعاره من (7) جنيهات قبل سنة إلى نحو (20) جنيها اليوم (نوفمبر 2022)، وفي مواجهة هذه الأزمة، أصدرت حكومة وزارة التموين بحكومة الانقلاب  قرارات  إدارية تجبر الفلاحين على توريد المحصول إلى الحكومة؛ لكنها وضعت أسعار توريد متدنية مقارنة  بأسعار السوق؛ الذي الذي لم يقنع الفلاحين بتوريد المحصول للحكومة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج. وكانت وزارة التموين بحكومة الانقلاب قد مددت المهلة المحددة لحائزي الأرز ‏الشعير، وسلعة الأرز الأبيض، من مزارعين أو تجار أو مضارب أو غيرهم، بشأن إخطار مديريات التموين المختصة في المحافظات ببيانات الأرز المخزن لديهم، إلى يوم الأحد الموافق 4 ديسمبر 2022 المقبل، وذلك بدلاً من الموعد المحدد سلفاً في 27 نوفمبر2022. وأصدرت الحكومة قراراً يقضي بحظر حبس الأرز عن التداول، سواء من خلال إخفائه أو عدم طرحه للبيع أو الامتناع عن ‏بيعه بأي صورة من الصور، عدا الاستعمال الشخصي. وتوقيع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن عام، وغرامة لا تقل ‏عن مائة ألف جنيه، ولا تتجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة ‏الأرز محل الجريمة (أيهما أكبر)، في حال ثبوت ‏مخالفة لما ورد في القرار بعد ‏انتهاء المهلة المحددة. وعقب إصدار القرار، اختفى الأرز المصري من الأسواق تماماً، رفضاً للحد الأقصى الذي حددته الحكومة لسعر البيع، بواقع 18 جنيهاً للكيلوغرام من الأرز الفاخر العريض. والذي تصر على توريد 25 في المائة من إنتاجه إلى وزارة التموين بسعر قسري، وغير عادل للمزارعين والموزعين، في ظل تراجع قيمة الجنيه، وارتفاع تكاليف الإنتاج. وتستهدف وزارة التموين استلام 1.5 مليون طن أرز شعير من المزارعين، وقد بدأ موسم التوريد يوم 25 أغسطس 2022 الماضي، وحتى 15 ديسمبر المقبل، أو لحين اكتمال الكمية المستهدفة، بسعر يبلغ 6600 جنيه لرفيع الحبة و6850 للعريض؛ فكيف تجبر الحكومة المزارعين على توريد  الأرز عريض الحبة بـ"6.85" جنيهات فقط  بينما سعره بالأسواق  يصل إلى أكثر من "20" جنيها؟!

الملاحظة الخامسة، أن الأرز من المحاصيل التي تحقق فيها مصر اكتفاء ذاتيا، وهناك فائض في الإنتاج يتم تصديره إلى بلاد الخليج ودول أخرى، وبالتالي فلا وجود لأي مؤثرات خارجية تتعلق  بسعر المحصول تتعلق بالدولار أو بارتفاع تكاليف الشحن؛ فلماذا يرتفع إلى هذا الحد من 7 جنيهات إلى 20 جنيها؟!  ويتوقع أن يصل حجم الإنتاج هذا الموسم إلى حوالي 7 ملايين طن أرز شعير، من زراعة 1.8 مليون فدان، بزيادة 550 ألف فدان عن الموسم الماضي، تعطي 3.6 ملايين طن أرز أبيض، فيما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي 3 ملايين طن.  معنى ذلك أن مصر تصدر نحو 4 ملايين طن أرز سنويا   وهو الحجم الذي يفيض عن الاستهلاك المحلي. لأن  الفدان الواحد ينتج نحو 3.5 ملايين طن سنويا.

الملاحظة السادسة، أن أزمة الأرز  تعيد ضرورة الاهتمام بأزمة الزراعة المصرية بشكل عام، وغياب أولويات الحكومة حول ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء؛ فمصر تستورد أكثر من 65% من غذائها؛ وهذا بحد ذاته  يكفي لمحاكمة النظام بتهمة الخيانة العظمى وتهديد الأمن القومي للبلاد. ويجعل مصر على الدوام رهينة إرادة الأجانب والدول المصدرة للغذاء.  وقد تراجع دور الزراعة من 65% إلى 17% بالناتج القومي. ووفقا للخبير الزراعي الدكتور نادر نور الدين فإن مصر تتربع على قمة الدول المستوردة للقمح بحجم 13.5 مليون طن سنويًا، ونُعتبر رابع أكبر مستورد للذرة الصفراء بنحو 10 ملايين طن سنويًا، وخامس أكبر مستورد لزيوت الطعام بنحو 3 ملايين طن سنويًا، ومعها 1.25 طن من السكر ونحو 50% من احتياجاتنا من اللحوم الحمراء والألبان المجففة، و100% من احتياجاتنا من العدس ونحو 80% من الفول. مشيرا إلى أن ارتباط إنتاج الغذاء بالمياه هو ارتباط أكيد، وانضم إليهما فى المنظومة إنتاج الطاقة، التى تمثل نحو 33% من الإنتاج الزراعى، وبالتالى أصبحت منظومة «المياه والطاقة والغذاء» منظومة واحدة، ولا يصح علميًا أن نتحدث عن مستقبل إنتاج أى منها دون الاثنين الآخرين، بل انضم إليها أيضًا عدد السكان وتغيرات المناخ.

الخلاصة أن الأرز موجود في الأسواق، رغم توقف كثير من التجار عن التعامل به خوفا من وقوعهم في مشكلة من دون منطق ولا داع، ويباع علنا بسعر 18 جنيها للعبوة العادية و20 جنيها للأبيض الممتاز، وهي الأسعار التي يعتبرها المزارعون والتجار عادلة لقيمة التكلفة، وتحقق هامشا معقولا من البيع؛ هذا الوضع دفع رجب شحاته، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات، لأن يقول على الفضائيات: كان على الحكومة التشاور مع كل الأطراف المعنية قبل اتخاذ قرار. الناس تعلم أن الحكومة أرادت الانتقام من فلاحين لم يوردوا "الإتاوة" التي طلبتها من محصولهم، ووظفت جهاز حماية المستهلك في الإساءة للتجار، بينما أضافت تلك الحرب عبئا على مواطن، كان بمقدوره الاستمتاع بسعر منخفض للأرز طوال العام.