رغم التصريحات المتكررة من قادة الاحتلال الإسرائيلي وتلويحهم بـ"ضربة موجعة" ضد البرنامج النووي الإيراني، إلا أن الواقع على الأرض يكشف أن منشآت إيران النووية الأساسية لا تزال تعمل، وأن الأضرار، رغم اتساع الهجوم، لم تكن بالحجم الذي روّج له الإعلام العبري.
ففي تطور جديد ضمن مسار التصعيد، شنّت إسرائيل يوم الجمعة هجمات جوية استهدفت عدداً من المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، في خطوة وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنها جزء من عملية مستمرة "لعدة أيام"، زاعماً أن طهران تقترب من "نقطة اللاعودة".
ما حجم التأثير الحقيقي؟
ورغم الطابع الدعائي للهجوم، أكد محللون دوليون أن الضربة لم تحقق أهدافاً استراتيجية تُذكر. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن علي واعظ، خبير الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، قوله: "قد تتمكن إسرائيل من إلحاق بعض الضرر، لكن تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل مستبعد للغاية".
وأضاف أن منشآت نطنز وفوردو، المحصّنة داخل الجبال، تحتاج إلى قنابل خارقة للأعماق لا تملكها تل أبيب. من جانبها، قالت كيلسي دافنبورت، خبيرة في "جمعية الحد من التسلح"، إن إسرائيل بحاجة إلى "دعم عسكري أمريكي مباشر" لتنفيذ ضربة فعالة ضد المنشآت الإيرانية الحساسة.
برنامج محصّن تحت الأرض
تعتمد إيران منذ سنوات على استراتيجيات تحصين متقدمة لمواقعها النووية، حيث تنشر منشآتها في أنفاق ومخابئ عميقة تحت الأرض. ووفق مجلة "فورين بوليسي"، فإن جزءاً كبيراً من هذه المنشآت أصبح غير قابل للرصد بسهولة، مما يجعل عمليات الاستهداف الجوي غير كافية، ويعزز أهمية المصادر البشرية والاستخباراتية الدقيقة.
كما أشار خبراء عسكريون لموقع "بيزنس إنسايدر" إلى أن تدمير البرنامج الإيراني بالقوة العسكرية وحدها مستحيل، لأن إيران لا تعتمد فقط على البنية التحتية، بل تملك كادراً علمياً مؤهلاً يمكنه إعادة الإعمار في حال وقوع أي ضرر.
ماذا أصابته إسرائيل فعلاً؟
بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أبلغتها إيران بوقوع دمار في جزء فوق الأرض في منشأة نطنز، فيما لم تُسجل أي أضرار في مواقع فوردو، أصفهان أو بوشهر، وهو ما يشير إلى محدودية الهجوم مقارنة بالتوقعات الإسرائيلية.
معهد العلوم والأمن الدولي أكد وقوع أضرار "جسيمة" في بعض الأبنية فوق الأرض، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية، لكن الأضرار لم تطل البنية التحتية العميقة.
أما منشأة فوردو، فقد تعرضت "لأضرار محدودة"، وفق تصريحات بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الذي أشار إلى أن المعدات والمواد الحساسة قد تم نقلها مسبقاً، دون أي مؤشرات على تسرب أو تلوث إشعاعي.
واستهدف الهجوم أيضاً مجمع تحويل اليورانيوم في أصفهان، والذي يُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات من اليورانيوم عالي التخصيب، لكن لم تُعلن حتى الآن تفاصيل دقيقة عن حجم الضرر فيه.
إسرائيل تهوّل… لكن إيران لا تزال تمتلك أوراقها النووية
على الرغم من التصعيد الإسرائيلي الإعلامي والعسكري، إلا أن الوقائع تشير إلى أن إيران لا تزال تحتفظ بأغلب بنيتها النووية، وبأن مشروعها لم يُكسر بعد. ما جرى قد يؤخر، لكنه لا يُنهي.
هل سيكون القادم أكثر حسماً؟ أم أن الحسابات العسكرية والسياسية ستفرض سقفاً على الطموح الإسرائيلي؟
الأسئلة لا تزال مفتوحة، والإجابات بانتظار تطورات الميدان.