فيما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية حصد أرواح الفلسطينيين في غزة للشهر الثاني والعشرين على التوالي، تتكشف ملامح مشهد سياسي واقتصادي معكوس؛ عواصم عربية، في مقدمتها القاهرة وعمان، تشارك فعلياً في إحكام الحصار على القطاع، بل وتوثيق التحالف الاقتصادي والأمني مع الاحتلال، في حين تتحرك عواصم أوروبية وأطراف نقابية غربية لاتخاذ مواقف عملية للضغط على تل أبيب ووقف الإبادة، وصولاً إلى الاعتراف الرسمي بفلسطين.
مصر.. الغاز في ذروة المجازر
في قمة التصعيد الدموي بغزة، وقّعت القاهرة واحدة من أضخم صفقات الغاز في تاريخها مع إسرائيل. الاتفاق الجديد، المبرم مع شركة "نيو ميد إنرجي" الإسرائيلية، يضاعف واردات مصر من الغاز الفلسطيني المسروق من 850 مليون إلى 1.7 مليار قدم مكعبة يومياً، وبسعر يزيد أكثر من 30% عن السابق، وبقيمة إجمالية تبلغ 35 مليار دولار تمتد حتى عام 2040.
الخطوة تأتي رغم انقطاعات متكررة في إمدادات الغاز المحلي وتوقف مصانع ومحطات كهرباء، ما يثير تساؤلات عن دوافع النظام، خاصة في ظل استمرار المجازر واشتداد الحصار على غزة.
سفينة سعودية تُحاصر في ميناء إيطالي
في المقابل، تنشط موانئ أوروبية لقطع خطوط الإمداد العسكري للاحتلال. عمال ميناء جنوة الإيطالي أوقفوا سفينة سعودية تدعى "بحري ينبع"، كانت تحمل أسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، ومنعوها من التفريغ وأعادوها، في خطوة تضامنية تكررت سابقاً ضد نفس السفينة.
النقابات العمالية أكدت أن القانون الإيطالي يتيح الإضراب لحماية الأمن الجماعي ومنع الأعمال الحربية، معتبرة ما جرى "عملاً مشروعاً ضد الإبادة".
أوروبا تتحرك.. وغزة في قلب فلسطين
ثماني دول أوروبية — بينها إسبانيا وأيرلندا والنرويج — أصدرت بياناً مشتركاً أكدت فيه أن غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، ورفضت أي تغييرات ديموغرافية أو احتلال كامل للقطاع. النرويج ذهبت أبعد، فأعلن صندوقها السيادي، الأكبر في العالم، سحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية مرتبطة بالجيش.
الرأي العام الأوروبي يتحول بدوره؛ استطلاع في ألمانيا أظهر أن غالبية السكان، وخاصة الشباب، يؤيدون اعتراف بلادهم بدولة فلسطين، رغم المواقف الرسمية المساندة للاحتلال.
أستراليا تلتحق بركب الاعتراف
في مشهد يعكس تغير المزاج العالمي، أعلن رئيس وزراء أستراليا أن بلاده ستعترف بفلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة، مؤكداً أن الحل سياسي لا عسكريا.
مشهد مقلوب
المفارقة القاسية أن بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها نظام السيسي وملك الأردن، تمضي في التعاون الأمني والاقتصادي مع الاحتلال، بل وتشارك في الحصار الخانق على غزة، فيما يتقدم الشارع والنقابات في الغرب بخطوات عملية لكسر هذا الحصار والضغط على إسرائيل.
هكذا، بينما تشتد الإبادة في غزة، يمد "الأشقاء" الاحتلال بالغاز والسلاح، ويتصدى "الغرب" — تحت ضغط شعوبه — لمحاولة كبح المذبحة.