رغم ابتعاد الوزيرة والسفيرة السابقة فايزة أبو النجا، عن الأضواء لفترات، يبدو أنها لا تزال جزءًا من معادلة السلطة في مصر، فكانت هذه رسالة استدعائها في ملف سد النهضة قد يكون خطوة لإعادة التوازن بين السياسة والدبلوماسية والأمن في مواجهة أخطر تحديات مصر المائية.
وظل اسم السفيرة "أبو النجا" حاضرًا في المشهد السياسي المصري، سواء كوزيرة للتعاون الدولي في عهد مبارك والمجلس العسكري، أو كمستشارة لعبد الفتاح السيسي رئيس الانقلاب لشئون الأمن القومي منذ 2014.
وباعتبارها خبيرة اقتصاد دولى ووزيرة بحكومة الجنزوري في 2012؛ رفضت تسليم الرئيس د. محمد مرسى مستندات اتفاقيات مصر الدولية وقامت بتقديم الملف للقوات المسلحة.
وظهورها المتكرر في مناسبات عامة، مثل احتفالات بورسعيد بذكرى النصر على العدوان الثلاثي (1956) إلى جوار اللواء سمير فرج، بجانب تكريمات دولية واحتفالات وطنية، يثير تساؤلات حول دورها المستمر في ملفات استراتيجية، وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبي، والذي أوكل لها رئيس الانقلاب دورها في التحدي الأكبر للأمن المائي.
وكان تعيينها في 2014 مستشارة الأمن القومي المعنية بسد النهضة، لتصبح ضمن الدائرة الضيقة لصنع القرار الاستراتيجي، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية.
وتقول الأسطورة المتداولة منذ 2019 وفق تقارير إعلامية، منها "مدى مصر"، أن جهات عدة، بينها "أبو النجا" وخبراء من الخارجية والدفاع والمخابرات والري، نصحت السيسي بعدم توقيع اتفاقية 2015، محذرة من أنها ستضعف الموقف المصري. لكن السيسي اعتمد على "علاقاته الشخصية" (يبدو أنها مع محمد دحلان وابن زايد) لحل الأزمة إلا أنها جمدت لنحو 6 سنوات دون معرفة الأسباب..
وأشار مراقبون إلى أن التفسير المحتمل لظهورها بجوار شخصيات عسكرية بارزة قد يكون إشارة إلى إعادة استدعائها لدور في ملف السد، سواء عبر الدبلوماسية أو التنسيق الأمني أو عبر الإعلام.
ومن الأدوار المحتملة لأبو النجا في ملف السد، أنها قد تُكلف بمهام اتصال مباشر مع إثيوبيا، مستفيدة من خبرتها كسفيرة سابقة وعلاقاتها الدولية حيث سبق أن لعبت أدوارًا مشابهة في ملفات التعاون الدولي.
ويمكن أن تكون ذات دور تفاوضي داخلي بصفتها مستشارة للأمن القومي، يمكن أن تكون جزءًا من الفريق الذي ينسق بين وزارات الخارجية والدفاع والري والمخابرات، لضمان موقف موحد.
وقد تعيد أسطورة 2019 بتقديم نصائح استراتيجية للسيسي حول كيفية التعامل مع الضغوط الدولية، خاصة مع دخول أطراف جديدة مثل "إسرائيل" والولايات المتحدة بشكل علني.
وكشفت تل أبيب عن التعاون الإسرائيلي–الإثيوبي في مجال المياه في (فبراير 2025) وهو ما أثار قلقًا في صفحات الرأي بالصحف المحلية.
وركزت إدارة ترامب على تأمين المعادن النادرة في أفريقيا (صفقة الكونغو ديسمبر 2025)، أكثر من التدخل المباشر في أزمة السد وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن للعب دور فعال في النزاع أم دور بحث عن المصالح الاقتصادية.
وملف سد النهضة اليوم من الملفات الحرجة جدا فتقارير 2025 أكدت أن مخاطر الجفاف في مصر حقيقية، وأن السد قد يؤدي إلى نقص كبير في المياه، خاصة إذا لم تُنفذ إثيوبيا الدراسات البيئية المطلوبة.
من وزيرة إلى مستشارة الأمن القومي
بعد فبراير 2011، استمرت فايزة أبو النجا كما حدث مع الجنزوري في منصبها الوزاري رغم سقوط نظام مبارك، لتصبح رمزًا للاستمرارية البيروقراطية وسبق أن لعبت دورا في قضية التمويل الأجنبي (2012) محوريًا في ملاحقة منظمات المجتمع المدني الأجنبية، ما جعلها شخصية مثيرة للجدل داخليًا وخارجيًا.
وفي بورسعيد تأبطها سمير فرج وكأنه يعلن عن جديد، بإعادة تقديمها للجمهور في مسقط رأسها قد يكون تمهيدًا لدور أكبر في المرحلة المقبلة، ما يؤكد استمرار نفوذها في دوائر القرار.
إعادة ظهور فايزة أبو النجا في ديسمبر 2025، سواء في احتفالات بورسعيد أو عبر تكريمات دولية، ليست مجرد حدث بروتوكولي. بل هي إشارة إلى أن الدولة قد تستدعي خبرتها في ملف سد النهضة، الذي يهدد الأمن المائي المصري.
سد النهضة
وسد النهضة، الذي شرعت إثيوبيا في بنائه عام 2011، يُعد أكبر مشروع مائي في أفريقيا، بسعة تخزينية تتجاوز 74 مليار متر مكعب. ورغم أهميته التنموية لإثيوبيا، فإن مصر والسودان حذرتا مرارًا من آثاره المحتملة على حصصهما التاريخية من مياه النيل.
وتقارير لجنة الخبراء الدولية (2013) أكدت أن إثيوبيا لم تقدم دراسات كافية لتقييم الآثار البيئية والاجتماعية، خاصة على مصر والسودان، وأن ما قُدم كان ناقصًا وغير كافٍ (صفحات 38–40 من التقرير).
ووقّعت مصر والسودان وإثيوبيا "اتفاق إعلان المبادئ"، (اتفاقية 2015) الذي اعتبره كثيرون تنازلًا عن الحقوق التاريخية لمصر (55.5 مليار متر مكعب سنويًا)، لأنه لم يتضمن ضمانات ملزمة. تقارير حقوقية وسياسية شبّهت هذا التنازل بصفقات الغاز مع إسرائيل، معتبرة أن مصر قد تجد نفسها يومًا مضطرة لشراء المياه.
