فتح البيان المشترك الصادر مؤخراً عن النائب العام ووزير المالية فى سلطة الانقلاب العسكرى، ملفاً بالغ الغموض والإثارة، وهو ملف المصادرات والمضبوطات المتراكمة منذ عقود، حيث أعلنت السلطات أن حصيلتها زادت بأكثر من 300% في السنوات الأربع الأخيرة، إلى جانب تسليم 200 كيلو جرام من الذهب – بعد صهره في سبائك – إلى البنك المركزي لتعزيز الاحتياطي النقدي.
لكن خلف هذه الأرقام يثور سؤال جوهري: لماذا كل هذه المصادرات؟ وأين تذهب حصيلتها؟ وهل تكفي مصر المنهوبة بالقطعة والقروض الأجنبية التي أغرقتها في تضخم غير مسبوق؟
القاضي السابق بمحكمة استئناف القاهرة، أشرف مصطفى، يكشف أن هذه المضبوطات ليست وليدة اليوم، بل تراكمت منذ الثمانينيات والتسعينيات: سيارات فارهة وتجارية، بضائع مهربة، أجهزة إلكترونية، وذهب ظل محتجزاً لعقود، لتتحول مع الوقت إلى مغارة علي بابا تسيطر عليها مافيا من السماسرة وكبار التجار بتسهيلات من عصابة العسكر.
ويضيف أن المزادات التي تعلنها الدولة كثيراً ما تُفصَّل على مقاس فئات بعينها، حيث تُباع السيارات والبضائع بأثمان بخسة ثم يُعاد ضخها في الأسواق بأضعاف قيمتها، بما يُهدر مليارات على الخزانة العامة بينما المستفيد الحقيقي قلة محدودة تدور في فلك النظام.
المفارقة أن الخطوة التي أقدمت عليها النيابة بتحويل الذهب إلى سبائك لصالح البنك المركزي مثّلت نموذجاً يمكن أن يحقق فائدة عامة، لكنها تظل استثناءً، بينما تظل باقي الملفات – السيارات، البضائع، الأموال – مرتعاً للفساد وغياب الشفافية.
مصطفى علوان، رئيس مؤسسة "رايتس"، يوضح أن جزءاً كبيراً من هذه المصادرات ظل عالقاً لعقود بسبب بطء القضاء والتشابكات البيروقراطية وغياب الحوكمة، ما جعل أصحابها عاجزين عن استرداد حقوقهم، في حين تحولت المخازن إلى مقابر لممتلكات ضخمة.
ويؤكد أن القانون يُلزم بوجود لجان تقييم من وزارة المالية والرقابة قبل أي مزاد، لكن غياب الشفافية يحول هذه الإجراءات إلى مجرد ستار لتربح قلة متنفذة. فلا بيانات منشورة ولا آليات رقابية مستقلة، بل قرارات متضاربة بين النيابة والجمارك ووزارات أخرى، تفتح الباب للمماطلة والابتزاز.
ويرى خبراء أن الدولة تحاول اليوم تعويض عجزها المالي عبر هذه الأصول المجمدة، لكن ذلك لا يغير الحقيقة الكبرى: أن مصر تُدار بالقطعة، تُنهب مواردها ومقدراتها، بينما يُغرقها السيسي بالقروض الأجنبية التي فجرت موجات غلاء غير مسبوقة.
فهل تكفي هذه المصادرات لسد شهية النظام على النهب؟ أم أنها مجرد حلقة جديدة في مسلسل بيع مصر لحساب عصابة العسكر، بينما الشعب يدفع الثمن جوعاً وفقراً وارتفاعاً جنونياً للأسعار؟